٧ نكت من الخطبة الفدكية للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام
السيد حسين الهاشمي
منذ 6 ساعاتالخطبة الفدكية لفاطمة الزهراء سلام الله عليها من الكلمات الخالدة في تاريخ الإسلام بل تاريخ البشرية بأجمعه. لما فيها من النكات العظيمة والجذابة. هذه الخطبة ليست مجرد احتجاجٍ على مصادرة حقٍّ ماديٍّ في فدك، بل هي مرافعة إلهيّة كاشفة لجوهر الرسالة ومقاصدها، وصرخة وعيٍ في وجه الانحراف بعد رحيل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله. هذه الخطبة تمثّل قمّة البيان المحمّدي في لسان مولاتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليها، حيث جمعت بين عمق العقيدة ودقّة الاستدلال وروعة التصوير البلاغي وحرارة الموقف الإيماني.
إنّ التأمّل في مضامين الخطبة يكشف عن نكاتٍ فكرية ولطائف بيانية وأبعاد تربويّة واجتماعية تُظهر سموّ فكر الزهراء عليها السلام، وسعة معرفتها بالقرآن الكريم، وإحاطتها بأسرار الدين. في واقع الأمر هذا هو المتوقع منها سلام الله عليها. لأنها المعصومة من جميع الأخطاء وهي منبع علم الله تعالى وهي الحجة على حجج الله تعالى. فقد وردت رواية منسوبة إلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام أنه قال: « نحن حجج اللّه على خلقه، و جدّتنا فاطمة حجة اللّه علينا » (1).
النكات المستفادة من الخطبة الفدكية
الأول: المشاركة الاجتماعية والدينية مع حفظ العفاف
أحد أهم الأمور التي تشغل بال النساء المؤمنات هي أنه كيف يمكنهن أن يشاركن في الأمور الاجتماعية والثقافية والاجتماعات الدينية؟ فإنهن ينظرن إلى النساء الموجودات في الدول الغربية اللاتي يشاركن في المجتمعات الاجتماعية والثقافية بمظاهر غير لائقة بالمرأة المسلمة فيأتي إلى بال المرأة المسلمة أنّ المشاركة في أمور المجتمع، تتطلب أن لاتلبس الحجاب أو تترك عفتها. لكن هذا الأمر مجرد تخيل ووهم باطل. فإنّه يمكن للمرأة المسلمة أن تجتمع بين المشاركة الفعالة في الأمور الاجتماعية والاجتماعات الثقافية والدينية وبين الحفاظ على معتقداتها وكيفية لباسها وعفتها. وهذا الدرس العظيم ما نفهمه من فاطمة الزهراء سلام الله عليها. فإنها وإن كانت في قمة العفاف وهي المصداق الأبرز لعفة المرأة لكن هذا الأمر لم يمنعها من أن تذهب إلى المسجد وتعاتب غاصبي خلافة أميرالمؤمنين عليه السلام وغاصبي بستان فدك. لكن شاهدوا كيفية خروجها من المنزل وكيفية ذهابها إلى المسجد. فإنه قد روي: « أنه لما أجمع أبو بكر على منع فاطمة فدك ، وبلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها واشتملت بجلبابها وأقبلت في لُمَّة من حفدتها ونساء قومها تَطَأُ ذيولها ، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. حتى دخلت على أبي بكر. وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم.ـ فنيطت دونها ملاءة، فجلست » (2).
الثاني: الولاية التكوينية لفاطمة الزهراء سلام الله عليها
إنّ فاطمة الزهراء سلام الله عليها حجة الله على خلقه أجمعين وقد نقلنا رواية الإمام العسكري عليه السلام حول أنها الحجة على حجج الله تعالى. ولهذا من الواضح أن لديها الولاية التكوينية على الخلق أجمعين. فإذا أرادت بجدّ أن تأخذ شيئا فلا يمكن لأحد أن يمنعها. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « إنّ اللّه يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها » (3). ويمكننا أن نشاهد هذه الولاية التكوينية في بداية الخطبة الفدكية. فإنّ فاطمة الزهراء سلام الله عليها جائت إلى المسجد والمسجد مملوء بأعدائها ومخالفيها وغاصبيها. لكن عندما جلست، حدثت واقعة عجيبة. فقد روي: « فجلست ثم أنت أنة أجهش القوم لها بالبكاء، فارتج المجلس، ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله، فعاد القوم في بكائهم فلما أمسكوا عادت في كلامها » (4). هؤلاء القوم هم الظالمون والغاصبون لحقّ الزهراء سلامُ اللهِ عليها، وهم الذين اشتركوا في إحراقِ بابِ بيتها وتسبّبوا في شهادتها. لكنَّ أنينَ الزهراء سلامَ اللهِ عليها أثّر فيهم تأثيرًا لا إراديًّا، حتى اضطُرَّت الزهراءُ سلامُ اللهِ عليها إلى الصبرِ لتهدأَ روعتُهم. وهذه لمحةٌ من ولايتها التكوينيّة على الخلق.
الثالث: شكر الله تعالى في جميع الحالات
إنَّ فاطمةَ الزهراءَ سلامَ اللهِ عليها كانت غاضبةً لما جرى من غصبِ خلافةِ أميرِ المؤمنينَ عليه السلام، وسلبِ بساتينِ فدك. غير أنّ هذا الغضبَ لم يجعلها تنسى نِعَمَ اللهِ تعالى ومواهِبَه التي أكرمها بها، فاستهلّت كلامَها بحمدِ اللهِ تعالى والثناءِ عليه، إذ قالت: « الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن والاها ... وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها، واستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وثنى بالندب إلى أمثالها » (5). وهذا أحد أهم الدروس التي يجب أن نتعلمها من فاطمة الزهراء سلام الله عليها ونطبقها في حياتنا ونعلّمها لأولادنا وهي أن لاننسى الله تعالى وشكر نعمه وحمده في أيّ حالة من أحوال الدنيا. فإنّ الدنيا دوّارة. كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: « الدهر يومان، يوم لك، ويوم عليك، فإن كان لك فلا تبطر وإن كان عليك فاصبر » (6).
الرابع: حكم بعض الأحكام الإلهية
من الأمور المهمة التي تجول في أذهان المؤمنين خاصة الشباب، أنّه ما فائدة هذه الأحكام الشرعية. فما الحكمة في فعل الواجبات وترك المحرمات. هل أصلا توجد حكمة للأحكام الإلهية خارج نطاق الامر والنهي؟ أي أنه هل توجد مصالح في الواجبات ومفاسد في المحرمات؟ إذا كانت الأحكام الإليهة تابعة للمصالح والمفاسد ونحن نستفيد منها، فما هي تلك الفوائد والحِكَم؟
إنّ فاطمة الزهراء سلام الله عليها نقلت لنا بعض هذه الفوائد بعلمها الإلهي. فقالت: « فجعل الله الإيمان تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة تنزيها لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس، ونماء في الرزق، والصيام تثبيتا للإخلاص، والحج تشييدا للدين، والعدل تنسيقا للقلوب، وطاعتنا نظاما للملة، وإمامتنا أمانا من الفرقة والجهاد عزا للإسلام، والصبر معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، وبر الوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منماة للعدد، والقصاص حقنا للدماء، والوفاء بالنذر تعريضا للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تغييرا للبخس، والنهي عن شرب الخمر تنزيها عن الرجس، واجتناب القذف حجابا عن اللعنة، وترك السرقة إيجابا للعفة وحرم الله الشرك إخلاصا له بالربوبية » (7).
الخامس: الافتخار بالعائلة المتديّنة
بعضُ الشبابِ يستحون من التحدّث مع عائلاتهم أمام أصدقائهم، بل وربما يستحون من الظهور معهم في المجتمع، بحجّة أنّ عائلاتهم متديّنةٌ جدًّا ولا ينسجمون مع مظهرِ المجتمعِ المعاصر. إذ يرى بعضهم أنّ المجتمعَ اليومَ قد أصبح «متطوّرًا» لا يُبالي بالدينِ ولا بالالتزامِ الديني. لكنّ هذا الأمر من الأغلاط والأباطيل ومن وساوس الشيطان. فيجب على أيّ شخص أن يفتخر بعائلته خصوصا إذا كانوا مؤمنين ومتديّنين. وهذا ما نقتبسه من كلمات فاطمة الزهراء سلام الله عليها حيث قالت: « أيها الناس! اعلموا أني فاطمة وأبي محمد. أقول عودا وبدءا ولا أقول ما أقول غلطا ، ولا أفعل ما أفعل شططا ... فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم ، وأخا ابن عمي دون رجالكم ، ولنعم المعزي إليه » (8).
السادس: تذكّر فضل الناس
من أحسن الفضائل الأخلاقية للشخص المؤمن أن يتذكر فضل من تفضّل عليه. فلا ينسى أيّ فضل من أيّ شخص ولا يتخيل أنّ هذا الفعل المعروف الذي فعله الشخص الآخر كان من واجباته. وأيّ فضل أعظم من فضل النبي صلى الله عليه وآله وسلم علينا. فإنه صلى الله عليه وآله وسلم هدانا إلى دين الحقّ وإلى سواء الصراط. ولهذا تُذكّر الزهراء سلام الله عليها، الناسَ بفضل النبي عليهم حيث قالت: « فبلغ الرسالة، صادعا بالنذارة، مائلا عن مدرجة المشركين ... وفهتم بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص ﴿ وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ ﴾ مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون الورق، أذلة خاسئين ... فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد بعد اللتيا والتي وبعد أن مني ببهم الرجال، وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب » (9).
السابع: تهمة السرقة أو الخروج من الدين لفاطمة الزهراء سلام الله عليها
إنّ غاصبي فدك، قد إتهموا فاطمة الزهراء سلام الله عليها بأنها قد سرقت من المسلمين أو أنها خارجة عن دين الإسلام. وهذه التهمة قد حصلت في ضمن غصبهم لفدك. فإنهم أشاعوا بين الناس أنّ فدكا ملك للمسلمين. والحال أن هذا البستان كان في يد الزهراء عليها السلا. فإنها تهمة ضمنية بأنها قد سرقت فدكا من المسلمين. أو أنها خارجة عن دين الإسلام فلا ترث من أبيها. لأنّ الكافرة لاترث من المسلم. وهذا ما أشارت إليه الزهراء سلام الله عليها في خطبتها حيث قالت: « يا ابن أبي قحافة، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟ ... وزعمتم ألا حظوة لي ولا أرث من أبي ولا رحم بيننا، أفخصكم الله بآية أخرج منها أبي؟ أم هل تقولون أهل ملتين لا يتوارثان؟ أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟ » (10). فأحد الأسباب الأساسية لهذه الخطبة والعتاب هي هذه التهمة التي تنافي عصمتها.
كانت هذه سبعَ نُكَتٍ رائعةً من الخطبةِ الفدكيّة للسيدةِ الزهراء سلامُ اللهِ عليها.
وإذا لاحظتم نُكَتًا أو معانيَ جميلةً أخرى في هذه الخطبةِ المباركة، شاركونا إيّاها في التعليقات، لنستنيرَ معًا بنورِ كلماتِ الزهراء عليها السلام، ونتعلّمَ منكم أكثر.
1) عوالم العلوم (للشيخ عبدالله البحراني) / المجلد: 11 / الصفحة: 1030 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – بيروت / الطبعة: 1.
2) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 29 / الصفحة: 220 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
3) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 29 / الصفحة: 320 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
4) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 29 / الصفحة: 220 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
5) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 29 / الصفحة: 220 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
6) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 73 / الصفحة: 135 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
7) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 29 / الصفحة: 223 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
8) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 29 / الصفحة: 224 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
9) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 29 / الصفحة: 224 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
10) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 29 / الصفحة: 227 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.













التعلیقات