Logo
لإجراء العمليات قم أولاً بتسجيل الدخوللإجراء العمليات قم أولاً بتسجيل الدخول
١١.٩K
لإجراء العمليات قم أولاً بتسجيل الدخول

كيف يأمر الله الناس بالفسق ثمّ يعاقبهم ذلك؟

كيف يأمر الله الناس بالفسق ثمّ يعاقبهم ذلك ؟

السؤال : ذكر اللّه سبحانه وتعالى : { وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا } {الإسراء/16} ، إنّ اللّه لا يأمر بالسوء والفحشاء فكيف يأمر بالفسوق؟
فهل أنّ اللّه يقصد : « أمرّنا » بتشديد الراء ، فكان الفسق من عمل المترفين ، فجاءت فاء السببية :
{ فَفَسَقُواْ } ، { فَحَقَّ } ، { فَدَمَّرْنَاهَا } على الترتيب .
حقيقة قرأت هذه الآية بتمعّن شديد بعد مشاهدة أحد البرامج المسيحية التي يتّهم صاحبها اللّه جلّ وعلا بمصادرة حرية الأشخاص « القرية في الآية الكريمة » ، ولا ذنب لهم ؛ لأنّ اللّه أمرهم ، وهو عذّبهم .

الجواب : من سماحة السيّد علي الحائري
هذه الآية الشريفة مع ماقبلها وما بعدها من الآيات تتعرّض بموجوعها لبعض القوانين التكوينية ، والسنن الإلهية التاريخية الجارية دائماً في المجتمعات البشرية ، ومعنى الآية ـ طبقاً لقرائتها الفعلية الموجودة في المصحف الشريف المتداول لدى المسلمين اليوم ـ هو عبارة عن سنّة إلهية تاريخية ، ومعادلة ربّانية تكوينية حاكمة على كلّ مجتمع بشري ، وهي : أنّ السبب الرئيسي لتدهور المجتمع البشري ، وانحطاطه ، وزوال مجده وعظمة وحضارئه ، وبالتالي فانّ السبب الأساسي لهلاكه هو فسق الطبقة المترفة ، أيّ : أولئك الذين اُتيحت لهم كلّ الإمكانيات المادّية الوسيعة ، وتوفّرت لهم النعم الإلهية من الثروة والسلطة وغيرهما .
وفسقهم : يعني كفرانهم لتلك النعم والإمكانيات ، وسوء الانتفاع بها ، وعدم استثمارها في مجالاتها الطبيعية والمناسبة ، وعدم الاستفادة منها بالشكل الذي أمر اللّه تعالى به ، وبالتالي فانّ الفسق يعني التمرّد على كلّ القيم والمبادئ والأسس التي يقوم عليها المجتمع البشري ، والتي هي قوام الحياة الاجتماعية السليمة ، فانّ هذا الفسق ، وهذا الكفران للنعم ، وهذا النوع من سوء الانتفاع بها ، واستغلالها للأهداف غير السليمة سوف يؤدّي ـ ولو بالتدريج وخلال فترة زمنية قد تكون طويلة ـ إلى اضمحلال ذلك المجتمع البشري ـ كمجتمع ـ وزواله ودمارهم ، هذه هي سنّة اللّه تعالى في كلّ مجتمع .

إذاً : فالأمر بالفسق ليس أمراً تشريعياً ؛ فانّ اللّه تعالى لا يأمر أمراً تشريعياً بالفسق ـ وحاشاه ـ ، بل هو ينهى نهياً تشريعياً عن الفسق والفحشاء والمنكر ، فكيف يأمر بما ينهى عنه؟ وأنّما المراد بالأمر بالفسق في الآية الشريفة الأمر التكويني ، أيّ : تكوين الأرضية المساعدة للفسق ، وإيجاد الإمكانيات والفرص التي يمكن للبشر استغلالها في سبيل الفسق ، وإعطاء النعم الوفيرة ، وإتاحة الثروة والسلطة وغيرهما ممّا يتمكّن به الإنسان من الفسق و الفجور والتمرّد على القيم والمبادئ الإنسانية ، فإنّ هذه الأرضية ، وتلك الإمكانيات والفرص والنعم التي مَنّ اللّه تعالى بها على الإنسان إنّما وفرّها اللّه تعالى له لكي ينتفع بها بالشكل السليم ، لكنّ الإنسان بفسقه الذي صدر منه بسوء إرادته واختياره استغلالها أسوأ استغلال ، فكانت النتيجة الطبيعية عبارة عن الدمار والهلاك.
إذاً : فما جاء في السؤال ، وهو أنّ الأشخاص لا ذنب لهم ؛ لأنّ اللّه أمرهم بالفسق فكيف يعذّبهم عليه؟
جوابه : قد اتضحّ ممّا ذكرناه ؛ فإنّ اللّه تعالى لم يأمرهم بالفسق أمراً تشريعياً ، ـ سبحانه وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً ـ ؛ فإنّ اللّه يأمر بالعدل والإحسان ، وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، بل المقصود بالأمر بالفسق في الآية الشريفة هو الأمر التكويني الذي شرحناه ، فلا توجد إذاً أيّ مصادرة للحرّيّة والاختيار ، بل الأمر بالعكس ؛ فإنّ الفسق الصادر من الإنسان إنّما صدر منه بكامل حريّته واختياره ، وبسوء إرادته كما قلنا ، هذا هو ما نفهم من الآية الشريفة ، واللّه العالم.

التعلیقات

اکتب التعلیق...

المضافة أخيراً

كيف يأمر الله الناس بالفسق ثمّ يعاقبهم ذلك؟ - شبكة رافـد للتنمية الثقافية