العفة والحجاب سر الأنوثة
المرأة والاسلام
منذ 6 ساعاتإنّ الإسلام حين تحدّث عن العفّة والحجاب، لم يقدّمهما كشعارات ظاهرة أو قيود اجتماعية، بل كمنهجٍ تربويّ عميقٍ يهدف إلى حفظ كرامة المرأة وصون أنوثتها من الابتذال والضياع. فالعفّة ليست مجرّد امتناعٍ عن الحرام، بل هي أسلوب حياةٍ يربّي في النفس الشعور بالقيمة والسموّ، والحجاب ليس قطعة قماشٍ فحسب، بل هو لغةُ احترامٍ تُترجم الداخل النقيّ إلى مظهرٍ وقورٍ.
وكما قال أمير المؤمنين عليه السلام: «صِيانَةُ المَرأةِ أنعَمُ لِحالِها وَ أدوَمُ لِجَمالِها» (1)؛ أي إنّ حفظ المرأة لنفسها يزيدها نعمةً واستقراراً، ويمنح جمالها دواماً وبهاءً لا يزول بمرور السنين.
بهذا الفهم التربوي، يصبح الحجاب والعفّة سرّ الأنوثة الحقيقيّة، لا نقيضها؛ فهما يحفظان للمرأة جاذبيّتها الأصيلة، تلك الجاذبيّة التي تُبنى على الاحترام والنقاء، لا على لفت الأنظار والتشبّه بالآخرين.
تعريف العفّة
حين نتأمّل في سموّ النفس الإنسانية، نجد أنّ «العفّة» من أرفع الفضائل التي تُهذّب الروح وتضبط الشهوة، لتُبقي الإنسان في ميزان الاعتدال الذي أراده الله له. فالعفّة ليست مجرّد صفة خارجيّة، بل هي قوّةٌ داخليّةٌ تَحول بين الإنسان وبين انقياده لهواه؛ لتجعله سيّد نفسه لا عبدًا لرغباته.
في اللغة، العفّة تعني الامتناع والكفّ عن الشيء، وفي الاصطلاح القرآنيّ هي ملكةٌ نفسيّةٌ تمنع الإنسان من الوقوع في المحظورات، وتكبح رغباته إذا تجاوزت حدود الفطرة والاعتدال.
العفّة في الأخلاق
كما أنّ الإفراط والتفريط في الأخلاق مَذمومان، كذلك الأمر في إشباع الغرائز. فالإسلام لا يدعو إلى قمع الغريزة ولا إلى إطلاقها، بل إلى توجيهها وفق ميزان الحكمة. ومن هنا سمّى العلماء هذا الاعتدال بـ«العفّة»، وهي الوسط الذهبيّ بين الكبت والانفلات.
الحياء... قرين العفّة
من المفردات القريبة من معنى العفّة كلمة الحياء. والحياء هو انقباض النفس عن فعلٍ قبيحٍ يُستنكر عند الناس. وقد يُستعمل أحيانًا بمعنى الخجل، لكنّ المقصود هنا هو الحياء الأخلاقيّ الذي يمنع الإنسان من اقتحام حدودٍ لا تليق بكرامته. والحياء حارس العفّة، وسياجها المنيع. يقول الإمام عليّ عليه السلام: «أصلُ المروءةِ الحياءُ وثمرتُها العفّة» (2).
فالحياء حاجزٌ معنويٌّ يضعه الإنسان بينه وبين الآخرين، يحمي به نفسه من التعدّي، ويصون به طهارته. وليس الإسلام وحده من اعتبر الحياء ضرورةً إنسانيّة؛ فالفكر الغربيّ نفسه قد أقرّ بذلك. يقول مونتسكيو: «إنّ جميع أمم الأرض متّفقةٌ على أنّ النساء ينبغي أن يتحلَّين بالحجاب والحياء؛ فهذه قوانين الطبيعة التي أوجبت على المرأة أن تكون محتشمةً غالبةً على شهواتها» (3).
ويقول ويل ديورانت: «إنّ الحياء والعفّة بالنسبة للفتاة كدرعٍ واقٍ يمنحها حقَّ الاختيار، ويفرض على من يطلبها أن يُهذّب نفسه قبل أن ينالها » (4).
العلاقة بين الحياء والعفّة
مع أنّ العفّة والحياء فضيلتان متمايزتان، إلا أنّ بينهما تلازمًا وثيقًا؛ فكلٌّ منهما يقوّي الآخر، وضعف أحدهما ينعكس على الآخر. لذلك نقرأ في الروايات مرّةً أنّ الحياء أصل العفّة، ومرّةً أنّه ثمرتها.
الحجاب والعفّة... ظاهرٌ يُجسّد الباطن
عندما يُذكر الحجاب، يتبادر إلى الذهن فورًا الستر المادّيّ، بينما يغيب عن كثيرين بُعده الروحيّ العميق. فالحجاب ليس مجرّد غطاءٍ للجسد، بل هو تجلٍّ للعفّة الكامنة في القلب، ورمزٌ لهويّةٍ إيمانيّةٍ تُعبّر عن الطهر والالتزام.
معنى الحجاب
كلمة الحجاب في الأصل تعني الستر والحاجز والمانع، وفي الاصطلاح الشرعيّ هو اللباس الذي يُخفي زينة المرأة ويحفظ خصوصيّتها كما أمر الله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ (5).
وقد فسّر كثيرٌ من المفسّرين الزينة هنا بجسد المرأة نفسه. ومن المهمّ أن نُدرك أنّ ثقافة الحجاب لا تقتصر على نوع اللباس، بل تمتدّ إلى أعماق النفس، لتُعبّر عن حياءٍ وعفّةٍ متأصّلين فيها. فكلّ محاولةٍ لترسيخ ثقافة الحجاب، لا بدّ أن تمرّ عبر إحياء روح العفّة والحياء في القلوب.
العلاقة بين الحجاب والعفّة
العفّة بلا حجاب لا تُتصوَّر، كما أنّ الحجاب بلا عفّةٍ يصبح قشرةً بلا مضمون.
فالمرأة العفيفة لا تُظهر زينتها في الأماكن العامّة، لأنّها ترى في سترها احترامًا لكرامتها، وطاعةً لربّها. ومن القرآن الكريم نستخلص قاعدةً عامّة: ﴿وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ﴾ (6).
فكلّما ازدادت المرأة التزامًا بالعفّة والستر، كانت أرفع شأنًا عند الله وأقرب إلى مقام الكمال.
العفّة حالةٌ باطنيّةٌ في النفس، تظهر آثارها في النظرة، والكلمة، والمشية، واللباس. أمّا الحجاب فهو مظهرٌ خارجيّ لتلك الحالة الداخليّة. ومن هنا، العلاقة بينهما كالعلاقة بين الجذر والثمرة، بين الداخل الذي يفيض على الخارج.
وحدة الأصل والمعنى
كلا المصطلحين — الحجاب والعفّة — يشتركان في الجذر المعنويّ نفسه: المنع والامتناع.
لكنّ الفرق أنّ الحجاب يمنع من الخارج، والعفّة تمنع من الداخل.
ومع أنّ العفّة باطنيّة، إلّا أنّها تُنعكس على ظاهر الإنسان. والعكس صحيح أيضًا: فكلّما اعتادت المرأة ستر ظاهرها، ازداد حياؤها الداخليّ، وتعمّقت عفّتها القلبيّة. ولهذا نجد بين الحجاب والعفّة علاقةً تبادليّةً لا تنفصم؛ فـ«الظاهر الطاهر» يربّي «الباطن الطاهر»، كما أنّ «القلب النقيّ» لا يُثمر إلّا سلوكًا طاهرًا.
وقد لخّص القرآن هذه الحقيقة بعبارةٍ بديعة: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ، وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا﴾ (7).
الكلام الاخير
إنّ إحياء فضيلتَي العفّة والحجاب لا يتحقّق بالشعارات، بل بالتربية والإيمان، وبنشر القدوة الصالحة في البيت والمجتمع والإعلام. كوني أنتِ المثال الذي يُذكّر بالحياء، والابتسامة التي تُعبّر عن الطهر، والأنثى التي ترى في سترها عزّها، وفي التزامها جمالها.
شاركي هذه المعاني مع من تحبّين، واكتبي لنا رأيكِ في التعليقات: كيف ترين العلاقة بين الحياء والعفّة في واقع المرأة المسلمة اليوم؟
أسئلة وأجوبة
1. ما معنى العفّة في المفهوم الإسلاميّ؟
العفّة هي ملكةٌ داخليّةٌ تمنع الإنسان من الانقياد لهواه، وتجعله متوازنًا في شهواته وغرائزه.
2. ما العلاقة بين الحياء والعفّة؟
الحياء سياج العفّة وحارسها؛ فكلّما ازداد الحياء في النفس، ترسّخت العفّة في القلب والسلوك.
3. هل الحجاب مجرّد لباسٍ خارجيّ؟
ليس الحجاب غطاءً للجسد فقط، بل هو مظهرٌ للعفّة الداخليّة، ورمزٌ للطهر والإيمان.
4. كيف يؤثّر الحجاب في العفّة؟
كلّما التزمت المرأة بالحجاب الشرعيّ، ازدادت قوّةً في ضبط النفس، وثباتًا على الحياء والعفّة.
5. ما الرسالة العمليّة للمؤمنة من هذا المقال؟
أن تكون قدوةً في طهرها وسترها، تنشر ثقافة الحياء والعفّة في أسرتها ومجتمعها، وتربّي عليها الأجيال.
1. مستدرک الوسایل/ المحدث النوري / المجلد : 14 / الصفحة : 255.
2. غرر الحكم ودرر الكلم / التميمي الآمدي، عبد الواحد بن محمد / المجلد: 1 / الصفحة: 199
3. روح القوانين / مونتسكيو / الصفحة: 440
4. تاريخ الحضارة / ويل ديورانت / المجلد: 5 / الصفحة: 74
5. النور: 31
6. النور: 60
7. الأعراف: 58







التعلیقات