النماذج النسائية السلبية في القرآن ودروسها التربوية
نساء خالدات
منذ 3 ساعاتمن الأساليب التربوية البارزة التي استخدمها القرآن الكريم لتوجيه الإنسان نحو الهداية، عرضُ النماذج السلبية إلى جانب النماذج الإيجابية. فالقرآن لا يكتفي بذكر النساء المؤمنات اللواتي جسّدن الطهر والإيمان مثل آسية ومريم، بل يقدّم أيضًا صورًا لنساءٍ ابتعدن عن طريق الله، فكنّ عبرةً للأجيال. فالتعرّف إلى هؤلاء النسوة ــ مثل زوجة نوح، زوجة لوط وأمّ جميل زوجة أبي لهب ــ لا يهدف إلى الإدانة فحسب، بل إلى التعلّم من أخطائهنّ حتى لا نقع فيما وقعن فيه من الغواية، الخيانة، والنفاق.
إنّ دراسة هذه النماذج تساعدنا على فهم أثر المرأة في بناء أو هدم القيم داخل الأسرة والمجتمع، وتدعونا إلى مراجعة ذواتنا في ضوء هذه القصص القرآنية الخالدة.
زوجة نوح : خيانةٌ بجوار الصالحين
على مرّ التاريخ، كان هناك دائمًا خائنون يعيشون إلى جانب الصالحين، وكانت لهم أدوار معرقلة في طريق تحقيق القيم والمبادئ الإلهية. فإلى جانب الرجل الصالح وعبد الله نوح النبي، كانت زوجته مثالًا على الخيانة، وساهمت بدور سلبي في حياته. وقد قدّمها القرآن الكريم نموذجًا سلبيًا للرجال والنساء المنقطعين عن الله عبر التاريخ الإنساني:
(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) (۱).
وبناءً على هذه الآية، فإنّ هاتين المرأتين قد خانتا هذين النبيّين العظيمين.
وجاء في تفسير الأمثل:
وورد في كلمات بعض المفسّرين أنّ زوجة نوح كانت تدعى «والهة» وزوجة لوط «والعة» بينما ذكر آخرون عكس ذلك أي أنّ زوجة لوط اسمها (والهة) وزوجة نوح اسمها (والعة).
وعلى أيّة حال فإنّ هاتين المرأتين خانتا نبيّين عظيمين من أنبياء الله. والخيانة هنا لا تعني الإنحراف عن جادّة العفّة والنجابة، لأنّهما زوجتا نبيّين ولا يمكن أن تخون زوجة نبي بهذا المعنى للخيانة، فقد جاء عن الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما بغت امرأة نبي قطّ».
كانت خيانة زوجة لوط هي أن أفشت أسرار هذا النبي العظيم إلى أعدائه، وكذلك كانت زوجة نوح (عليه السلام).(٢)
وقد سُجّل في التاريخ أنّ زوجتي نوح ولوط كانتا من النساء اللاتي خنّ أزواجهنّ من الناحية السياسية والاجتماعية والأسرية.
ومن خلال سلوكهما الخياني نتبيّن أنّ معيار الخير والشرّ في السلوك إنما يعود إلى الشخص نفسه، وأنّ كون المرأة زوجة نبيّ لا يؤثّر في كمالها الإنساني بذاته.
الصفات النفسية والسلوكية لزوجة نوح
كانت زوجة نوح امرأةً سيئة اللسان، لا تحفظ كلامها، ولا تراعي العفّة في حديثها، وكانت دائمًا تستهزئ بمقام زوجها، وتتّهم ذلك النبيّ العظيم بالجنون والطيش أمام الناس.
كانت امرأةً متسرعة الطبع، عاجزة عن الصبر على الضغوط والمحن مع زوجها، وكانت تحاول فرض إرادتها على نوح عليه السلام.
ومن صفاتها النفسية والسلوكية الأخرى النفاق والازدواجية؛ فهي كانت تُظهر لزوجها الودّ والموافقة، بينما كانت في الخفاء تُدبّر المكائد والمؤامرات ضده بغرض إيذائه. (3)
هذه الصفات السلبية هي التي جعلت القرآن الكريم يذكرها بسوء. فالمرأة المؤمنة هي التي تتعامل مع زوجها بصدق، ولا تجعل الغدر والخيانة أسلوبًا في حياتها. ومن الفضائل الرفيعة للمرأة أن تذكر زوجها بخير، وألا تشتكي منه أمام الآخرين؛ لأنّ التقليل من شأن الزوج في الحقيقة يُضعف مكانة الأسرة بأكملها. فحفظ كيان الأسرة إنما يتحقّق بالاحترام المتبادل بين أفرادها، وللمرأة الدور الأول والأساسي في ذلك.
زوجة لوط : غضب الله بانتظار الخائنين
أُرسل النبيّ لوط عليه السلام من قِبل الله تعالى لدعوة قومه في مدينة «سدوم» إلى التوحيد. و«سدوم» تقع في الجهة الجنوبية من البحر الميت، وهي مدينة قديمة في أرض فلسطين.
وكما ورد في القسم السابق، فإنّ القرآن الكريم قدّم زوجة لوط نموذجًا من النساء السيئات. وكان دورها السلبي في التاريخ عظيمًا إلى درجة أنّ الله تعالى عذّبها مع قوم لوط، ولم تنفعها صلة الزوجية بنبيّ الله.
كان قوم لوط مشهورين بالعناد والفساد، ولم ينجح لوط في هدايتهم، فدعا الله أن يُنزل عليهم عذابه. فأرسل الله الملائكة إلى لوط ليخبروه بنزول العذاب، وقالوا له:
(قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) (4)
وقد ورد في آيةٍ أخرى أنّ الله سبحانه وتعالى طمأن نبيَّه لوطًا بواسطة ملائكته، فقالوا له إنّهم سينجون جميعًا إلا زوجته التي يجب أن تبقى في المدينة، لأنّها مثل سائر القوم ستُصاب بعذاب الله:
(وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ ۖ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ) (۵)
وأخيرًا نزل عذاب الله على قوم لوط، فانقلبت الأرض عاليها سافلها، وأُهلك جميع القوم بمن فيهم زوجة النبيّ، تحت مطرٍ من الحجارة الصلبة المتتابعة:
(فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ) (۶).
وبذلك، وعلى الرغم من شرف كونها زوجة نبيّ، إلا أنّها لمّا كانت من العصاة والمتمرّدين على أوامر لوط عليه السلام، فقد أصابها العذاب الإلهي الشديد مثل باقي القوم.
زوجة عزيز مصر : زليخا
إحدى النساء اللواتي ورد ذكرهن في القرآن الكريم كنموذجٍ سلبي هي زليخا زوجة عزيز مصر.كانت زليخا في البداية تسعى لإغواء النبي يوسف عليه السلام ودفعه إلى الفاحشة، إلا أنّ الله تداركها فتابت، وقُبِلَت توبتها، وحدثت معجزة إلهية أعادت لها شبابها، فتزوجها يوسف عليه السلام.
يقول الله تعالى: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (٧).
إنّ مقاومة يوسف الصلبة جعلت زوجة العزيز تكاد تيأس، لكنّه وقد انتصر في هذا الصراع أمام امرأةٍ ماكرةٍ تتبع أهواءها، شعر أنّ بقاءه هناك خطر، فبادر بالفرار نحو الباب ليخرج، إلا أنّ زوجة العزيز لم تبقَ ساكنة، فلحقت به لتمنعه من الخروج، فأمسكت قميصه من الخلف فمزّقته. يقول الله تعالى: (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ) (۸).
والمثير أنّ هذه المرأة الخائنة، حين رأت نفسها على وشك الفضيحة، تظاهرت بالبراءة واتّهمت يوسف أمام زوجها قائلة: (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (۹).
لكنّ الله تعالى الذي ينصر الصادقين فضح مكرها وخيانتها، فاعترفت زليخا بأعمالها واعترفت ببراءة يوسف، فقالت: (قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) (۱۰).
ثم تابعت قائلة: (لِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ) (۱۱).
لقد انبهرت زليخا بجمال يوسف عليه السلام، ففُتنت به وعبّرت عن رغبتها الخاطئة في الخلوة، لكنّ نبيّ الله فرّ من الموقف بعونٍ وبرهانٍ من ربّه، فبقيت خيانة زليخا لزوجها ــ الذي كان ملكًا في زمانه ــ ظاهرةً مسجّلةً في صفحات التاريخ.
زوجة أبي لهب (أم جميل) : دور الزوجات غير الصالحات
يمكن للمرأة أن يكون لها دور إيجابي في حياة زوجها، فتعاونه على الهداية والتكامل الإنساني والإلهي وتربية الأبناء الصالحين،
كما يمكنها أن تكون سببًا في انحرافه وشقائه. وأمّ جميل كانت من هذا النوع الثاني؛ إذ كانت تدفع زوجها ــ وهو عمّ النبي صلی الله علیه وآله ومن أشدّ أعدائه لسانًا وخصومةً ــ إلى إيذاء رسول الله صلی الله علیه وآله وأتباعه وتشجيع الآخرين على ذلك. ولهذا خُصّصت في القرآن سورة كاملة لذمّ هذين الزوجين اللذين كانا من أسباب الشقاء والضلال: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ) (۱۲).
وقد وُصفت زوجة أبي لهب بأنّها "حمّالة الحطب" لأنها كانت تشاركه في أفعاله العدائية، وتعينه في سعيه ضد النبي صلى الله عليه وآله.
ورُوي عن طارق المحاربي: بينا أنا بسوق ذي المجاز، إذا أنا بشاب يقول: أيها الناس! قولوا لا إله إلا الله تفلحوا. وإذا برجل خلفه يرميه، قد أدمى ساقيه وعرقوبيه، ويقول: يا أيها الناس! إنه كذاب فلا تصدقوه. فقلت: من هذا؟ فقالوا: هو محمد، يزعم أنه نبي، وهذا عمه أبو لهب، يزعم أنه كذاب. (۱۳)
وقال ابن عباس: وهي أم جميل بنت حرب، أخت أبي سفيان (حمالة الحطب) كانت تحمل الشوك والعضاة، فتطرحه في طريق رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا خرج إلى الصلاة ليعقره، عن ابن عباس. وفي رواية الضحاك: قال الربيع بن أنس: كانت تبث وتنشر الشوك على طريق الرسول، فيطؤه كما يطأ أحدكم الحرير. وقيل: إنها كانت تمشي بالنميمة بين الناس، فتلقي بينهم العداوة، وتوقد نارها بالتهييج، كما توقد النار الحطب، فسمى النميمة حطبا. (۱۴)
وهكذا كانت هذه الصفة الذميمة متأصلة في زوجة أبي لهب، إذ كانت تسعى بالكلام والسعاية لمصلحة زوجها وضدّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله.
النتيجة
تُظهر هذه القصص القرآنية أنّ القرب من الأنبياء أو المكانة الاجتماعية لا تكفي لبلوغ الكمال الإنساني، وأنّ الإيمان والعمل الصالح هما المعياران الحقيقيان عند الله. فزوجتا نوح ولوط خانتا الرسالة، وزليخا انزلقت وراء الشهوة قبل أن تعترف بالحق، وأمّ جميل سخّرت لسانها ودهاءها لمحاربة النور الإلهي. هؤلاء النسوة خُلّدن في القرآن لا للفضيحة، بل للعبرة. إنّ من يتدبّر سيرتهنّ يدرك أنّ المرأة تستطيع أن تكون سببَ نجاةٍ أو هلاك، وأنّ دورها في صلاح المجتمع لا يقلّ عن دور الرجل.
لنتعلّم من هذه النماذج أن نراجع أنفسنا دائمًا، وأن نختار طريق الصدق والإيمان بدل طريق المكر والخيانة. فلنكن قدوةً طيبة في بيوتنا ومجتمعاتنا، ولنقرأ القرآن بعينٍ تربويةٍ واعية تستخرج من قصصه دروس الحياة. إنّ التأمل في هذه النماذج السلبية هو بداية الطريق نحو بناء شخصيةٍ مؤمنةٍ قويةٍ تسهم في إصلاح الآخرين بدل إفسادهم.
1. التحريم: ١٠.
2. تفسير الأمثل / مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر / المجلد : 18 / الصفحة : 298.
3. نص مترجم: بررسى تاريخى منزلت زن از ديد كاه اسلام / ثريا مكنون و مريم صانع پور / ص ۴۶ - ۴۹.
4. هود : ۸۱.
5. العنکبوت : ۳۳.
6. هود : ۸۲.
7. يوسف: ٢٣.
8. يوسف: ٢٥.
9. یوسف : ۲۵.
10. یوسف : ۵۱.
11. یوسف : ۵۲.
12. المسد : ۱ _ ۵.
13. مجمع البيان في تفسير القرآن / الشيخ الطبرسي / الطبعة مؤسسة الأعلمي / المجلد ١٠ / الصفحة : ٤٧٦.
14. مجمع البيان في تفسير القرآن / الشيخ الطبرسي / الطبعة مؤسسة الأعلمي / المجلد ١٠ / الصفحة : ٤٧٦.








التعلیقات