كيف نقرأ علامات الظهور ؟
الشيخ محمد السند
منذ 4 ساعاتهناك جدلية كبيرة مرتبطة بالعقيدة المهدوية والمعرفة بالإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف، وهذه الجدلية تتحول في المجتمع إلى مشكلة يعالجها دعاء الندبة بشكل واضح وصريح.
هذه الجدلية قسّمت المجتمع إلى فريقين بين الافراط والتفريط في قراءة علامات الظهور، وهي بنفسها من المحاور المرتبطة بالإمام المهدي علیه السلام، وفيها تركت الامة الجادة الوسطى التي خطها لنا تراث أهل البيت علیهم السلام.
ومما لا شك فيه أننا إذا استقمنا على الجادة نكون قد أدينا المسؤولية العظيمة تجاه إمام زماننا صاحب العصر والزمان عجل الله تعالی فرجه شریف.
منهج الإفراط
هناك اتجاه يفرط في علائم الظهور بأن يرهن الأمور بالعلامات ويبالغ بالتوقيت، فيتحول الأمر إلى نظم زمني وحلقات زمنية متتابعة إلى أن تصل إلى نهايتها، وهذا التفسير باطل، «كذب الوقاتون» فليست حقيقة علامات الظهور عبارة عن تسلسل زمني، (قد يكون لسان بعض الروايات أدى إلى إغراء أصحاب هذا الاتجاه) ولكن المراد من مغزی علائم الظهور شيء آخر.
منهج التفريط
والبعض ذهب إلى التفريط بتلك العلامات، ولم يعبأ بها أصلا، وهذا الاتجاه أيضا خاطئ، لأنه يعتبر أنه من اللازم على المؤمنين والجماعات الناشطة منهم بالخصوص أن لا تعير اهتماما لها، وهذا الاتجاه التفريطي أكثر عجبا من الاتجاه الإفراطي، فالروايات المتواترة والمستفيضة تواترها إجمالا عند الفريقين وليس فقط عند الإمامية، فهل صدرت هذه الروايات جزافا من الشارع المقدس؟!
أين تكمن الخطورة؟
هناك مشكلة ثقافية كبيرة في مفهوم قراءة علائم الظهور، وهو التعامل مع هذه الروايات كأخبار المنجمين الذين يخبرون ببعض الأحداث المستقبلية، وهذه النظرة للأسف ابتليت بها الكثير من الكتابات حول علامات الظهور.
وظيفة الوحي الإلهي وفلسفته وغايته ليس التنجيم، حتى النبؤات الموجودة في القرآن الكريم يمكن ملاحظتها على أنها إعجاز إلهي في التنبؤ كي يثبت هذا المراد، وهو أن الأمر لله وليس للبشر.
يعني « إِن تَنصُرُوا اللَّهَ یَنصُرْکُمْ وَیُثَبِّتْ أَقْدَامَکُمْ » (1)، لا أن وظيفتنا تفسير الانتظار على البقاء متفرجين كأننا لسنا طرفا في هذا المشروع!، هكذا يكون الأمر إذا فسرت علامات الظهور بهذه الطريقة أما توقيت وتسلسل زمني للأحداث ينتج قراءة خاطئة لعلائم الظهور أو التعامل مع الروايات کتنجيم، وهذا بالنتيجة يصل بنا إلى أنه ليس هناك مسؤوليات، ولا وظائف للمؤمنين.
القراءة الصحيحة
فلسفة الظهور وعلاماته مرتبطة بالصميم بالمسؤولية الملقاة على عاتقنا، وهي لأجل تحديد المسؤولية تجاه الأفراد والأجيال، لا من باب توقيت التسلسل الزمني، بل هي مرتبطة بأفعال وأحداث نحن نصنعها أو يصنعها الخصم، هذه قراءة أخرى لعلامات الظهور، وهي الجادة الوسطى.
الخطاب القرآني والذي يؤصل لقاعدة عامة:«یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ یَنصُرْکُمْ وَیُثَبِّتْ أَقْدَامَکُمْ » (2)، «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ» (3)، هذه الخطابات القرآنية تؤكد أن النصر صحيح هو من عند الله، ولكنه ليس على نحو الجبر، بل هو أمر بين أمرين.
«إن تنصروا الله ...»، لن يأتي على نحو العفوية، لأن سنة الله هي قاعدة لا تتخلف كل تغيير وإنتقال سياسي أو حضاري، « إِنَّ اللَّهَ لَا یُغَیِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّی یُغَیِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ »(3)، كل شيء مرهون بتلك القاعدة القرآنية .
«البداء» أصل اعتقادي عظيم في مدرسة أهل البيت علیهم السلام، فعن أحدهما علیهم السلام : « ما عبد الله بمثل البداء » (5)، وعن الصادق علیه السلام: « ما بعث الله نبيا قط إلا بتحريم الخمر وأن يقر له بالبداء » (6)، فلسفة البداء ليس كما يعتقد اليهود، « وَقَالَتِ الْیَهُودُ یَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَیْدِیهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ یَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ یُنفِقُ کَیْفَ یَشَاءُ » (7)، بل المنطق القرآني هو هكذا: «کُلًّا نُّمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّکَ وَمَا کَانَ عَطَاءُ رَبِّکَ مَحْظُورًا » (8).
يعني الله سبحانه وتعالى يعمل بالأسباب والمسببات، لا أننا مؤمنين، ولنا كرامة على الله سبحانه وتعالى فينزل علينا النصر بدون أن نعد له العدة!، کلا أبدا: « لَّا یَسْتَوِی الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ غَیْرُ أُولِی الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِینَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَی الْقَاعِدِینَ دَرَجَةً » (9).
فكيف يساوي الله سبحانه في المدد التكويني بين من يجتهد في تطوير مشروعه باستمرار، ويعمل الاحتياطات اللازمة لحفظه والدفع به نحو الأنتصار، وبين من يجلس متفرجا لا يمارس دورا في المشروع الذي يؤمن به؟!.
فمن يريد التغيير والتعجيل بالظهور المقدس لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالی فرجه شریف عليه أن يعمل ويجد ويجتهد في سبيل ذلك المشروع الألهي لأنه ليس بين الله وبين أحد من قرابة! من يريد الانتصار عليه توفير المقدمات المطلوبة لذلك.
إذن علامات الظهور لیست برنامج سلسلة زمنية، بل هي توصيات وتحذيرات ليرتبط كل فرد منا بمسؤوليته الشرعية والأخلاقية في تحقيق المشروع المهدوی.
الأهم هو العشق
القرآن الكريم عندما يتحدث عن يوسف علیه السلام ويشير إلى التعلق والوله به من قبل أبيه النبي يعقوب علیه السلام، « قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْکُرُ یُوسُفَ حَتَّی تَکُونَ حَرَضًا أَوْ تَکُونَ مِنَ الْهَالِکِینَ * قَالَ إِنَّمَا أَشْکُو بَثِّی وَحُزْنِی إِلَی اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ » (10).
وما يتحدث عنه دعاء الندبة محوره الأصلي هو صاحب العصر والزمان عجل الله تعالی فرجه شریف، وهذه الآداب التي جرت من نبي من أنبياء الله وهو يعقوب تجاه یوسف علیه السلام، هذه سنة للمؤمنين بما فيها من آداب، من الحري بنا أن نقيمها مع المهدي من آل محمد صلى الله عليهم أجمعين.
الله سبحانه وتعالی کنی عن أهل البيت علیهم السلام في القرآن الكريم، لكي نستدل عليهم بما هو في غيرهم، وهم أيضا أعظم من ذلك شأنا .
من أراد استعد!
من أراد شيئا لا بد أن يعد له العدة، لأن الحدث لا يمكن أن يكون ابن ساعته، فنهج رسول الله وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام الإعداد والاستعداد لكل شيء خصوصا الأحداث المهمة والمفصلية في رسالة السماء، « وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَکِن کَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِیلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِینَ » (11).
فمن يبحث عن الأعذار في هكذا نشاط مخطئ، لأن المطلوب من المؤمن أن يكون شعلة من النشاط والحيوية والتكامل المستمر لكي يكون مستعدا باستمرار، لأن مسؤولية تحصيل الأغراض المذكورة في دعاء الندبة والتي لها بداية وليس لها نهاية يجب فيها التشمير عن ساعدي الجد لتحصيلها، ومن لطيف التعابير في الدعاء أن الصلاة أحد معانيها تأييد بالنصرة، يعني نطلب من الله سبحانه وتعالى أن يؤيده بالنصر: « وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلاةً لَاغايَةَ لِعَدَدِها، وَلَا نِهايَةَ لِمَدَدِها، وَلَا نَفادَ لِأَمَدِها » (12).
أنت سيد الموقف
هناك بعض الروايات يسأل فيها الراوي عن العلامات المحتومة، مثل السفياني واليماني وغيرها من العلامات هل يبدو لله فيها؟ قال الإمام عليه السلام نعم (13)، محتوم ومع ذلك قد يبدو لله فيه، فنحن لسنا مجبرون عليها، بل هي رهينة موقفنا وقوتنا واستعدادنا وتحملنا للمسؤولية، وهنا تبدو حقيقة علائم الظهور وعظمتها في التحذير والاستعداد.
وهذه المسألة كر مثيلها في القرآن الكريم في قصة قوم النبي «یونس علیه السلام»، وكيف أن العذاب شارف عليهم، ثم رفعه الله سبحانه وتعالی.
إذن هذه العلامات ليس فيها جبر، بل أنت سيد الموقف في مسؤوليتك، لأنه دائما هناك بدائل وخيارات.
العلامة الكبرى للظهور الشريف
أمر مهم جدا يذكر في الأدعية والزيارات الخاصة بالإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف، وهو هذا المقطع من دعاء العهد: « اللّهُمَّ إِنْ حالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ الْمَوْتُ الَّذِي جَعَلْتَهُ عَلَى عِبادِكَ حَتْماً مَقْضِيّاً فَأَخْرِجْنِي مِنْ قَبْرِي مُؤْتَزِراً كَفَنِي، شاهِراً سَيْفِي، مُجَرِّداً قَناتِي، مُلَبِّياً دَعْوَةَ الدَّاعِي فِي الْحاضِرِ وَالْبادِي » (14).
وقد روي عن الإمام أبي عبد الله الصادق علیه السلام أنه قال: «من دعا إلى الله أربعين صباحا بهذا العهد كان من أنصار قائمنا، فإن مات قبله أخرجه الله تعالى من قبره وأعطاه بكل كلمة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة ».
حتى الأموات مخاطبون بالمسؤولية فضلا عن الأحياء، وهذا يدل على عظمة المسؤولية الملقاة على عاتقنا، والتي لا يعفى منها حتى الأموات.
أمير المؤمنين علیه السلام لم يعطي لعلامات الظهور مثل السفياني أو اليماني أو الحسني أو غيرها مثل ما أعطى لهذه العلامة من التركيز، وهي رجعة المؤمنين إلى الحياة الدنيا لنصرة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف، وهي تعني الكثير في بيان حجم المسؤولية الملقاة على عاتق المؤمنين حتى اشتهرت « العجب كل العجب بین جمادی ورجب ».
وهذا يعني أن اكبر علامة للظهور هي قيام المؤمنين بمسؤوليتهم في هذا المشروع، الأحياء أولا ثم الأموات، يحييهم الله، فإذا قام المؤمنون بمسؤوليتهم يقع الظهور المقدس.
أكبر علامة للظهور إذا نظرنا للموضوع من جهة أخرى، هي قدرة المؤمنين على تشكيل قوة تستطيع توفير الحماية لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالی فرجه شریف.
كل الأئمة السابقين أجابوا على تساؤل بعض الناس في سبب عدم القيام! هو انهم لو وجدوا أنصارا لقاموا بالأمر، يعني المسؤولية كلها بالنهاية ترجع إلى ساحة المؤمنين الموالين للأئمة علیهم السلام، فهذا الأمر وتلك الغاية مطلوبة في كل زمان، ولكنه لم تتوفر الظروف المناسبة لبقية الأئمة علیهم السلام والتقصير دائما بسببنا.
ضريبة العجز والتقصير
العجز والقصور والإخفاق لا يريده الشارع، بل يريد من المؤمنين أن يعدوا العدة، أي تقصير من قبلنا في المسؤولية فهذا يعني عدم ظهور صاحب العصر والزمان عجل الله تعالی فرجه شریف، فمتى ما وفرنا القوة من الناحية الاقتصادية والعسكرية والأمنية ولم يحصل الظهور، فهذا يعني عدم كفاية القوة المتوفرة لدينا، وعلينا السعي لتقويتها والزيادة فيها، وهذه الفقرة في دعاء الندبة تشير إلى ذلك: « إِلى مَتَى أَحارُ فِيكَ يَا مَوْلايَ وَ إِلَى مَتَى وَأَيَّ خِطابٍ أَصِفُ فِيكَ وَأَيَّ نَجْوَى عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ أُجَابَ دُونَكَ وَأُناغَى ، عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ أَبْكِيَكَ وَيَخْذُلَكَ الْوَرَى» (15)، هي لمن يقرأ دعاء الندبة ولديه إصرار في محاولات تغيير الأوضاع للمولي وإنهاء حالة اللا أمان، والأنقطاع الظاهري عنه عجل الله تعالی فرجه شریف۔
فهو يستنكر هذه الأجواء على نفسه وعلى الآخرين، ويعاتب الجميع على سبب الاستمرار في هذا الحال: « إلى متى أحار فيك يامولاي.... وهو منهج استراتيجي عظيم في تحمل المسؤولية تجاه أهل البيت علیهم السلام :
عزيز علي أن أبكيك ويخذلك الورى..» یعني سبب عدم الظهور هو خذلان الناس، لا أنه لم تتوفر العلامات الأخرى كالصيحة والسفياني وما شابه ! .
بث الحسرة ولوم النفس والمجتمع على خذلان صاحب العصر والزمان عجل الله تعالی فرجه شریف، هي تربية للنفس من أجل عدم الاتكاء على أعذار أخرى، بل إن السبب الرئيسي هو هذا (خذلان الورى).
إذن نصرة صاحب العصر والزمان عجل الله تعالی فرجه شریف هي ناموس الظهور والفرج، وهي التمهيد لرجعة المؤمنين للقيام بالمسؤولية.
وهذه المحاور هي لرسم استراتيجية العلاقة مع مشروع صاحب العصر والزمان عجل الله تعالی فرجه شریف، « عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ تُحِيطَ بِكَ دُونِيَ الْبَلْوَى وَلَا يَنالَكَ مِنِّي ضَجِيجٌ وَلَا شَكْوى » (16).
بلوى عدم الأمن والأمان هي التي تحيط بصاحب العصر والزمان عجل الله تعالی فرجه شریف، لأنه يحمل المشروع الإلهي المنقذ للبشرية، وهو مطارد من قبل الظالمين.
1. سورة محمد، الآية 7.
2. سورة محمد، الآية 7.
3. سورة الأنفال، الآية 10.
4. سورة الرعد، الآية 11.
5. المجلسي، بحار الأنوار، ج 4، ص 132.
6. الصدوق، التوحید، ص 334.
7. سورة المائدة، الآية 64.
8. سورة الإسراء، الآية 20.
9. سورة النساء، الآية 95.
10. سورة يوسف، الآيتان 85-86.
11. سورة التوبة، الآية 46.
12. مقطع من دعاء الندبة.
13. عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري قال : كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليهم السلام) فجری ذكر السفياني وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم فقلت لأبي جعفر: هل يبدو الله في المحتوم؟ قال: نعم. فقلنا له :فنخاف ان يبدو الله في القائم. فقال: أن القائم من الميعاد والله لا يخلف الميعاد (النعماني، الغيبة، ص314-315).
14. مقطع من دعاء العهد.
15. مقطع من دعاء الندبة.
16. مقطع من دعاء الندبة.
مقتبس من كتاب المشروع السياسي للامام المهدي عجل الله تعالى فرجه شريف للشيخ محمد السند / الصفحة : 125 ـ 138.









التعلیقات