المحسن بن علي عليه السلام في الروايات
السيد حسين الهاشمي
منذ 6 ساعاتالمحسن بن عليّ عليه السلام من الشخصيات المظلومة التي لم ينل حقّه في البحث والدراسة، رغم مكانته الخاصّة بوصفه الجنين الشهيد الذي امتزجت قصّته بآلام بيت النبوّة ومآسي التاريخ الإسلامي. فقد جاء ذكره في عدد من الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام، والتي كشفت عن حقيقة وجوده ومصيره المأساوي بعد شهادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. إنّ المحسن بن علي عليه السلام هو الابن الثالث لأمير المؤمنين عليه السلام وسيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام، وقد حملت به الزهراء سلام الله عليها بعد الحسنين عليهما السلام، لكنّ القدر الإلهي شاء أن يكون مولده غير مكتمل بسبب الأحداث المؤلمة التي عصفت ببيت الوحي بعد شهادة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
تُبرز الروايات المتعدّدة أنّ المحسن لم يولد حيّاً، بل أُسقط ظلماً وعدواناً نتيجة الاعتداء الذي تعرّض له بيت فاطمة الزهراء عليها السلام. ومن هنا صار المحسن بن علي رمزاً للمظلوميّة الكبرى التي لحقت بأهل البيت عليهم السلام، ودليلاً دامغاً على ما واجهته فاطمة الزهراء سلام الله عليها من ظلم واضطهاد في بدايات التاريخ الإسلامي. وقد نقل المحدّثون روايات متعدّدة تؤكّد وجوده واستشهاده، ممّا يجعل قصّته جزءاً من الذاكرة الدينية والوجدانية للمسلمين الذين يؤمنون بقداسة العترة الطاهرة.
مع حلول شهر جمادى الأولى، وذكرى استشهاد السيّدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها وولدها المحسن بن عليّ عليه السلام، قرّرنا أن نكتب لكم عنه عليه السلام، توثيقًا لوجوده، وبيانًا للظلم الذي نزل به على يد غاصبي خلافة أمير المؤمنين عليه السلام.
أهمية دراسة الروايات حول المحسن بن علي عليه السلام
أهمية دراسة المحسن بن عليّ عليه السلام في الروايات تنبع من جملةٍ من الجوانب الدينية والتاريخية والعقائدية والإنسانية. 
منها إثبات الحقيقة التاريخية. لأن دراسة الروايات تساعد في تثبيت وجوده التاريخي الذي حاول بعض المؤرخين طمسه أو تجاهله.  ومنها كشف ما مدى مظلومية فاطمة الزهراء وأميرالمؤمنين عليهما السلام. لأنّ قضية محسن بن علي عليهما السلام هي نتيجة الاعتداء على بيت النبوة والإمامة. فهذه القضية من أعظم الشواهد على ما لاقاه أهل البيت من ظلم واضطهاد. 
ومنها تعزيز الفهم العقائدي لولاية أهل البيت عليهم السلام. لأنّ الروايات التي تحدّثت عن المحسن بن علي عليه السلام تضع المؤمن أمام صورةٍ واضحة للتمييز بين خطّ الولاية الإلهي وخطّ الانحراف السياسي الذي ظهر بعد شهادة النبيّ صلى الله عليه وآله.
ومنها إحياء الذاكرة الإسلامية. البحث في الروايات حول المحسن عليه السلام هو جزء من مشروع إعادة قراءة التاريخ بروحٍ علميّةٍ نزيهةٍ، بعيداً عن التحيّزات السياسية والمذهبية. فهو دعوة إلى التمسّك بالحقّ والاعتراف بما جرى على بيت النبوّة، ليبقى التاريخ الإسلامي شاهداً للعدالة لا أداةً لطمس الحقيقة.
المحسن بن علي عليه السلام في الروايات
فلنراجع الروايات المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام حول محسن بن علي عليه السلام.
نِعمَ الجنين
روى أبو بصير رواية جميلة عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: « إذا كان يوم القيامة دعي محمد فيكسى حلة وردية ثم يقام عن يمين العرش ، ثم يدعى بإبراهيم قيكسى حلة بيضاء فيقام عن يسار العرش ، ثم يدعى بعلي أمير المؤمنين فيكسى حلة وردية فيقام عن يمين النبي ، ثم يدعى بإسماعيل فيكسى حلة بيضاء فيقام عن يسار إبراهيم ، ثم يدعى بالحسن فيكسى حلة وردية فيقام عن يمين أمير المؤمنين ، ثم يدعي بالحسين فيكسى حلة وردية فيقام عن يمين الحسن ، ثم يدعى بالائمة فيكسون حللا وردية فيقام كل واحد عن يمين صاحبه ، ثم يدعى بالشيعة فيقومون أمامهم ، ثم يدعى بفاطمة ونسائها من ذريتها وشيعتها فيدخلون الجنة بغير حساب ، ثم ينادي مناد من بطنان العرش من قبل رب العزة والافق الاعلى : نعم الاب أبوك يا محمد وهو إبراهيم ، ونعم الاخ أخوك وهو علي بن أبي طالب ، ونعم السبطان سبطاك وهما الحسن والحسين ، ونعم الجنين جنينك وهو محسن ، ونعم الائمة الراشدون ذريتك وهم فلان وفلان ، ونعم الشيعة شيعتك... » (1).
سبب إسقاط جنين فاطمة الزهراء عليها السلام
روى المحدث الكبير الفيض الكاشاني في كتابه رواية حول الهجوم على بيت فاطمة الزهراء سلام الله عليها وهي: «  ثمّ أن عمر جمع جماعة من الطلقاء و المنافقين و أتى بهم إلى منزل أمير المؤمنين ... فأتوا بحطب فوضعوه على الباب و جاءوا بالنار ليضرموه ... فصاح عمر و قال: و اللّه لئن لم تفتحوه لنضرمنّه ... فلمّا عرفت فاطمه إنّهم يحرقون منزلها قامت و فتحت الباب فدفعوها القوم قبل أن تتوارى عنهم فاختبت فاطمة وراء الباب، فدفعها عمر حتّى ضغطها بين الباب و الحائط... ثمّ إنّهم تواثبوا على أمير المؤمنين ... فحالت فاطمة بينهم و بين بعلها ... فأمر عمر قنفذ بن عمر لعنه اللّه أن يضربها بسوطه، فضربها قنفذ بالسّوط على ظهرها و جنبيها إلى أن أنهكها و أثر في جسمها الشريف و كان ذلك الضرب أقوى سبب في إسقاط جنينها و قد كان رسول اللّه سمّاه محسنا » (2).
رفس عمر لفاطمة عليها السلام
روى الشيخ المفيد حول ضرب فاطمة الزهراء عليها السلام في الطريق: « فَلَقِيَهَا عُمَرُ فَقَالَ يَا بِنْتَ مُحَمَّدٍ مَا هَذَا الْكِتَابُ الَّذِي مَعَكَ فَقَالَتْ كِتَابٌ كَتَبَ لِي أَبُو بَكْرٍ بِرَدِّ فَدَكَ فَقَالَ هَلُمِّيهِ إِلَيَّ فَأَبَتْ أَنْ تَدْفَعَهُ إِلَيْهِ فَرَفَسَهَا بِرِجْلِهِ وَ كَانَتْ حَامِلَةً بِابْنٍ اسْمُهُ الْمُحَسِّنُ فَأَسْقَطَتِ الْمُحَسِّنَ مِنْ بَطْنِهَا ثُمَّ لَطَمَهَا » (3).
المحسن بن علي في القيامة
روى المفضل عن الإمام الصادق عليه السلام: « وَيَأْتِي مُحَسِّنٌ مُخَضَّباً بِدَمِهِ تَحْمِلُهُ خَدِيجَةُ ابْنَةُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ ابْنَةُ أَسَدٍ وَ هُمَا جَدَّتَاهُ وَجُمَانَةُ عَمَّتُهُ ابْنَةُ أَبِي طَالِبٍ وَأَسْمَاءُ ابْنَةُ عُمَيْسٍ صَارِخَاتٍ وَأَيْدِيهِنَّ عَلَى خُدُودِهِنَّ وَنَوَاصِيهِنَّ مُنْتَشِرَةٌ وَالْمَلَائِكَةُ تَسْتُرُهُنَّ بِأَجْنِحَتِهَا وَأُمُّهُ فَاطِمَةُ تَصِيحُ وَتَقُولُ هَذَا يَوْمُكُمْ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُوعَدُونَ وَجَبْرَائِيلُ يَصِيحُ وَيَقُولُ: مَظْلُومٌ فَانْتَصِرْ فَيَأْخُذُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ محسن عَلَى يَدِهِ وَيَرْفَعُهُ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ يَقُولُ: إِلَهِي صَبَرْنَا فِي الدُّنْيَا احْتِسَاباً وَهَذَا الْيَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً » (4).
الموؤدة هو المحسن بن علي
يسأل مفضل بن عمر عن الإمام الصادق عليه السلام: « يَا مَوْلَايَ وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ. (5)، قَالَ عليه السلام : يَا مُفَضَّلُ تَقُولُ الْعَامَّةُ إِنَّهَا فِي كُلِ جَنِينٍ مِنْ أَوْلَادِ النَّاسِ يُقْتَلُ مَظْلُوماً. قَالَ الْمُفَضَّلُ: نَعَمْ، يَا مَوْلَايَ هَكَذَا يَقُولُ أَكْثَرُهُمْ. قَالَ: وَيْلَهُمْ مِنْ أَيْنَ لَهُمْ هَذِهِ الْآيَةُ هِيَ لَنَا خَاصَّةً فِي الْكِتَابِ وَ هِيَ مُحَسِّنٌ عليه السلام لِأَنَّهُ مِنَّا. وَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَ إِنَّمَا هِيَ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَوَدَّةِ فَمِنْ أَيْنَ إِلَى كُلِّ جَنِينِ مِنْ أَوْلَادِ النَّاسِ وَ هَلْ فِي الْمَوَدَّةِ وَ الْقُرْبَى غَيْرُنَا يَا مُفَضَّلُ » (6).
رسول الله يذكر اسقاط المحسن
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل: « وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي، كأني بها وقد دخل الذل بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصبت حقها، ومنعت إرثها، وكسر جنبها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي: يا محمداه » (7).
كلام أميرالمؤمنين عليه السلام حول السقط
جاء في رواية حول الهجوم على دار فاطمة الزهراء سلام الله عليها: « فَخَرَجَ عُمَرُ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَقُنْفُذٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَصَارُوا مِنْ خَارِجِ الدَّارِ فَصَاحَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِفِضَّةَ إِلَيْكِي مَوْلَاتَكِ فَاقْبَلِي مِنْهَا مَا يَقْبَلُ النِّسَاءُ وَقَدْ جَاءَهَا الْمَخَاضُ مِنَ الرَّفْسَةِ وَرد الْبَابِ فَأَسْقَطَتْ مُحَسِّناً عَلَيْهِ قَتِيلًا وَعَرَفَتْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِ التَّسْلِيمُ » (8).
أول من يحكم فيه يوم القيامة
روى الإمام الصادق عليه السلام: « لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم إِلَى السَّمَاءِ قِيلَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَخْتَبِرُكَ فِي ثَلَاثٍ لِيَنْظُرَ كَيْفَ صَبْرُكَ ... قُلْتُ: إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ... فَتَشْهَدُ الْعَرْصَةُ فَإِذَا وَقَفَ مَنْ ظَلَمَهَا أَمَرْتُ بِهِ إِلَى النَّارِ فَيَقُولُ الظَّالِمُ وَا حَسْرَتَاهْ عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَيَتَمَنَّى الْكَرَّةَ ... وَأَوَّلُ مَنْ يُحْكَمُ فِيهِمْ مُحَسِّنُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلام وَفِي قَاتِلِهِ ثُمَّ فِي قُنْفُذٍ فُيُؤْتَيَانِ هُوَ وَصَاحِبُهُ فَيُضْرَبَانِ بِسِيَاطٍ مِنْ نَارٍ لَوْ وَقَعَ سَوْطٌ مِنْهَا عَلَى الْبِحَارِ لَغَلَتْ مِنْ مَشْرِقِهَا إِلَى مَغْرِبِهَا » (9).
هذا جملة روايات عثرنا عليها حول المحسن بن علي عليه السلام. جعلنا الله تعالى من الطالبين بثأره مع وليه الإمام الحجة بن الحسن العسكري عليه السلام.
1) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 7 / الصفحة: 328 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
2) نوادر الأخبار (للفيض الكاشاني) / المجلد: 1 / الصفحة: 183 / الناشر: مؤسسة مطالعات فرهنگي ) طهران / الطبعة: 1.
3) الإختصاص (للشيخ المفيد) / المجلد: 1 / الصفحة: 185 / الناشر: دار المفيد – قم / الطبعة: 1.
4) الهداية الكبرى (لحسين بن همدان الخصيبي) / المجلد: 1 / الصفحة: 417 / الناشر: البلاغ – قم / الطبعة: 1.
5) سورة التكوير / الآية: 8 و9.
6) الهداية الكبرى (لحسين بن همدان الخصيبي) / المجلد: 1 / الصفحة: 418 / الناشر: البلاغ – قم / الطبعة: 1.
7) الأمالي (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 176 / الناشر: مؤسسة البعثة – بيروت / الطبعة: 1.
8) الهداية الكبرى (لحسين بن همدان الخصيبي) / المجلد: 1 / الصفحة: 408 / الناشر: البلاغ – قم / الطبعة: 1.
9) كامل الزيارات (لإبن قولويه القمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 334 / الناشر: دار المرتضوية – النجف الأشرف / الطبعة: 1.
 








التعلیقات