لا يكاد يذكر التشيّع إلّا وتذكر التقيّة معه في محاولة لإثبات أنّه لو كان هذا المذهب صحيحاً لما لزم هذا النوع من النفاق الصريح كما يزعم أهل السنّة. ومن الروايات التي يحتجّون بها قول الإمام الصادق « ليس منا من لم يلزم التقيّة ». وقول الإمام الحسين عليه السلام « والله ما عبد الله بشيء أحبّ إليه من الخبئ ، قيل وما الخبئ ؟ قال التقيّة ». فما مدى صحة هذه الروايات ؟ وإن كانت صحيحة فما الذي تدعو إليه ؟ وهل الشيعة هي الفرقة الوحيدة التي تقول بالتقيّة ؟ وكيف يمكنني الرد على مثل هذا الاتّهام ؟
لا يكاد يذكر التسنّن إلّا ويذكر تجسيم الله تعالى عن ذلك ، وتجويز كفرالأنبياء ، وإمامة الفسقة والفجّار على المسلمين ، وحرمة الخروج على الولاة الظالمين ... وغير ذلك من الشنائع والقبائح والبدع والضلالات ... لكنّ الله سبحانه أمر المسلمين بالتحاكم إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله في كلّ ما شجر بينهم ، وجعل ذلك رمز الإيمان بالله والرسول ؛ إذ قال : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (1).
والنبي بدوره قال في الحديث المتواتر بين المسلمين :
إنّي تارك فيكم الثقلين ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عَلَيّ الحوض. (2)
فجعل النبيّ سُنّة الأئمّة من عترته أهل بيته حجّةً كما أنّ القرآن حجّة. هذا هو الأمر الثابت في كلّ مسألةٍ بصورةٍ عامّة.
وفي خصوص « التقيّة » فإنّ المغرضين المعادين للقرآن والإسلام يجعلونها بمعنى « النفاق » ، والحال أنّها واردة في القرآن الكريم في قضيّة الصحابيّ الجليل الشهيد عمّار بن ياسر رضي الله عنه ، وواردة في سيرة النبيّ الأكرم بل سائر الأنبياء عليهم السلام (3) ، أمّا إذا لم يكن غرض فجهل.
ونوّد أن نذكّر كلّ خارجٍ عن مذهبنا يريد الاطّلاع على عقائدنا بانصاف وتعقّل أن يرجع إلى كتبنا المعتبرة ، لا إلى الكتب المؤلّفة ضدّنا.
ونودّ أن نذكرّكم ـ وسائر أخواننا من أبناء المذهب ـ مطالعة الكتب المعتبرة المستندة إلى الكتاب ، وإلى روايات أهل البيت ، وإلى العقل السليم لتكونوا على بصيرة كاملةٍ في أُموركم الاعتقاديّة والعمليّة.
وبإمكانكم قراءة الكتب المؤلّفة في خصوص مبحث « التقيّة » ، منها : الرسالة الصادرة عن مركز الرسالة من المؤسسات التابعة لمكتب المرجع الأعلى السيّد السيستاني في قم ، فإنّها تغنيكم عن أيّ كتابٍ آخر.
الهوامش
1. النساء : 65.
2. الاحتجاج « لأحمد بن علي الطبرسي » / المجلّد : 2 / الصفحة : 128 / الناشر : منشورات الشريف الرضي.
راجع :
الكافي « للشيخ الكليني » / المجلّد : 1 / الصفحة : 294 / الناشر : دار الكتب الإسلاميّة / الطبعة : 5.
صحيح مسلم / المجلّد : 7 / الصفحة : 123 / الناشر : دار الفكر.
3. الكافي « للشيخ الكليني » / المجلّد : 2 / الصفحة : 217 / الناشر : دار الكتب الإسلاميّة / الطبعة : 5 :
قال أبو عبد الله عليه السلام : التقيّة من دين الله. قلت : من دين الله ؟ قال : إي والله من دين الله ولقد قال يوسف : « أيّتها العير إنّكم لسارقون » والله ما كانوا سرقوا شيئاً ولقد قال إبراهيم : « إنّي سقيم » والله ما كان سقيماً.
التعلیقات
١