الحياة الفردية والعائلية للسيدة زينب الكبرى سلام الله عليها
السيد حسين الهاشمي
منذ 5 ساعاتحين نتأمل في سيرة السيدة زينب الكبرى سلام الله عليها، نجد أنفسنا أمام أنموذجٍ إنساني وروحي فريد، جمع بين عمق الإيمان وقوة الإرادة، بين السموّ الفردي والتوازن العائلي، بين العبادة الخالصة والمسؤولية الاجتماعية. لقد كانت زينب بنت أميرالمؤمنين والسيدة فاطمة عليهما السلام امتداداً لرسالة النور المحمدي صلى الله عليه وآله وسلم، تضيء دروب النساء والرجال على حدّ سواء بمثالها العملي في كيفية الجمع بين تهذيب النفس وبناء الأسرة على أسس التقوى والعقل والرحمة. في زمنٍ كان يعيش تحت وطأة العادات الجاهلية والنظرة القاصرة إلى دور المرأة، أشرقت شخصية السيدة زينب سلام الله عليها كنجمةٍ مضيئة في سماء الإنسانية، تجسّد في حياتها اليومية التوازن الدقيق بين الروح والعقل، بين العبادة والواجب، وبين الحنان الأمومي والقوة الرسالية. فكانت في بيتها زوجةً وفيّة، وأمّاً مربية، وفي محرابها عابدةً خاشعة، وفي ميدان الحياة مدرسةً للوعي والصبر والثبات.
نمط حياتها لم يكن انعزالاً روحياً ولا انغماساً دنيوياً، بل سبيلاً وسطاً رسمته بوعيها الإيماني العميق، حيث امتزجت في شخصيتها أنوثة الطهر بصلابة الموقف، ورفق القلب بحكمة القيادة. ولذلك فإنّ دراسة نمط الحياة الفردية والعائلية للسيدة زينب عليها السلام ليست مجرد تأملٍ في ماضٍ مقدّس، بل هي نافذة على رؤيةٍ إسلامية متكاملة للمرأة الرسالية التي تصنع من بيتها منارةً، ومن حياتها عبادةً وعملاً وجهاداً.
وُلدت السيدة زينب سلام الله عليها في اليوم الخامس من شهر جمادى الأولى، سنة خمس للهجرة، في المدينة المنوّرة. ولهذا قرّرنا أن نكتب لكم عن نمط الحياة الفردية والعائلية للسيدة الجليلة زينب الكبرى سلام الله عليها.
تولدها وتسميتها من قبل الله تعالى
إنّ حياة السيدة زينب سلام الله عليها بدأت وهي بنت الطاهرين المطهرين. ويكفي في فضلها هذا الأمر. لكن الأمر الذي يجعلنا نعرف جلالة قدرها ومقامها عند الله سبحانه تعالى هي كيفية تسميتها. فقد سماها الله تعالى. حيث ورد رواية حول ولادتها: « روي أن زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام لما ولدت أخبر بذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فجاء إلى منزل فاطمة عليها السلام و قال: يا ابنتاه! ائتيني بنيتك المولودة. فلما أحضرتها، أخذها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ضمها إلى صدره الشريف، و وضع خده المنيف على خدها، فبكى بكاء عاليا، و سال الدمع على محاسنه الشريفة جاريا، فقالت فاطمة عليها السلام: لما ذا بكاؤك؟ لا أبكى اللّه عينيك يا أبتاه! فقال: يا بنية! فاعلمي أن هذه البنت بعدك و بعدي تبتلي بالبلايا، و ترد عليها مصائب شتى و رزايا. فنزل جبرئيل و قال: إن اللّه يقرؤك السلام و قال: يا حبيبي! سميتها زينب » (1).
زواجها وأولادها
كان في أصحاب وأقرباء أمير المؤمنين عليه السلام جماعةٌ كثيرة يتمنّون نيل شرف الزواج من عقيلة بني هاشم السيّدة زينب الكبرى سلام الله عليها، ولكن كلّما تحدّثوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الشأن، كان يواجه طلبهم بالرفض. إلى أن تقدّم عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ابنُ أخي أمير المؤمنين عليه السلام، لطلب يدها، فأرسل من يخطبها رسمياً إلى بيت الإمام عليه السلام. فقبل أمير المؤمنين عليه السلام طلبه. وربما هذا الأمر كان لسبب قول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: « نَظَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إِلَى أَوْلَادِ عَلِيٍّ وَ جَعْفَرٍ عليهما السلام فَقَالَ: بَنَاتُنَا لِبَنِينَا وَ بَنُونَا لِبَنَاتِنَا » (2).
بايع عبدُ الله بن جعفر أميرَ المؤمنين عليه السلام في زمن إمامته، وكان حاضراً معه في أكثر الأحداث، مثل حرب الجمل، وصفّين، وقضية التحكيم. كما بقي إلى جانب الإمام الحسن عليه السلام حتى عقده الصلح مع معاوية سنة 41 هـ. (3).
وذكروا في كتب التاريخ أسماء أولادها: « أمّا زينب الكبرى بنت فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فتزوّجها عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب و ولد له منها: عليّ، و جعفر، و عون الأكبر، و أمّ كلثوم أولاد عبد اللّه بن جعفر » (4).
فضائلها الأخلاقية والعملية
إنّ لزينب الكبرى سلام الله عليها فضائل كثيرة. وقد اجتمعت فيه الصفات الجزيلة. وقال صاحب المستدرك حولها: « أما زينب الكبرى سلام الله عليها من رواة الحديث، أدركت النبي صلى الله عليه وآله وولدت في حياته. وهي عقيلة بني هاشم، وقد حازت من الصفات الحميدة ما لم يحزها بعد امها أحد. وحق أن يقال: هي الصديقة الصغرى. وهي في الصبر والثبات وقوة الإيمان والتقوى وحيدة فريدة. وهي في الفصاحة والبلاغة كأنها تنطق من لسان أمير المؤمنين عليه السلام. وبلغت في الفضائل والمناقب حدا لا يناله اللسان والبيان، تظهر قطرة منها من قضاياها مع أخيها الحسين عليه السلام وبعده. خطبة الصديقة زينب الكبرى صلوات الله وسلامه عليها في الكوفة » (5).
عالمة غير معلّمة
أحد أهم المميّزات التي تتميّز بها هي العلم. والله تعالى يميّز بعض أنواع العلوم على بعض. ومنها العمل الإلهي حيث يقول تعالى: ﴿ فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا ﴾ (6). والسيدة زينب سلام الله عليها عندها العلم الإلهي بشهادة الإمام زين العابدين عليه السلام حيث قال لها: « و أنت بحمد اللّه عالمة غير معلّمة فهمة غير مفهّمة » (7). وكان علمها وعقلها مشهورَين حتى عند المخالفين، إذ قال ابن حجر العسقلاني – ناقلًا عن ابن الأثير – في حقّها سلام الله عليها: « إنها ولدت في حياة النبي صلى اللَّه عليه و سلّم، و كانت عاقلة لبيبة جزلة ... وكلامها ليزيد بن معاوية حين طلب الشامي أختها فاطمة مشهور يدلّ على عقل و قوة جنان » (8).
عابدة آل عليّ
أحد ألقاب التي لقّبت بها السيدة زينب سلام الله عليها هي عابدة آل عليّ. وهذا اللقب بنفسه شاهد عيان على كيفية وكمية عبادتها. ويمكننا ان نعرف هذه الفضيلة من كلام الإمام زين العابدين عليه السلام حيث قال عليه السلام: « إنّ عمتي زينب کانت تؤدي صلواتها من قيام الفرائض والنوافل عند مسيرنا من الکوفة إلى الشام وفي بعض المنازل کانت تصلي من جلوس لشدة الجوع والضعف منذ ثلات ليالٍ لأنها کانت تقسم ما يصيبها من الطعام علی الأطفال لأن القوم کانوا يدفعون لکل واحد منا رغيفا واحدا من الخبز في اليوم والليلة » (9). وكذلك كلام الإمام الحسين عليه السلام معها: « إنّ الحسين عليه السلام لما ودّع أخته زينب عليها السلام وداعه الأخير قال لها: يا اختاه لا تنسيني في نافلة الليل » (10).
الشجاعة وعدم الخوف من الظالم
يقول خزيمة الأسدي: « دخلنا الكوفة سنة إحدى وستين فصادفت منصرف علي بن الحسين بالذرية من كربلاء إلى ابن زياد بالكوفة ... فأومأت زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام إلى الناس بالسكوت فلم أر والله خفرة أنطق منها كأنما تنطق وتفرغ عن لسان أمير المؤمنين عليه السلام وقد أشارت إلى الناس بأن أنصتوا فارتدت الأنفاس وسكنت الأجراس ثم قالت بعد حمد الله تعالى والصلاة على رسوله ... أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختر والغدر والحدل ألا فلا رقأت العبرة ولا هدأت الزفرة ... » (11).
وأيضا حينما وصلوا إلى الشام ووقفوا بين يدي يزيد: «قالتْ فاطمةُ بنتُ الحسينِ : فلمّا جلسنا بينَ يَدَيْ يزيدَ رقَّ لنا ، فقامَ إِليه رجلٌ من أَهلِ الشّام أحمرُ فقالَ : يا أميرَ المؤمنينَ ، هَبْ لي هذه الجاريةَ ـ يَعنيني ـ وكنتُ جَاريةً وَضيئةَ فأُرْعِدْتُ وظَنَنْتُ أنّ ذلكَ جائزٌ لهم ، فأَخذتُ بثيابِ عمّتي زينبَ ، وكانتْ تعلمُ أنّ ذلكَ لا يكونُ. فقالتْ عمتي للشاميِّ : كَذبْتَ واللّهِ ولؤُمْتَ ، واللهِّ ما ذلكَ لكَ ولا له. فغَضِبَ يزيد وقالَ : كذبتِ ، إِنَّ ذلكَ لي ، ولو شئتُ أن أفعلَ لَفعلتُ. قالتْ : كلاٌ واللهِّ ما جعلَ اللّهُ لكَ ذلكَ إلاّ أن تَخرجَ من ملّتنا وتدينَ بغيرها. فاستطارَ يزيدُ غضباً وقالَ : إِيّاي تَستقبلينَ بهذا؟! إِنما خرجَ منَ الدِّينِ أَبوكِ وأَخوكِ. قالتْ زينبُ : بدينِ اللهِّ ودينِ أبي ودينِ أخي اهتديتَ أنتَ وجدًّكَ وأَبوكَ إِن كنتَ مسلماً » (12).
هذه كانت جملة من الأمور المرتبطة بحياةة السيدة زينب الكبرى سلام الله عليها. رزقنا الله تعالى في الدنيا زيارتها وفي الآخرة شفاعتها.
1) الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء (للشيخ اسماعيل الأنصاري الزنجاني) / المجلد: 5 / الصفحة: 376 / الناشر: دليلنا – قم / الطبعة: 1.
2) من لا يحضره الفقيه (للشيخ الصدوق) / المجلد: 3 / الصفحة: 393 / الناشر: منشورات جامعة المدرسين – قم / الطبعة: 2.
3) تاريخ الأمم والملوك (لمحمد بن جرير الطبري) / المجلد: 5 / الصفحة: 165 / الناشر: دار التراث – بيروت / الطبعة: 1.
4) إعلام الورى بأعلام الهدى (للشيخ الطبري) / المجلد: 1 / الصفحة: 396 / الناشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث – قم / الطبعة: 1.
5) مستدرك سفينة البحار (للشيخ علي النمازي) / المجلد: 4 / الصفحة: 313 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
6) سورة الكهف / الآية: 65.
7) سفينة البحار (للشيخ عباس القمي) / المجلد: 3 / الصفحة: 496 / الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر – قم / الطبعة: 1.
8) الإصابة في تمييز الصحابة (لإبن حجر العسقلاني) / المجلد: 8 / الصفحة: 166 / الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت / الطبعة: 1.
9) رياحين الشريعة (لذبيح الله المحلاتي) / المجلد: 3 / الصفحة: 61 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – قم / الطبعة: 2.
10) فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى (لأحمد الرحماني) / المجلد: 1 / الصفحة: 641 / الناشر: المنير – بيروت / الطبعة: 1.
11) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 45 / الصفحة: 163 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
12) الإرشاد (للشيخ المفيد) / المجلد: 2 / الصفحة: 121 / الناشر: أل البيت – قم / الطبعة: 1.











التعلیقات