اليوم العالمي للفتيات في الاسلام
السيد حسين الهاشمي
منذ 3 ساعاتفي كل عام، يطلّ علينا اليوم العالمي للفتاة في الحادي عشر من أكتوبر الموافق للثامن عشر من ربيع الثاني في هذا العام، ليذكّر العالم أجمع بقيمة المولودة الصغيرة التي كانت في عصورٍ طويلة من الجهل والتقاليد الجائرة تُعدّ عبئاً بدل أن تُعدّ نعمة، ويعيد إلى الأذهان مسؤولية المجتمعات تجاه دعم البنات وتمكينهنّ وصون كرامتهنّ منذ اللحظة الأولى لولادتهنّ. إنّ ولادة البنت ليست حدثًا عاديًا، بل هي تجلٍّ من تجلّيات الرحمة الإلهية في الأسرة والمجتمع. فالله تعالى سمّى البنات هبةً منه فقال في كتابه الكريم: ﴿ لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ ﴾ (1).
لكنّ الواقع الاجتماعي اليوم رغم ما أحرزه من تطوّرٍ في مجالات التعليم والحقوق لا يزال يحمل في بعض زواياه نظرةً متردّدة أو ناقصة تجاه ولادة البنات. فما زالت بعض العائلات تُظهر فرحًا مضاعفًا بولادة الذكر، وتخفي ابتسامةً باهتة عند سماع خبر الأنثى. وما زالت وسائل الإعلام ومواقع التواصل أنماطًا من التمييز والقيود التي تحاصر الفتاة بين المظهر والتوقّعات الاجتماعية. ومن هنا يأتي اليوم العالمي للفتاة ليضع هذه المفاهيم تحت المجهر، وليفتح باب التأمل في موقع البنت في الأسرة والمجتمع، وفي كيفية إعادة بناء الوعي الجمعي على أساس من العدل والمساواة والاحترام المتبادل. فهو يومٌ يدعونا إلى أن نراجع أنفسنا: كيف نستقبل ولادة البنت؟ كيف نربّيها؟ كيف نُشعرها بأنها قيمة بحدّ ذاتها لا بقدر ما تُرضي الآخرين؟ فمن خلال الرجوع إلى الروايات المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وتسليط الضوء على اليوم العالمي للبنات يمكن أن تتجلي لنا هذه العبارة الجميلة وهي: ( لم يجعل الله البنت نقمةً، بل جعلها رحمةً و مفتاحاً للبرکة ).
تحوّل النظرة من الوأد إلى الودّ
قبل بزوغ نور الإسلام، كانت شبه الجزيرة العربية تعيش في ظلامٍ ثقيل من الجهل والقسوة، تسودها معاييرٌ مقلوبة، وتغيب عنها روح الرحمة والإنسانية. ومن أكثر مظاهر ذلك الجهل فظاعةً، ما كان من خوف العرب من ولادة البنات، حتى بلغ الأمر ببعضهم أن يدفن ابنته حيّة، اتقاءً لما كانوا يتوهّمونه من عارٍ أو عبءٍ. كان المجتمع الجاهلي يرى في الأنثى مصدر ضعفٍ وعارٍ، لا كرامة لها ولا مكانة، فكانت تُحرم من الميراث والتعليم، وتُستضعف في كل شأنٍ من شؤون الحياة. حتى أنه يقول الماوردي البصري: « رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي وَأَدْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ : أَعْتِقْ عَنْ كُلِّ مَوْؤُودٍ رَقَبَةً. وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَتْ تَحْفِرُ تَحْتَ الْحَامِلِ إِذَا ضَرَبَهَا الطَّلْقُ حُفَيْرَةً يَسْقُطُ فِيهَا وَلَدُهَا إِذَا وَضَعَتْهُ ، فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا أَخْرَجُوهُ مِنْهَا ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَي تُرِكَتْ فِي حُفْرَتِهَا ، وَطُمَّ التُّرَابُ عَلَيْهَا حَتَّي تَمُوتَ ، وَهَذَا قَتْلُ عَمْدٍ ، وَقَدْ أُوجِبَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ » (2). وفي وصف هذه الحالة يقول القرآن الكريم: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ (3).
حين أشرق نور الإسلام، انقلبت الموازين رأسًا على عقب. فقد أعاد الإسلام بناء مفهوم الكرامة الإنسانية وإنتهى عهد التمييز بين الذكر والأنثى، وصار الإنسان يُقاس بقلبه وعمله لا بجنسه. وفي المجتمع الإسلامي الوليد، بدّل النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم تلك النظرة القاسية بثقافة حبّ ورحمةٍ تجاه البنات. فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: « مَنْ عَالَ ثَلَاثَ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثَ أَخَوَاتٍ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ص وَ اثْنَتَيْنِ فَقَالَ وَ اثْنَتَيْنِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ وَاحِدَةً فَقَالَ وَ وَاحِدَةً » (4). وأيضا روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: « من كانت له ابنة فأدبها وأحسن أدبها، وعلمها فأحسن تعليمها، فأوسع عليها من نعم الله التي أسبغ عليه كانت له منعة وسترا من النار » (5).
البنت رحمة وبركة تنزل في البيت
في كلّ بيتٍ تُولد فيه بنت، تنفتح نافذة صغيرة من نورٍ على قلوب الأبوين. إنها لا تأتي وحدها؛ تأتي معها نسمة من رحمة الله، ودفءٌ لا يُشبه أي دفءٍ آخر. منذ اللحظة الأولى التي تُطلّ فيها بعينيها الصغيرتين على الدنيا، يبدأ شيء ما في داخل الأب والأم يتحوّل ويتلين. كأنّ القلب الذي كان منشغلًا بالتخطيط والعمل والمشاغل، يجد فجأة ما يوقظه من غفوته. وإلى هذا أشار النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: « رحم الله أبا البنات ، البنات مباركات محببات ، و البنون مبشرات ، وهن الباقيات الصالحات » (6). فإذا وُلدت بنتٌ في عائلةٍ، كان هذا من أمر الله وأن الله تعالى إختار لهم هذه الرحمة والبركة. فقد روي: « وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِنَا جَارِيَةٌ فَدَخَلَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فَرَآهُ مُتَسَخِّطاً فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: أَ رَأَيْتَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَيْكَ أَنْ أَخْتَار لَكَ أَوْ تَخْتَارُ لِنَفْسِكَ مَا كُنْتَ تَقُولُ. قَالَ كُنْتُ أَقُولُ يَا رَبِّ تَخْتَارُ لِي قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدِ اخْتَارَ لَكَ. قَالَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْغُلَامَ الَّذِي قَتَلَهُ الْعَالِمُ الَّذِي كَانَ مَعَ مُوسَى عليه السلام، وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَ أَقْرَبَ رُحْماً أَبْدَلَهُمَا اللَّهُ بِهِ جَارِيَةً وَلَدَتْ سَبْعِينَ نَبِيّاً» (7).
ثمار الدنيا قبل ثواب الآخرة
وجود البنت ليس مجرد إضافة إلى عدد أفراد الأسرة، بل هو نفَس جديد من الرحمة الإلهية يدخل البيت، يحمل معه الرفق والبركة والرقة، فيغدو المنزل أكثر دفئًا وإنسانية. كم من أبٍ أو أمٍّ شهد أنّ رزقهما المادي والمعنوي تبدّل بعد ولادة ابنتهما. كأنّ الله بقدومها فتح أبوابًا من الخير لم يكونا يعرفانها. فقد روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام: « كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا بشر بجارية قال : ريحانة ورزقها على الله » (8). وهذه بركة دنيوية للبنات. والروايات المروية حول البركات الأخروية للبنات كثيرة. منها رواية الإمام الصادق عليه السلام: « إِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ ابْنَةً بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكاً فَأَمَرَّ جَنَاحَهُ عَلَى رَأْسِهَا وَ صَدْرِهَا وَ قَالَ ضَعِيفَةٌ خُلِقَتْ مِنْ ضَعْفٍ الْمُنْفِقُ عَلَيْهَا مُعَانٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ » (9). ومنها ما روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: « ما من بيت فيه البنات إلا نزلت كل يوم عليه اثنتا عشرة بركة ورحمة من السماء ، ولا ينقطع زيارة الملائكة من ذلك البيت يكتبون لأبيهم كل يوم وليلة عبادة سنة » (10). ومن الجميل أن نذكر رواية عن الإمام الصادق عليه السلام يقيس بين الولد والبنت. فقال الإمام عليه السلام: « الْبَنَاتُ حَسَنَاتٌ وَ الْبَنُونَ نِعْمَةٌ فَإِنَّمَا يُثَابُ عَلَى الْحَسَنَاتِ وَ يُسْأَلُ عَنِ النِّعْمَةِ » (11). فإذا عرفنا هذه الإمور يمكننا أن نعرف أنه لماذا ورد أنّ الله تعالى أرأف بالبنات. فقد روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: « إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَلَى الْإِنَاثِ أَرْأَفُ مِنْهُ عَلَى الذُّكُورِ وَ مَا مِنْ رَجُلٍ يُدْخِلُ فَرْحَةً عَلَى امْرَأَةٍ بَيْنَهُ وَ بَيْنَهَا حُرْمَةٌ إِلَّا فَرَّحَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ » (12).
الخاتمة
وفي ختام الكلام نقول إنه من الصحيح أن نقول: « لم يجعل الله البنت نقمةً، بل جعلها رحمةً و مفتاحاً للبرکة ». قد لا يدرك البعض في البداية أنّ هذه المولودة الصغيرة سبب في البركة، في الرزق، في الدعاء المستجاب، في الأمان النفسي. لكن الأيام تُثبت أنّ كلّ ما في البيت يتغير بوجودها، تكثر الدعوات، يقلّ القسوة، تسكن النفوس، وتُفتح الأبواب.
1) سورة الشورى / الآية: 49.
2) الحاوي الكبير (للماوردي البصري) / المجلد: 19 / الصفحة: 187 / الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر – بيروت / الطبعة: 2.
3) سورة النحل / الآية: 85 و 59.
4) الكافي (للشيخ محمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 6 / الصفحة: 6 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
5) ميزان الحكمة (للمحمدي الري شهري) / المجلد: 4 / الصفحة: 3672 / الناشر: دار الحديث – قم / الطبعة: 2.
6) مستدرك الوسائل (للشيخ حسين النوري) / المجلد: 15 / الصفحة: 115 / الناشر: مؤسسة آل البيت – قم / الطبعة: 1.
7) الكافي (للشيخ محمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 6 / الصفحة: 7 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
8) مستدرك الوسائل (للشيخ حسين النوري) / المجلد: 15 / الصفحة: 115 / الناشر: مؤسسة آل البيت – قم / الطبعة: 1.
9) ثواب الأعمال (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 202 / الناشر: دار الشريف الرضي للنشر – قم / الطبعة:2.
10) مستدرك الوسائل (للشيخ حسين النوري) / المجلد: 15 / الصفحة: 116 / الناشر: مؤسسة آل البيت – قم / الطبعة: 1.
11) الكافي (للشيخ محمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 6 / الصفحة: 6 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
12) الكافي (للشيخ محمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 6 / الصفحة: 7 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
التعلیقات