قصّة نزول سورة الإنسان
الاسرة في الاسلام
منذ 3 ساعاتفي بعض الأيام، ونحن في زحمة تفاصيل الحياة اليومية، نحتاج إلى وقفة هادئة مع قصص تُنعش أرواحنا وتمنحنا معنىً جديدًا للأمومة، والصبر، والعطاء. وهذا اليوم هو 25 من شهر ذي الحجة، فهذا اليوم هو أولى من غيره في جعله يوم الأسرة العالمي لما فيه من قيم ومبادئ إسلامية عريقة، التي يبحث عنها العالم بأسره.
كان بيت عليّ وفاطمة عليهما السلام أروع نموذج في الصفاء والإخلاص والمودّة والرحمة، وقد تعاونا فيه بوئام وحنان على إدارة شؤون البيت وإنجاز أعماله، فكان من الأحرى أن يكون هو النموذج ليوم الأسرة العالمي؛ لأنه الأفضل من جميع النواحي التي يريدها الإنسان لكي يجعله نموذجاً وأسوةً لكي يقتدي به.
هل سمعتي يومًا بقصّة نزول سورة الإنسان؟ القصة التي أبكت الرسول صلى الله عليه وآله وأدهشت السماء؟
يعتقد أكثر المؤرّخين والمحدّثين والمفسّرين من الشيعة وأهل السنّة أن عددًا من آيات سورة الإنسان، ومنها قوله تعالى: «ويُطْعِمُونَ الطَّعَامَ...» قد نزلت في عترة رسول الله صلى الله عليه وآله، أي عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وكان وقت نزولها في شهر ذي الحجة بعد أن أدّيا الإمام علي والسيّدة الزهراء نذرًا لشفاء الحسنين عليهم السلام.
وفيما يخصّ كيفيّة النذر وطريقة إطعام أهل البيت عليهم السلام للمسكين واليتيم والأسير، هناك روايتان:
1. الرواية المشهورة:
قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا » (1) إنّ الإمام الحسن والحسين عليهما السلام مرضا مرضًا شديدًا، حتى أنّ جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وآله عيّدوهم، وكان فيهم أبو بكر وعمر، فقالوا: يا أبا الحسن، لو نذرت لله؟ فقال علي عليه السلام: نذرت إن شفى الله سبطي نبيّه محمد صلى الله عليه وآله أن أصوم ثلاثة أيام. فسمعت فاطمة سلام الله عليها بذلك، فقالت: عليّ مثل ما قلت. وسمع الحسن والحسين أيضًا فقالا: يا أبتاه، لنا مثل ما قلت.
فشفاهم الله، فصاموا. وبعد شفائهم، ذهب أمير المؤمنين عليه السلام إلى شمعون اليهودي جارهم، فأعطاه شيئًا من الصوف ليغزله، وأعطاه في المقابل ثلاثة أصواع من الشعير. فقامت السيدة فاطمة سلام الله عليها بطحن الشعير، وخبزت خمس أقراص من الخبز لخمسة أشخاص عند الإفطار.
وعندما عاد الإمام علي عليه السلام من صلاة المغرب ولم يمدّ يده إلى الطعام، طرق الباب سائلٌ وقال: أنا مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني طعامًا، أطعمكم الله من طعام الجنّة. فأعطاه الإمام علي عليه السلام رغيفه، وكذلك فعلت فاطمة سلام الله عليها والحسن والحسين عليهم السلام وفِضّة، وأفطروا على الماء.
وفي اليوم الثاني، أعادت فاطمة سلام الله عليها خبز خمس أقراص، وعند الإفطار جاء صوت من الباب يقول: السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة، أنا يتيم من أيتام المسلمين، أطعموني طعامًا. فدفعوا إليه الطعام وأفطروا على الماء.
وفي اليوم الثالث، وأثناء الإفطار، جاء صوت يقول: أنا أسيرٌ من الأسرى وجائع، أطعموني طعامًا. فأعطوه الطعام كلّه وصبروا على الجوع.
وفي اليوم الرابع، أخذ علي بيد الحسن والحسين عليهم السلام، وأقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، قال: " ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم " فانطلق معهم، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها، وغارت عيناها، فساءه ذلك، فنزل جبرئيل عليه السلام، وقال: خذها يا محمد هنأك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة (أي سورة الإنسان). (3)
2. الرواية غير المشهورة:
الرواية الأخرى تقول إنّ فاطمة سلام الله عليها حضرت طعامًا للإفطار، وعندما حان وقت الإفطار جاء مسكين وطلب الطعام، فأعطاه الإمام علي (ع) ثُلث الطعام. ثم جاء يتيم، فأعطوه ثلثًا آخر، ثم جاء أسير، فأعطوه الثلث الأخير. وحدثت هذه الأحداث في ليلة واحدة، فقُسّم الطعام إلى ثلاثة أقسام وأعطيت كلّها. وأفطر الإمام علي وأهل بيته على الماء. فنزلت الآيات: ﴿ إِنَّ هَٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا ﴾ (2).
ومن الجدير بالذكر أنّ هذه النِعم والمكافآت العظيمة إنّما هي ثمرة الجهد والمجاهدة وبناء الذات، وهذا يشمل كلّ المؤمنين الذين يعملون بإخلاص لله تعالى، فعملهم محفوظ ومشكور عند الله سبحانه.
وبناءً على ذلك، فإنّ رأي أكثر علماء الشيعة وأهل السنّة هو أنّ هذه الآيات نزلت في عترة الرسول صلى الله عليه وآله، أي الإمام علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وكان وقت نزولها في شهر ذي الحجة بعد أداء النذر الذي نذره الإمام علي عليه السلام والسيّدة الزهراء سلام الله عليها لشفاء الحسنين عليهما السلام. (4)
وفي الختام، لا بد من التنبيه إلى أمور:
الاول:
قد يُطرح سؤال: وفقًا لسبب النزول، جاء الأسير إلى باب بيت أمير المؤمنين عليه السلام وقت الإفطار، فكيف يكون ذلك، مع أن الأسرى يُفترض أن يكونوا في السجون؟
والجواب: بحسب ما نقل من التاريخ في زمن النبي صلى الله عليه وآله لم تكن هناك سجون مطلقاً، وكان النبي صلى الله عليه وآله يوزع الأسرى على المسلمين ويقول لهم: اعتنوا بهم وأحسنوا إليهم، وإذا لم يستطيعوا توفير الطعام لهم، كانوا يستعينون ببقية المسلمين لإطعام الأسرى، ويرسلونهم معهم أو حتى من دون مرافقة لهم إلى باقي المسلمين لطلب المساعدة، لأن المسلمين كانوا في ذلك الوقت في ضيق شديد.
ومع توسّع الدولة الإسلامية وازدياد عدد الأسرى والمجرمين، اقتضت الحاجة إلى إنشاء السجون، فأصبحت مسؤولية إعاشتهم منوطة ببيت المال (5).
الثاني:
ما هو مرجع ضمير «عَلَى حُبِّهِ» في الآية 8 من سورة الإنسان ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾، ؟
الرأي الأوضح والأشهر أن الضمير في «حبّه» يعود إلى «الطعام»، أي إنهم يطعمون الطعام للآخرين رغم حبهم له، وحاجتهم إليه، ورغبتهم فيه، كما في قوله تعالى: ﴿ لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾. (6)
وهناك من قال إن الضمير يعود إلى المصدر «الإطعام» نفسه، ومعنى الآية حينئذٍ أنهم يُطعمون عن طيب نفس، وبرغبة خالصة، ومن دون إجبار أو إكراه.
وقال آخرون: إن الضمير يعود إلى «الله»، ومعنى الآية أنهم يطعمون الطعام حبًّا لله، وطلبًا لرضاه. وهذا المعنى ورد صريحًا في الآية التالية: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ﴾.
سبب صيامهم لثلاثة أيام هو النذر الذي قطعوه على أنفسهم، كما ذكر، بأن يصوموا ثلاثة أيّام إن شُفي الحسن والحسين عليهما السلام.
تقديمهم كلّ ما في بيتهم من طعام دليل على أقصى درجات الإيثار والتضحية في سبيل الله، وهو هذا الإيثار الذي يُميّز الأئمّة عن سائر الناس، ولذلك نزلت الآية فيهم.
رسالة هذه القصة ليست فقط عن نذر وصيام، بل عن الإيثار في أعلى صوره، عن الأسرة التي تبني حياتها على الصبر والمحبة والإيمان، وليس على الكماليات.
أختي القارئة، ألا ترين كم نحتاج أن نقترب من هذا النموذج؟ كيف سيكون حال بيوتنا لو طبّقنا شيئًا من هذا الإيثار وهذه الرحمة؟
شاركينا رأيك في التعليقات، أو احكي لنا: هل لديكِ تجربة نذر أو موقف عطاء لا يُنسى؟ نحن نحب أن نسمع منك.
الأسئلة الشائعة
السؤال 1: ما هي مناسبة نزول آيات "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ..." من سورة الإنسان؟
الجواب: نزلت هذه الآيات في الإمام علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام عندما نذروا أن يصوموا ثلاثة أيام إن شُفي الحسن والحسين عليهما السلام، وبعد شفائهما صاموا، وفي كلّ ليلة كانوا يعطون طعامهم عند الإفطار للمسكين واليتم والأسير، ويكتفون بالماء، فنزلت الآيات تكريمًا لإيثارهم.
السؤال 2: ما الذي يبيّنه ضمير "حبّه" في قوله تعالى: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ..."؟
الجواب: أشهر الأقوال أن الضمير "حبّه" يعود إلى الطعام، أي أنهم يطعمونه رغم حاجتهم الشديدة له. وهناك من قال إنه يعود إلى الإطعام أي أنهم يُطعمون عن طيب نفس، وقول آخر يقول إنه يعود إلى الله، أي حبًا لله ومن أجل وجهه الكريم.
السؤال 3: كيف فسّر العلماء وجود أسير عند باب بيت الإمام علي عليه السلام رغم عدم وجود سجون؟
الجواب: في زمن النبي صلى الله عليه وآله، لم تكن هناك سجون، بل كان يتم توزيع الأسرى على بيوت المسلمين للعناية بهم، وكان يُطلب منهم إحسان معاملتهم، وعند الحاجة كانوا يُرسلونهم إلى بقية المسلمين لطلب الطعام، لذلك كان من الطبيعي أن يأتي أسير إلى باب الإمام علي عليه السلام لطلب الطعام.
السؤال 4: ما الرسالة المركزية في قصة نزول سورة الإنسان؟
الجواب: الرسالة ليست فقط عن النذر والصيام، بل عن الإيثار الحقيقي، عن أسرة بُنيت على الصبر، والمحبة، والإيمان، والتضحية في سبيل الله، وهي دعوة لتأسيس بيوتنا على هذه القيم الإسلامية الأصيلة.
السؤال 5: ماذا حصل بعد أن أطعم أهل البيت عليهم السلام المسكين واليتيم والأسير؟
الجواب: في اليوم الرابع، ذهب الإمام علي عليه السلام بالحسنين عليهما السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله، فرآهم منهكين من الجوع، كما رأى الزهراء سلام الله عليها ضعيفة وهزيلة في محرابها، فحزن النبي صلى الله عليه وآله كثيرًا، فنزل جبرائيل عليه السلام وبلّغه سورة الإنسان تكريمًا لهم.
1. سورة الإنسان، الآية : 8 و 9.
2. سورة الإنسان، الآية : 22.
3. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي / المجلد : ١٩ / الصفحة ٢٥٢.
4. بحار الانوار للمجلسی، محمد باقر / المجلد : 35 / الصفحة : 243 / موسسة الوفاء، بیروت، 1409ق.
5. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي / المجلد : 25 / الصفحة 354 / دار الکتب الاسلامیة / طهران، 1374
6. سورة آل عمران، الآية: 92.
التعلیقات