وللأسف عندما كنت اتصفّح الانترنيت رأيت هذه المقالة في أحد المواقع هل تستطيعون أيّها الشيعة أن تجيبون على هذه الأسئلة ؟ لقد تنازل الحسين بن علي لمعاوية وسالمه في وقت كان يجتمع عنده من الأنصار والجيوش ما يمكنه من مواصلة القتال. وخرج الحسين بن علي في قلّة من أصحابه في وقت كان يمكنه فيه الموادعة والمسالمة ، ولا يخل أن يكون أحدهما على حقّ والآخر على على باطل ؛ لأنّه إن كان تنازل الحسن مع تمكّنه من الحرب « حقّاً » كان خروج الحسين مجرداً من القوّة مع تمكّنه من المسالمة « باطلاً » ، وإن كان خروج الحسين مع ضعفه « حقّاً » كان تنازل الحسن مع قوّته « باطلاً » ، وهذا يضعكم في موقف لا تحسدون عليه ؛ لأنّكم إن قلتم أنهما جميعاً على حقّ جمعتم بين النقيضين ، وهذا القول يهدم أصولكم ، وإن قلتم ببطلان فعل الحسن لزمكم أن تقولوا ببطلان إمامته ، وبطلان إمامته يبطل إمامة أبيه وعصمته ؛ لأنّه أوصى إليه ، و الإمام المعصوم لا يوصي إلّا إلى إمام معصوم مثله ، وإن قلتم ببطلان فعل الحسين لزمكم أن تقولوا ببطلان إمامته وعصمته ، وبطلان إمامته وعصمته يبطل إمامة وعصمة جميع أبنائه وذريّته ؛ لأنّه أصل إمامتهم ، وعن طريقه تسلسلت الإمامة ، وإذا بطل الأصل بطل ما يتفرّع عنه.
عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال : الحسن والحسين امامان قاما أو قعدا (1).
فنحن نعتقد أنّ ما قام به الإمام الحسن سلام الله عليه في ظرفه كان هو الحقّ ، وأنّ ما قام به الإمام الحسين سلام الله عليه في ظرفه كان هو الحقّ أيضاً ، فكلاهما على حقّ في الظرف الخاصّ الذي كان يكتنفه ، وليس هذا من الجمع بين النقيضين ؛ لأنّ النقيضين إنّما يستحيل اجتماعهما في ظرف واحد ، لا أن يكون أحد النقيضين في ظرفٍ والآخر في ظرف آخر يختلف تماماً عن الأوّل ؛ فإنّ هذا ممكن وواقع دائماً ، فالحياة والموت مثلاً نقيضان ؛ لأنّهما وجود وعدم ، فالمستحيل هو أن يكون الإنسان حيّاً وميّتاً في زمانٍ وظرفٍ واحد. أمّا أن يكون حَيّاً في زمانٍ وميّتاً في زمان آخر فهذا ليس بمستحيل ، بل هو ممكن وهو الواقع دائماً.
فكذالك صلح الإمام الحسن سلام الله عليه في زمانٍ وظرفٍ وخروج الإمام الحسين سلام الله عليه في زمانٍ آخر وظرف يختلف من كثير من الجهات عن ظرف الإمام الحسن سلام الله عليه ، فكلاهما صحيح وحقّ رغم اختلاف الموقفين تبعاً لاختلاف الظروف ، فحتّى الإمام الحسين سلام الله عليه لو كان إماماً في ظرف الإمام الحسن سلام الله عليه لكان يتّخذ نفس الموقف الذي اتّخذه الإمام الحسن سلام الله عليه ، وحتّى الإمام الحسن سلام الله عليه لو كان إماماً في ظرف الإمام الحسين سلام الله عليه لكان يتّخذ نفس الموقف الذي اتّخذه الإمام الحسين سلام الله عليه ، فالإمام إمام سواء قام أو قعد كما هو مرويّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ولو صحّ هذا الإعتراض بالنسبة الى صلح الإمام الحسن وخروج الإمام الحسين سلام الله عليهما ، إذاً عليكم أن تعترضوا على النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم أيضاً حيث صالح المشركين في ظرفٍ وحاربهم في ظرفٍ آخر ، فإن كان الصلح مع المشركين حقّاً كانت الحرب ضدّهم باطلا ، وإن كانت الحرب حقّاً كان الصلح معهم باطلاً ؟
هل يصحّ مثل هذا الكلام ؟ طبعاً لا ؛ لأنّ صلحه صلّى الله عليه وآله وسلّم كان في ظرفٍ وحربه ضدّهم كانت في ظرف آخر يختلف ، وكلا الموقفين حقّ وصحيح ، وليس هذا من الجمع بين النقيضين كما قلنا.
إذاً فلا فعل الإمام الحسن سلام الله عليه باطل ، ولا فعل الإمام الحسين سلام الله عليه ، فكلّ ما فرّعتموه على ذلك من بطلان إمامتهما وعصمتهما وبطلان إمامة أبيهما وعصمته ، وبطلان إمامة ذرّية الحسين سلام الله عليهم جميعاً ، كلّ هذا الكلام باطل في باطل.
هداكم الله إلى الحقّ وإلى الصراط المستقيم : ( قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) (2) ، ( وَالسَّلَامُ عَلَىٰ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَىٰ ) (3).
الهوامش
1. المناقب « لابن شهرآشوب » / المجلّد : 3 / الصفحة : 394 / الناشر : علامه / الطبعة : 1.
راجع :
دعائم الاسلام « للقاضي النعمان المغربي » / المجلّد : 1 / الصفحة : 37 / الناشر : دار المعارف.
الإرشاد « للشيخ المفيد » / المجلّد : 2 / الصفحة : 30 / الناشر : دار المفيد للطباعة والنشر / الطبعة : 2.
2. يوسف : 108.
3. طه : 47.
التعلیقات
٣