سيرة الإمام الرضا عليه السلام في الحياة والعائلة
المرأة والاسلام
منذ 6 ساعاتلقد جسّد أهل البيت عليهم السلام القيم الإسلامية العليا في سلوكهم وأفعالهم، كالإخلاص والصدق والأمانة والتواضع والكرم والعفو والعدل والإحسان. والاقتداء بهم يعني تجسيد هذه القيم في حياتنا اليومية مما ينعكس إيجابًا على الفرد والمجتمع. وكذلك الاقتداء بأهل البيت عليهم السلام يوجب الاستقامة على الصراط المستقيم. فإنّ أهل البيت عليهم السلام هم الهداة المهديون الذين أرشدوا الناس إلى الصراط المستقيم. فهم المصداق الأبرز للآية الشريفة: ﴿ أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ (1).
والاقتداء بهم يعني السير على نهجهم القويم، وتجنب الانحراف والضلال. ولهذا يمكننا أن نفهم أن الاقتداء بأهل البيت العصمة والطهارة عليهم السلام هو السبب لتحقيق السعادة في الدارين. لأنه من خلال الالتزام بأخلاقهم الرفيعة، يمكننا أن نعيش حياة طيبة هانئة، وننال رضا الله تعالى وجنته. والنكتة الجديرة بالذكر هي إنّ أهل البيت عليهم السلام واجهوا في حياتهم العديد من التحديات والمصاعب، وثبتوا على الحق ولم يتزعزعوا. والاقتداء بهم يعني التحلي بالصبر والشجاعة والعزيمة لمواجهة تحديات العصر ومستجداته. وفي هذا يقول الله سبحانه وتعالى مخاطبا نبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ﴾ (2).
ضرورة إعادة قراءة سيرة الإمام الرضا عليه السلام في العصر الحاضر
إنّ الإمام الرضا عليه السلام هو ثامن أئمة أهل البيت عليهم السلام وقد عاش في فترة عصيبة من تاريخ الأمة الإسلامية، حيث شهدت صراعات سياسية وفكرية واجتماعية. ورغم هذه الظروف الصعبة، استطاع الإمام الرضا عليه السلام أن يقدم نموذجًا فريدًا في القيادة والإمامة، وأن يرسخ القيم الإسلامية في المجتمع. كان الإمام الرضا عليه السلام بحرًا من العلم والمعرفة حيث أعطى الله لأئمة المعصومين عليهم السلام علما فنقرأ في زيارة الجامعة الكبيرة: « مَحالِّ مَعْرِفَةِ الله وَمَساكِنِ بَرَكَةِ الله وَمَعادِنِ حِكْمَةِ الله وَحَفَظَةِ سِرِّ الله وَحَمَلَةِ كِتابِ الله وَأَوْصِياء نَبِيِّ الله » (3)، وقد استطاع من خلال علمه وحكمته أن يرد على الشبهات والأباطيل، وأن ينشر الوعي والثقافة الإسلامية. وفي عصرنا الحاضر، الذي يشهد تطورات علمية وتقنية هائلة، نحتاج إلى الاقتداء بالإمام الرضا عليه السلام في طلب العلم والمعرفة، واستخدامها في خدمة الإسلام والمسلمين.
كان الإمام الرضا عليه السلام يتميز بالحوار والتسامح مع المخالفين، وقد استطاع من خلال الحوار الهادئ والموضوعي أن يقنع الكثيرين بصحة الإسلام. يمكننا أن نفهم هذا من خلال مناظراته مع كبراء المذاهب والأديان الأخرى عندما أصبح عليه السلام وليّ عهد المأمون العباسي. وفي عصرنا الحاضر، الذي يشهد صراعات ونزاعات طائفية ومذهبية، نحتاج إلى الاقتداء بالإمام الرضا عليه السلام في الحوار والتسامح، ونبذ التعصب والتطرف.
كان الإمام الرضا عليه السلام مثالا بارزا لمساعدة الآخرين خصوصا الفقراء والمساكين وكان مصداقا ظاهرا للزهد والورع عن الدنيا وزخارفها. فعندم نراجع رواياته الشريفة يمكننا أن نشاهد هذا بوضوح. فعلينا أن نتعلم من كيفية حياته عليه السلام.
التعادل بين الدنيا والآخرة
إنّ من أبرز ما يميّز سيرة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام هو التوازن العجيب الذي تجسّد في حياته بين الاهتمام بأمور الدنيا والسعي لنيل رضا الله والدار الآخرة. لم يكن عليه السلام من الزاهدين الذين يعتزلون الدنيا وينقطعون عن الناس. لم يكن عليه السلام يرى في الدنيا شراً محضاً، بل كان يعتبرها مزرعة للآخرة وأن الإنسان يجب أن يستغلها في طاعة الله ومرضاته. في المقابل، لم يكن الإمام الرضا عليه السلام من الذين يغرقون في ملذات الدنيا وشهواتها وينسون الآخرة. بل كان عليه السلام يعتبر الدنيا دار ممر، وأن الآخرة هي دار القرار.
فقد نقل محمد بن عباد: « كان جلوس الرضا على حصير في الصيف وعلى مسح في الشتاء ، ولبسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزيأ. ولقيه سفيان الثوري في ثوب خز فقال : يا ابن رسول الله لو لبست ثوبا أدنى من هذا ، فقال : هات يدك ، فأخذ بيده وأدخل كمه فإذا تحت ذلك مسح ، فقال: يا سفيان الخز للخلق والمسح للحق» (4).
وقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام: « اجتهدوا أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة منه لمناجاته، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الإخوان الثقات، والذين يعرفونكم عيوبكم، ويخلصون لكم في الباطن، وساعة تخلون فيها للذاتكم، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث الساعات. لا تحدثوا أنفسكم بالفقر ولا بطول العمر، فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل، ومن حدثها بطول العمر حرص. إجعلوا لأنفسكم حظا من الدنيا، بإعطائها ما تشتهي من الحلال وما لم ينل المروة ولا سرف فيه، واستعينوا بذلك على أمور الدين» (5).
المداراة مع الناس
لم تكن المداراة عند الإمام الرضا عليه السلام مجرد تكتيك أو أسلوب للمسايرة، بل كانت نابعة من إيمانه العميق بقيمة الإنسان واحترامه لحريته في التفكير والتعبير. كان عليه السلام يرى أن المداراة هي الوسيلة الأنجح لكسب القلوب وتغيير النفوس وأن العنف والخشونة لا يزيدان الأمور إلا تعقيداً وتأزماً. فقد روى سهل بن زياد الآدمي عن الإمام الرضا عليه السلام:« لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث خصال: سنة من ربه وسنة من نبيه وسنة من وليه. فأما السنة من ربه فكتمان سره، قال الله جلّ جلاله: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا. إلا من ارتضى من رسول)، وأما السنة من نبيه فمداراة الناس، فإن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه وآله بمداراة الناس، فقال:(خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)، وأما السنة من وليه فالصبر في البأساء والضراء، يقول الله عز وجل: (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) » (6).
وأيضا روى الإمام الرضا عليه السلام حول التفريج عن المؤمنين: « مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُؤْمِنٍ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْ قَلْبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » (7).
حسن الخلق
إن حسن الخلق من أهم الصفات الإنسانية التي أكد عليها الله سبحانه وتعالى حيث قال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ (8). والإمام الرضا عليه السلام كان منبعا راسخا لحسن الخلق. فقد روي عنه عليه السلام: « من خرج في حاجة ـ ومسح وجهه بماء الورد لم يرهق وجهه قتر ـ ولا ذلة ـ ومن شرب من سؤر اخيه المؤمن يريد بذلك التواضع ادخله الله الجنة البتة ، ومن تبسم في وجه اخيه المؤمن كتب الله له حسنة ، ومن كتب الله له حسنة لم يعذبه» (9). وأيضا روي عنه عليه السلام:« أَقْرَبُکُمْ مِنِّي مَجْلِساً يوْمَ الْقِيامَهِ أَحْسَنُکُمْ خُلُقاً وَ خَيرُکُمْ لِأَهْلِهِ » (10).
إن الاطلاع على سيرة الإمام الرضا عليه السلام لا يقتصر على قراءة مقال أو كتاب، بل هو رحلة مستمرة في بحر علومه وأخلاقه. أدعوكم إلى تخصيص وقت منتظم لقراءة الكتب والمقالات والمواقع الإلكترونية التي تتناول حياة الإمام عليه السلام والاستماع إلى المحاضرات والندوات التي تتحدث عن سيرته العطرة.
إن الهدف الأسمى من دراسة سيرة الإمام الرضا عليه السلام هو تطبيقها في حياتنا اليومية وتحويلها إلى سلوك وممارسة. أدعوكم إلى أن تتأملوا في الصفات الحميدة التي كان يتحلى بها الإمام عليه السلام وأن تسعوا جاهدين إلى اكتسابها والتحلي بها.
1) سورة البقرة / الآية: 5.
2) سورة البقرة / الآية: 119.
3) مفاتيح الجنان (للشيخ عباس القمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 651 / الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية – طهران / الطبعة: 1.
4) مناقب آل أبي طالب (لإبن شهرآشوب) / المجلد: 3 / الصفحة: 470 / الناشر: المطبعة الحيدرية – النجف الأشرف / الطبعة: 1.
5) فقه الرضا عليه السلام (مجموعة من العلماء) / المجلد: 1 / الصفحة: 337 / الناشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث – قم / الطبعة: 1.
6) الأمالي (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 408 / الناشر: مؤسسة البعثة – بيروت / الطبعة: 1.
7) الكافي (لمحمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 2 / الصفحة: 200 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
8) سورة آل عمران / الآية: 159.
9) مصادقة الإخوان (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 52 / الناشر: مكتبة الإمام صاحب الزمان – النجف الأشرف / الطبعة: 1.
10) صحيفة الإمام الرضا عليه السلام (محمد مهدي نجف) / المجلد: 1 / الصفحة: 67 / الناشر: دار الأضواء – بيروت / الطبعة: 1.
التعلیقات