سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المعاشرة مع الناس
السيد حسين الهاشمي
منذ 7 ساعاتالحياة الإنسانية لا تستقيم إلا في إطار من العلاقات الاجتماعية، حيث يتعامل الناس بعضهم مع بعض في محيط الأسرة، والعمل، والمجتمع الكبير. وقد جاءت الشريعة الإسلامية بمنهج متكامل يضبط هذه العلاقات على أساس من الرحمة، والعدل، وحسن الخلق. ولأن النبي محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم هو القدوة الأولى للمسلمين في تطبيق هذا المنهج حيث قال الله تبارك وتعالى: ﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ (1). فقد جسّد في أقواله وأفعاله وتقريراته أسمى صور المعاشرة الحسنة، حتى صار مثالًا يُحتذى به في كل تعامل بشري. فقد صرّح الله تبارك وتعالى في كتابه الحكيم واصفا نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ (2). فمن خلال سيرته العطرة وسننه المطهّرة، نتعلم كيف يكون التعامل قائمًا على الرفق ولين القول، وكيف تكون المعاشرة مبنية على حسن الظن، والتغاضي عن الزلات، ونشر روح الألفة والمودة بين الناس.
ولحلول ذكرى ميلاد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في السابع عشر من شهر ربيع الأول، قررنا أن نكتب لكم عن سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المعاشرة مع الناس.
حسن الخلق
أول سنة من سنن النبي صلى الله عليه وآله في المعاشرة مع الناس هي حسن الخلق. فقد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ﴾ (3). وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « يَا بَحْرُ، حُسْنُ اَلْخُلُقِ يُسْرٌ ثُمَّ قَالَ أَ لاَ أُخْبِرُكَ بِحَدِيثٍ مَا هُوَ فِي يَدِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ اَلْمَدِينَةِ قُلْتُ بَلَى قَالَ بَيْنَا رَسُولُ اَللَّهِ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسٌ فِي اَلْمَسْجِدِ إِذْ جَاءَتْ جَارِيَةٌ لِبَعْضِ اَلْأَنْصَارِ وَ هُوَ قَائِمٌ فَأَخَذَتْ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ. فقال: فَقَامَ لَهَا اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَلَمْ تَقُلْ شَيْئا وَ لَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئا، حَتَّى فَعَلَتْ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَقَامَ اَلنَّبِيُّ فِي اَلرَّابِعَةِ، وَ هِيَ خَلْفَهُ فَأَخَذَتْ هُدْبَة مِنْ ثَوْبِهِ ثُمَّ رَجَعَتْ، فَقَالَ اَلنَّاسُ فَعَلَ اَللَّهُ بِكِ وَ فَعَلَ حَبَسْتِ رَسُولَ اَللَّهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ لاَ تَقُولِينَ لَهُ شَيْئا وَ لاَ هُوَ يَقُولُ لَكِ شَيْئا مَا كَانَتْ حَاجَتُكِ إِلَيْهِ، قَالَتْ إِنَّ لَنَا مَرِيضا فَأَرْسَلَنِي أَهْلِي لِآخُذَ هُدْبَة مِنْ ثَوْبِهِ يَشْتَفِى بِهَا فَلَمَّا أَرَدْتُ أَخْذَهَا رَآنِي فَقَامَ فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ آخُذَهَا وَ هُوَ يَرَانِي وَ أَكْرَهُ أَنْ أَسْتَأْمِرَهُ فِي أَخْذِهَا حَتَّى أَخَذْتُهَا » (4).
حسن الخلق هو الميزان الحقيقي الذي يُقاس به رقيّ الفرد والمجتمع. مع تسارع وتيرة الحياة في عصرنا الحالي، وما يشهده العالم من صراعات وتحديات مادية، تزداد الحاجة إلى التمسك بالأخلاق الفاضلة أكثر من أي وقت مضى. في عصر الانفتاح الثقافي والاتصال الفوري بين الشعوب، باتت الأخلاق وسيلة للتفاهم والتعايش السلمي بين الأمم. وإذا غابت الأخلاق، انتشرت الكراهية والعنصرية والصدامات. ومن هنا، فإن تعزيز القيم الأخلاقية يشكّل أساسًا لتحقيق السلام العالمي.
التواضع وعدم التكبر
في عصرنا الحالي، نرى أنّ بعض الأشخاص خصوصا الشباب، يكرهون بعض الأعمال البسيطة ويقولون: إنّ مثل هذا العمل ليس في شأني. فمثلا عندما يرى قمامة على الأرض، لايشيلها أو لايذهب بنفسه إلى السوق ليشتري حوائجه بل يأمر شخصا آخر أن يذهب مكانه. وهذا في الحقيقة هو التكبر الذي يتجسد في هذا الأفعال. فعلى الشباب أن يتعلموا من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله فقد روي في احواله: « كان النبي صلى الله عليه وآله يرقع ثوبه ويخصف نعله، ويحلب شاته، ويأكل مع العبد، ويجلس على الأرض، ويركب الحمار، ويردف، ولا يمنعه الحياء أن يحمل حاجته من السوق إلى أهله، ويصافح الغني والفقير، ولا ينزع يده من يد أحد حتى ينزعها هو، ويسلم على من استقبله من غني وفقير وكبير وصغير. ولا يحقر ما دعي إليه ولو إلى حشف التمر » (5).
التمشيط وجمال الوجه
عندما نلاحظ مواقع التواصل الاجتماعي وما يتداوله الشباب في مجتمعنا المعاصر، نرى أنّ الشعر غير المُصفَّف أصبح يُعَدّ من مظاهر الجمال. فنرى بعض الشباب يتمشون في الشوارع بشعر غير مرتب والأسف كلّ الأسف أنهم يعتبرون هذا جمالا لهم. لكن عندما نتأمّل في سيرة النبي صلى الله عليه وآله، نرى أنّه كان على خلاف ذلك، فقد وردت عنه روايات تبيّن أنّه: « كان ينظر في المرآة ويرجل جمته ويمتشط، وربما نظر في الماء وسوى جمته فيه. ولقد كان يتجمل لأصحابه، فضلا على تجمله لأهله » (6).
الإحترام للشخص المقابل
عندما نتحدث مع شخص آخر، من الضروري أن نحترمه في أفعالنا إضافة إلى الإحترام الكلامي. وهذا من الأمور التي قد يغفل عنها الكثيرون. فبينما كلامهم في غاية الإحترام لكنّ أفعالهم تبرز عدم الإحترام. وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: « ما صافح رسول الله صلى الله عليه وآله أحدا قط فنزع يده من يده حتى يكون هو الذي ينزع يده، وما فاوضه أحد قط في حاجة أو حديث فانصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف، وما نازعه أحد الحديث فيسكت حتى يكون هو الذي يسكت، وما رئي مقدما رجله بين يدي جليس له قط، ولا خير بين أمرين إلا أخذ بأشدهما » (7).
المداعبة مع الإخوان
يخلط البعض بين الوقار والمداعبة مع الإخوان والتبسم فيتوهم أنّ المداعبة القليلة مع الأصدقاء والتبسم تضرّان بوقاره ولهذا يُرى دائما عبوساً قمطريراً. وهذا الأمر يوجب أن يتوهم الآخرون أنّ هذا الشخص متكبر ويرى نفسه أحسن وأفضل من الآخرين. فيجب أن نتوخي الحذر من هذه التصرفات. فقد سأل الإمام الصادق عليه السلام اليونسَ الشيباني: « كيف مداعبة بعضكم بعضا؟ قلت: قليلا، قال: هلا تفعلوا؟ فإن المداعبة من حسن الخلق وإنك لتدخل بها السرورعلى أخيك. ولقد كان النبي صلى الله عليه وآله يداعب الرجل يريد به أن يسره » (8). لكنّ النكتة الحائزة للأهمية أنّ المداعبة يجب أن لا يصطحب معه الكذب أو الإفتراء. فقد روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: « كان رسول الله صلى الله عليه وآله يداعب ولا يقول إلا حقا » (9).
تفقد الإخوان
ضعفت العلاقات الحقيقية بين الناس في عصرنا الحالي، رغم كثرة وسائل التواصل الحديثة ، وازداد شعور الكثيرين بالوحدة. وهنا يظهر دور تفقد الإخوان من خلال الزيارات المباشرة أو الاتصالات الصادقة التي تبث روح الطمأنينة في النفوس، وتكسر حاجز الغربة حتى بين أفراد المجتمع الواحد. كثير من الأزمات النفسية التي يعيشها الناس اليوم، كالاكتئاب والقلق، سببها فقدان الدعم الاجتماعي. والاهتمام بتفقد الإخوان يبعث الطمأنينة ويقوّي القدرة على مواجهة التحديات. وهذا من سنن النبي صلى الله عليه وآله حيث روي حوله: « كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه، فإن كان غائبا دعا له، وإن كان شاهدا زاره، وإن كان مريضا عاده » (10).
مراعاة حال الخدم
العاملون في المنازل يتركون أوطانهم وأسرهم في الغالب ليؤمّنوا قوت عائلاتهم، ويعيشون في بيئات غريبة عنهم. ومن هنا تبرز أهمية معاملتهم بالرحمة واللطف، فهم بشر لهم مشاعر وحقوق مثل غيرهم. من المؤسف أن بعض الخدم والعاملين يتعرضون للاستغلال، مثل تأخير الأجور أو تحميلهم أعمالًا فوق طاقتهم أو حرمانهم من الراحة والاحترام. وهذه التصرفات بعيدة أولاً عن الإنسانية و ثانياً عن الشريعة الإسلامية. فعندما نراجع سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نرى أنه كان يتعامل مع خدمه وعماله بلطف ويعززهم. فقد روى خادمه: « خدمت النبي صلى الله عليه وآله تسع سنين، فما أعلم أنه قال لي قط: هلا فعلت كذا، ولا عاب علي شيئا قط ... ولا لامني نساؤه إلا قال: دعوه، إنما كان هذا بكتاب وقدر » (11).
هذه جملة من سنن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. فلنجعله صلى الله عليه وآله قدوة لنا في جيمع أعمالنا. إذا كنتم تعلمون سننا أخرى من سننه وأفعاله حول معاشرة الناس
أكتبوها لنا في التعليقات.
1) سورة الأحزاب / الآية: 21.
2) سورة آل عمران / الآية: 159.
3) سورة الإسراء / الآية: 53.
4) سنن النبي (للعلامة طباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 117 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
5) سنن النبي (للعلامة طباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 117 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
6) سنن النبي (للعلامة طباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 118 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
7) سنن النبي (للعلامة طباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 119 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
8) سنن النبي (للعلامة طباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 121 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
9) سنن النبي (للعلامة طباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 121 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
10) سنن النبي (للعلامة طباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 122 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
11) سنن النبي (للعلامة طباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 122 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
التعلیقات