نمط الحياة الأُسَرِيّة للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله
السيد حسين الهاشمي
منذ 6 ساعاتلقد شكّل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم القدوة المثلى في جميع جوانب الحياة، سواء في معاملاته مع الناس، أو في سلوكه الاجتماعي، أو في عباداته، أو في علاقاته الأسرية. وهذا ما شهد به الله سبحانه وتعالى حيث قال: ﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ (1). ومن أبرز الجوانب التي تستحق التأمل والدراسة هي حياته صلى الله عليه وآله سلم داخل أسرته، حيث يظهر نموذجًا فريدًا في المحبة، والرحمة، والرعاية، والتوازن. لم تكن أسرته مجرّد بيت يعيش فيه، بل كانت ميدانًا تتجلّى فيه القيم الإسلامية بأسمى صورها. إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو قائد الأمة ومبلّغ الرسالة، لم يكن بعيدًا عن هموم أهل بيته، بل كان حريصًا على إشاعة المحبة والسكينة داخل البيت، مع زوجاته وأولاده وأحفاده. فكان يعاملهم بلين، ويمازحهم بحبّ، ويشاركهم شؤون الحياة اليومية، ويظهر لهم الاهتمام والرحمة. وكانت محبته لعائلته تظهر في سلوكه وأقواله، كما يتجلّى في حبه العميق لفاطمة الزهراء عليها السلام، وحنانه على الحسن والحسين عليهما السلام.
واليوم 28 من شهر صفر المظفر هو يوم استشهاد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. لهذا قررنا أن نكتب لكم عن نمط حياته صلى الله عليه وآله وسلم مع أسرته وعائلته، كي نتعلّم منه صلى الله عليه وآله، ونبني حياة أسرية أجمل وأكمل.
المعاملة مع الزوجة
قال الله سبحانه وتعالى لجميع المؤمنين حول أزواجهم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ (2). وكان معاملة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله مع أزواجه تجسيدا عمليا لهذه الآية الشريفة. فقد روي عنه صلى الله عليه وآله: « خيركم خيركم لأهله و أنا خيركم لأهلي ما أكرم النّساء إلاّ كريم و لا أهانهنّ إلاّ لئيم » (3).
في يوم من الأيام، جائت إمرأة بإسم الحولاء إلى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسألته عن حق الرجل على زوجته. فبيّن النبي حقوق الزوج. فقالت الحولاء: يا رسول الله صلى الله عليك، هذا كله للرجال؟ قال: نعم. قالت: فما للنساء على الرجال؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: « اخبرني أخي جبرئيل ، ولم يزل يوصيني بالنساء حتى ظننت أن لا يحلّ لزوجها أن يقول لها : أُفّ ، يا محمّد : اتّقوا الله عزّ وجلّ في النساء ، فإنّهن عوان بين أيديكم أخذتموهن على أمانات الله عزّ وجل ... فأشفقوا عليهنّ وطيبوا قلوبهن حتّى يقفن معكم ، ولا تكرهوا النساء ولا تسخطوا بهن ، لا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلّا برضاهنّ واذنهن » (4).
المساعدة في أمور البيت
إنّ أعمال خارج البيت من وظائف الرجال وأعمال داخل البيت من وظائف النساء. كما جاء في الرواية: « تقاضى عليّ وفاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في الخدمة فقضى على فاطمة عليها السلام بخدمتها ما دون الباب ، وقضى على عليّ عليه السلام بما خلفه قال : فقالت فاطمة : فلا يعلم ما دخلني من السرور إلا الله باكفائي رسول الله صلى الله عليه وآله تحمل ارقاب الرجال » (5). لكن ينبغي للرجل أن يساعد زوجته وعائلته في الأمور المنزلية أيضا حتى تتكون حياة مليئة بالمحبة والكرامة في داخل البيت. و كان هذا من سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. فقد إبن شهر آشوب في كتابه حول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: « كَانَ النَّبِيُّ أَحْكَمَ النَّاس ِوَأَحْلَمَهُمْ ... وَكَانَ يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ وَيَنَامُ عَلَيْهَا وَيَأْكُلُ عَلَيْهَا وَكَانَ يَخْصِفُ النَّعْلَ وَيَرْقَعُ الثَّوْبَ وَيَفْتَحُ الْبَابَ وَيَحْلُبُ الشَّاةَ وَيَعْقِلُ الْبَعِيرَ فَيَحْلِبُهَا ويَطْحَنُ مَعَ الْخَادِمِ إِذَا أَعْيَا وَيَضَعُ طَهُورَهُ بِاللَّيْلِ بِيَدِهِ وَلَا يَتَقَدَّمُهُ مُطْرِقٌ ولَا يَجْلِسُ مُتَّكِئاً وَيَخْدُمُ فِي مِهْنَةِ وأَهْلِهِ وَيَقْطَعُ اللَّحْمَ وَإِذَا جَلَسَ عَلَى الطَّعَامِ جَلَسَ مُحَقَّراً » (6).
وقد روى أميرالمؤمنين عليه السلام: « دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وفاطمة جالسة عند القِدر وأنا أُنقي العدس، قال: يا أبا الحسن. قلت: لبيك يا رسول الله ، قال: اسمع مني ـ وما أقول إِلاّ من أمر ربي ـ ما من رجل يعين امرأته في بيتها إِلاّ كان له بكل شعرة على بدنه عبادة سنة، صيام نهارها وقيام ليلها، وأَعطاه الله تعالى من الثواب مثل ما أعطاه الصابرين داود النبي ويعقوب وعيسى عليهم السلام ...» (7).
الأخلاق الحسن مع الأسرة
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قمّة الأخلاق، وكان تعامله مع الجميع معاملة حسنة وبأخلاق فاضلة، وبالتالي كانت أخلاقه وتصرفاته مع أسرته وعائلته أيضًا حسنة. وقد قال الله سبحانه وتعالى حوله صلى الله عليه وآله: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾ (8). وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: « لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته وهي الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها وحسن خلقه معها واستعماله استمالة قبلها بالهيئة الحسنة في عينها وتوسعته عليها » (9). وقد روى سعد بن هشام: « دخلت على عائشة فسألتها عن أخلاق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وسلّم فقالت: أمّا تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: كان خُلقُ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وسلّم القرآنَ » (10).
معاملته مع الأطفال
كما أنّ الطفل بحاجة إلى الغذاء الجسدي، فهو أيضًا بحاجة إلى الغذاء الروحي، وأفضل غذاءٍ روحيٍّ للطفل هو الرأفة والحنان؛ لأنّ الطفل يجد السرور ويشعر بالسعادة من التقبيل، والشمّ، والاحتضان. وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بالإضافة إلى توجيهاته في هذا المجال لأتباعه، سبّاقًا في تطبيقها عمليًّا.
فقد جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وآله فقال: « ما قبلت صبيا قط. فلما ولى قال النبى صلى الله عليه وآله: هذا رجل عندنا إنه من أهل النار » (11). ورأى صلى الله عليه وآله رجلا من الأنصار له ولدان، قبّل أحدهما وترك الاخر. فقال صلى الله عليه وآله: « هلا واسيت بينهما » (12). وأيضا قد روي: « إنّ النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقبّل نحر فاطمة. فقلت: يا رسول اللّه فعلت شيئا لم تفعله بأحد من ولدك غيرها؟ قال: إنّي إذا اشتقت الى الجنّة قبّلت نحر فاطمة » (13). وأيضا روى أبو هريرة: « سمع اذناي هاتان وبصر عيناي هاتان رسول الله وهو آخذ بيديه جميعا بكتفي الحسن والحسين، وقدما هما على قدم رسول الله ، ويقول: ترق عين بقة. قال: فرقا الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله. ثم قال له : افتح فاك ثم قبله ثم قال : اللهم أحبه فاني احبه » (14).
و كان صلّى اللّه عليه و آله: « يقدم من السفر فيتلقّاه الصبيان فيقف لهم ثمّ يأمر بهم فيرفعون إليه، فيرفع منهم بين يديه و من خلفه و يأمر أصحابه أن يحملوا بعضهم، فربما يتفاخر الصبيان بعد ذلك فيقول بعضهم لبعض: حملني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بين يديه و حملك أنت وراءه، و يقول بعضهم: أمر أصحابه أن يحملوك وراءهم، و كان يؤتى بالصّبي الصغير ليدعو له بالبركة و التسمية فيأخذه فيصنعه في حجره فربّما بال الصبيّ فيصيح به بعض من يراه فيقول له: لا تزرموا الصبيّ فيدعه حتّى يقضي بوله ثمّ يفرغ من دعائه و تسميته، و يبلغ سرور أهله فيه لئلاّ يروا أنّه تأذّى ببوله، و إذا انصرفوا غسل ثوبه بعدهم » (15).
هذا الذي ذكرناه كان القليل من مداراة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله مع عائلته وأطفاله. نسأل الله أن يجعلنا من التابعين له في القول والفعل.
1) سورة الأحزاب / الآية: 21.
2) سورة النساء / الآية: 19.
3) نهج الفصاحة (لأبي القاسم باينده) / المجلد: 1 / الصفحة: 472 / الناشر: نشر دنيا دانش – طهران / الطبعة: 1.
4) مستدرك الوسائل (للمحدث الشيخ حسين النوري) / المجلد: 14 / الصفحة: 252 / الناشر: مؤسسة آل البيت – قم / الطبعة: 1.
5) وسائل الشيعة (للشيخ حرّ العاملي) / المجلد: 20 / الصفحة: 172 / الناشر: دار مؤسسة آل البيت - قم / الطبعة: 1.
6) مناقب آل أبي طالب (لإبن شهر آشوب) / المجلد: 1 / الصفحة: 146 / الناشر: نشر العلامة – قم / الطبعة: 1.
7) جامع الأخبار (للشيخ محمد السبزواري) / المجلد: 1 / الصفحة: 275 / الناشر: مؤسسة آل البيت – قم / الطبعة: 1.
8) سورة آل عمران / الآية: 159.
9) تحف العقول (لإبن شعبة الحراني) / المجلد: 1 / الصفحة: 323 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
10) المحجة البيضاء (للفيض الكاشاني) / المجلد: 4 / الصفحة: 120 / الناشر: جامعة المدرسين – قم / الطبعة: 4.
11) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 104 / الصفحة: 99 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
12) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 104 / الصفحة: 99 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
13) ينابيع المودة (لسليمان القندوزي) / المجلد: 2 / الصفحة: 132 / الصفحة: دار الأسوة – قم / الطبعة: 1.
14) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 43 / الصفحة: 286 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
15) المحجة البيضاء (للفيض الكاشاني) / المجلد: 3 / الصفحة: 367 / الناشر: جامعة المدرسين – قم / الطبعة: 4.
التعلیقات