القابلة، ملك في لحظة الولادة

اليوم في عالم ، تعتمد صحة الإنسان ورفاهيته بشكل كبير على دور الأشخاص الذين يعملون في مجال الصحة والرعاية. ومن بين هؤلاء الأشخاص، تأتي القابلات كأحد العناصر الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها. يوم القابلة العالمي، الذي يُحتفل به في 5 مايو من كل عام، إنه فرصة لتكريم هذه المهنة القيمة وتذكير الناس بأهمية الخدمات التي تقدمها القابلات في مجال صحة الأمهات والرضع.

يوم القابلة العالمي أُنشئ خصيصًا لزيادة الوعي العام حول دور القابلات في تحسين صحة الأمهات والأطفال، وأيضًا لتشجيع هذه المهنة. يُذكّر هذا اليوم جميع القابلات والمهنيين الصحيين بأن لديهم مسؤولية كبيرة وحيوية تجاه المجتمع. ويعود سبب تسمية هذا اليوم إلى الجهود المتواصلة التي تبذلها القابلات في تقديم الرعاية المناسبة والدعم العاطفي للأمهات والأطفال.

تاريخ هذا اليوم يعود إلى عام 2011، عندما قررت الاتحاد الدولي للقابلات (ICM)  أن تُطلق هذا اليوم كوسيلة لتعزيز الوعي حول أهمية دور القابلات. وقد تم ذلك بشكل خاص في وقت كانت فيه معدلات وفيات الأمهات والأطفال في العديد من الدول لا تزال مرتفعة، وكان هناك حاجة ملحة لتسليط الضوء على خدمات القابلات.

لحظة الميلاد ودور القابلة في ورود الإنسان إلى العالم

في تلك اللحظة الساحرة، حين يلف الكون سكون الليل، وفي رحم الظلام الدامس، تنبثق شرارة الحياة لتعلن عن بداية رائعة. إنها لحظة الولادة، تلك اللحظة التي تتجسد فيها عظمة الخالق وقدرته على إبداع الحياة من العدم. وفي هذه اللحظات المصيرية، يبرز دور القابلة كالنور الهادي في ليلة ظلماء.

إنها الملاك الحارس الذي يرافق الأم في رحلة العبور نحو الأمومة، يمدها بالقوة والصبر، ويهمس في أذنها كلمات التشجيع والأمل. إنها السند الذي تتكئ عليه الأم في لحظات الألم والمعاناة، والعين التي ترقب بلهفة لحظة إيجاد الحياة. تتجسد القابلة في تلك اللحظة كرمز للعطاء والتفاني والصبر، تهب نفسها لخدمة الأم والجنين وتسهر على راحتهما وسلامتهما. إنها العقل المدبر الذي يدير عملية الولادة بحكمة واقتدار، واليد الحانية التي تستقبل المولود الجديد بحب وحنان.

في تلك اللحظات العصيبة، تتناغم القابلة مع الأم في سيمفونية رائعة، حيث تتحد القوة والصبر مع الحكمة والخبرة، لتهيئة الظروف المثالية لاستقبال الحياة الجديدة. إنها اللحظة التي تتجلى فيها أسمى معاني الإنسانية، حيث يتلاقى العطاء والتفاني مع الحب والحنان. حين يصرخ المولود صرخته الأولى، تنطلق زغاريد الفرح لتعم المكان. إنها لحظة النصر، لحظة الانتصار على الألم والمعاناة، لحظة استقبال الحياة بكل ما فيها من جمال وروعة. تتولى القابلة في تلك اللحظة مهمة استقبال المولود الجديد، تنظيفه وتدفئته، والتأكد من سلامته وصحته. إنها اللمسة الأولى التي يشعر بها المولود بعد خروجه من رحم أمه، اللمسة التي تزرع فيه الأمان والثقة، وتؤهله لمواجهة العالم الخارجي.

مهنة القبالة ليست مهنة طبية فقط

إن دور القابلة في لحظة الولادة لا يقتصر على الجانب الطبي والتقني، بل يتعداه إلى الجانب الإنساني والعاطفي. إنها الأم البديلة التي تمنح الأم الدعم والحب، وتهدئ من روعها وخوفها. إنها الصديقة التي تشاركها فرحة الأمومة، وتحتفل معها بأجمل لحظات حياتها. في الختام، لا يسعنا إلا أن ننحني إجلالاً وتقديراً لدور القابلة في لحظة الولادة، تلك اللحظة التي تتجسد فيها عظمة الحياة وروعتها. إنها الملاك الحارس الذي يرافقنا في رحلة العبور إلى هذا العالم، ويستقبلنا بأذرع مفتوحة وقلب حنون. فتحية إجلال وإكبار لكل قابلة تضحي بوقتها وجهدها من أجل خدمة الإنسانية، وتحية حب وتقدير لكل أم تنجب الحياة بكل ما فيها من أمل ورجاء.

القبالة مزيج من العلم والرحمة

القبالة ليست مجرد مهنة، بل هي رسالة إنسانية سامية تجسد أسمى معاني العطاء والرحمة. إنها فن وعلم يجمع بين المعرفة الطبية الدقيقة واللمسة الإنسانية الحنونة، لتقديم الدعم والرعاية للنساء في واحدة من أهم وأجمل مراحل حياتهن: الحمل والولادة.

لا يمكن الحديث عن مهنة القبالة دون التأكيد على أهمية المعرفة الطبية المتينة التي يجب أن تمتلكها القابلة. فالقبالة ليست مجرد مهارات عملية، بل هي علم قائم على فهم عميق لتشريح ووظائف جسم المرأة، وعلم وظائف الأعضاء، وعلم الأمراض، وعلم الأدوية، وغيرها من العلوم الطبية الأساسية. القابلة المتعلمة والمؤهلة هي التي تستطيع فهم التغيرات الفيزيولوجية التي تحدث للمرأة أثناء الحمل، وتشخيص المشاكل الصحية المحتملة، واتخاذ الإجراءات المناسبة للتعامل معها. إنها التي تستطيع مراقبة تطور الحمل بشكل دقيق، وتقييم صحة الجنين، والكشف عن أي علامات تدل على وجود خطر يهدد الأم أو الجنين.

إلى جانب المعرفة الطبية، لا بد أن تمتلك القابلة صفات إنسانية عظيمة، مثل الرحمة والتعاطف والصبر والقدرة على التواصل مع النساء. فالمرأة الحامل تمر بمرحلة حساسة تتطلب الدعم العاطفي والنفسي. والقابلة هي الشخص الذي يمكن أن يقدم هذا الدعم وتساعد المرأة على التغلب على مخاوفها وقلقها. القابلة الماهرة هي التي تستطيع الاستماع إلى المرأة بإنصات، وفهم مشاعرها واحتياجاتها، وتقديم النصائح والتوجيهات المناسبة لها. إنها التي تخلق بيئة آمنة ومريحة للمرأة، وتشجعها على اتخاذ القرارات المناسبة بشأن صحتها وصحة جنينها.

مهنة القبالة مهنة محمودة شرعا

يعتقد البعض أن مهنة القبالة من المهن المبغوضة لدى الله سبحانه وتعالى وفي دين الإسلام ويستندون إلى بعض الروايات الضعيفة التي تدلّ على كراهية زواج الرجل مع قابلته. 

لكن هذا الإعتقاد ليس صحيحا. بل الفهم الصحيح من هذه الروايات أن القابلة تصبح للطفل الذي جاءت به كالأم. وقد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ﴾ (1). ولهذا الإرتباط العاطفي والعميق بين الطفل وقابلته دلت الروايات على أن زواج الرجل مع قابلته مكروه. وهذا فضل عظيم للقابلات وليس بمنقصة.

قابلات الأئمة عليهم السلام

إن مهنة القبالة مهمة جدا والأمر الذي يدلّ على أهمية هذه المهنة أن القابلات التي ساعدن أمهات الأئمة على وضع الحمل لم يكنّ بالنساء العاديات. بل كنّ متناسبات مع المولود. فقد روى الإمام الصادق عليه السلام في ولادة السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها: « إن خديجة عليها رضوان الله لما تزوج بها رسول الله هجرتها نسوة مكة ، فكن لا يدخلن عليها ولا يسلمن عليها ولا يتركن امرأة تدخل عليها ، فاستوحشت خديجة من ذلك ، فلما حملت بفاطمة صارت تحدثها في بطنها وتصبرها ... فلم تزل خديجة على ذلك إلى أن حضرت ولادتها ، فوجهت إلى نسآء قريش ونساء بني هاشم يجئن ويلين منها ما تلي النسآء من النسآء ، فأرسلن إليها عصيتينا ولم تقبل قولنا ، وتزوجت محمدا يتيم أبي طالب فقيرا لا مال له ، فلسنا نجئ ولا نلي من أمرك شيئا ، فاغتمت خديجة لذلك ، فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة طوال كأنهن من نساء بني هاشم ، ففزعت منهن ، فقالت لها إحداهن : لا تحزني يا خديجة ، فإنا رسل ربك إليك ، ونحن أخواتك : أنا سارة ، وهذه آسية بنت مزاحم ، وهي رفيقتك في الجنة ، وهذه مريم بنت عمران ، وهذه صفراء بنت شعيب ، بعثنا الله تعالى إليك لنلي من أمرك ما تلي النسآء من النسآء ، فجلست واحدة عن يمينها ، والاخرى عن يسارها ، والثالثة من بين يديها ، والرابعة من خلفها ، فوضعت خديجة فاطمة طاهرة مطهرة » (2).

وورد حول ولادة صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه، أن السيدة حكيمة عليها السلام كانت الشخص الوحيد المشرف على الحضور في تلك المناسبة. وقد كانت السيدة حكيمة سلام الله عليها، حاضرة بأمر من الإمام الحسن العسكري عليه السلام. وهي أيضًا كانت قابلة للسيدة نرجس حتى وضعت صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء. فقد روت السيدة حكيمة: « فَجَلَسْتُ وَ قَرَأْتُ الم السَّجْدَةَ وَ يس فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ إِذِ انْتَبَهَتْ فَزِعَةً فَوَثَبْتُ إِلَيْهَا فَقُلْتُ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْكِ ثُمَّ قُلْتُ لَهَا أَ تُحِسِّينَ شَيْئاً قَالَتْ نَعَمْ يَا عَمَّةِ فَقُلْتُ لَهَا اجْمَعِي نَفْسَكِ وَ اجْمَعِي قَلْبَكِ فَهُوَ مَا قُلْتُ لَكِ قَالَتْ فَأَخَذَتْنِي فَتْرَةٌ وَ أَخَذَتْهَا فَتْرَةٌ فَانْتَبَهْتُ بِحِسِّ سَيِّدِي فَكَشَفْتُ الثَّوْبَ عَنْهُ فَإِذَا أَنَا بِهِ عليه السلام سَاجِداً يَتَلَقَّى الْأَرْضَ بِمَسَاجِدِهِ » (3).

وهذه الروايات تدلّ على أن مهنة القبالة هي مهنة مهمة مدى العصور ومنذ أنزل الله سبحانه وتعالى الدين المبين لهداية البشرية.

 

الأسئلة والأجوبة

1. ما هو الهدف من الاحتفال بيوم القابلة العالمي؟
يهدف يوم القابلة العالمي إلى زيادة الوعي بدور القابلات الحيوي في تحسين صحة الأمهات والأطفال، وتشجيع هذه المهنة الإنسانية النبيلة.

 

2. كيف تساهم القابلات في لحظة الولادة؟
القابلة ترافق الأم أثناء الولادة بالدعم العاطفي والمهني، وتوفر لها بيئة آمنة، وتساعد على استقبال الحياة الجديدة بحب ورعاية.

 

3. ما الذي يميز مهنة القبالة عن غيرها من المهن الصحية؟
مهنة القبالة تجمع بين العلم الطبي العميق والرحمة الإنسانية، إذ تقدم القابلة الرعاية الطبية والدعم النفسي والعاطفي للمرأة الحامل.

 

4. هل هناك جانب ديني يدعم أهمية مهنة القبالة؟
نعم، الروايات الإسلامية أكدت على مكانة القابلة ودورها، بل واعتبرت أن علاقتها بالطفل تشبه علاقة الأم، مما يدل على عظمة هذه المهنة في الشريعة.

 

5. كيف كانت القابلات حاضرات في ولادات الشخصيات العظيمة مثل السيدة فاطمة الزهراء والإمام المهدي عليهما السلام؟
تولت نساء مختارات وطاهرات مهمة توليد أمهات الأئمة، مما يدل على أهمية القبالة ومكانتها الرفيعة في التاريخ الإسلامي.

 

لا تدعوا هذه المناسبة تمر دون تقدير! شاركوا في تكريم القابلات عبر نشر قصص الإلهام والدعم، أو بتوجيه رسالة شكر لكل قابلة كانت النور الهادي في رحلة الحياة.
 اكتبوا لنا في التعليقات: ماذا تعني لكم القابلة؟ وماذا تودون أن تقولوا لها اليوم؟ 
 

 

1) سورة النساء / الآية: 23.
2) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 16 / الصفحة: 80 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
3) كمال الدين وتمام النعمة (للشيخ الصدوق) / المجلد: 2 / الصفحة: 426 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 2.