في تسع آيات موسى صلوات الله عليه
قطب الدين الراوندي
منذ سنةفي تسع آيات موسى صلوات الله عليه
195 ـ لمّا اجتمع رأي فرعون أن يكيد موسى فأوّل ما كاده به عمل الصّرح ، فأمَرّ هامان ببنائه حتّى اجتمع فيه خمسون ألف بنّاء ، سوى من يطبخ الآجر ، وينجّر الخشب والأبواب ، ويضرب المسامير حتّى رفع بنياناً لم يكن مثله منذ خلق الله الدّنيا ، وكان أساسه على جبل ، فزلزله الله تعالى ، فانهدم على عمّاله وأهله وكلّ من كان عمل فيه من القهارمة والعمّال ، فقال فرعون لموسى عليه السّلام : انّك تزعم أنّ ربّك عدل لا يجور أفعدله (1) الّذي أمر ؟ فاعتزل الآن الى عسكرك ، فإِنّ النّاس لحقوُا بالجبال والرمال ، فاذا اجتمعوا تُسمِعَهُمْ (2) رسالة ربّك ، فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السّلام أخّره ودعه ، فانّه يريد أن يجنّد لك الجنود لك الجنود فيقاتلك ، واضرب بينك وبينه أجلاً ، وابرز الى معسكرك يأمنوا بأمانك ، ثمّ ابنوا بنياناً واجعلوا بيوتكم قبلةً.
فضرب موسى بينه وبين فرعون أربعين ليلةً ، فأوحى الله الى موسى أنّه يجمع لك الجموع ، فلا يهولنّك شأنه فانّي أكفيك كيده ، فخرج موسى صلوات الله عليه من عند فرعون والعصٰا معه على حالها حيّة تتبعه وتنعق وتدور حوله والنّاس ينظرون إليه متعجّبين وقد ملئوا رعباً ، حتّى دخل موسى عسكره وأخذ برأسها فإذا هي عصٰا ، وجمع قومه وبنوا مسجداً.
فلمّا مضى الأجل الّذي كان بين موسى وفرعون أوحى الله تعالى إلى موسى صلوات الله عليه أن اضرب بعصاك النّيل ، وكانوا يشربون منه ، فضربه فتحوّل دماً عبيطاً ، فاذا ورده بنو اسرائيل استقوا ماءاً صافياً ، وإذا ورده آل فرعون اختضبت أيديهم واسقيتهم بالدّم ، فجهدهم العطش حتّى أنّ المرأة من قوم فرعون تستقي من نساء بني إسرائيل ، فاذا سكبت الماء لفرعونيّة تحوّل دماً ، فلبثوا في ذلك أربعين ليلة ، وأشرفوا على الموت واستغاث (3) فرعون وآله بمضغ الرّطبة ، فصير ماؤها مالحاً ، فبعث فرعون إلى موسى : ادع لنا ربّك يعيد لنا هذا الماء صافياً ، فضرب موسى بالعصٰا النّيل ، فصار ماءاً خالصاً. هذا (4) قصّة الدّم.
وأمّا قصّة الضّفادع ، فانّه تعالى أوحى إلى موسى أن يقوم إلى شفير النّيل حتّى يخرج كلّ ضفادع خلقه الله تعالى من ذلك الماء ، فأقبلت تدبّ سراعاً تؤمّ أبواب المدينة ، فدخلت فيها حتّى ملأت كلّ شيء ، فلم تبق دار ولا بيت ولا إناء إلّا امتلأت ضفادع ، ولا طعام ولا شراب إلّا في ضفادع ، حتّى غمّهم ذلك وكادوا يموتون ، فطلب فرعون إلى موسى صلوات الله عليه أن يدعوا ربّه ليكشف البلاء ، واعتذر اليه من الخلف ، فأوحى الله تعالى إلى موسى أن أسعفه ، فأناف (5) موسى بالعصٰا ، فلحق جميع الضّفادع بالنّيل.
وأمّا قصّة الجراد والقمّل ، فانّه تعالى أوحى إلى موسى عليه السّلام أن ينطلق إلى ناحية من الأرض ويشير بالعصٰا نحو المشرق وأخرى نحو المغرب ، فانبثّ (6) الجراد من الافقين جميعاً ، فجاء مثل الأسود ، وذلك في زمان الحصاد ، فملأ كلّ شي وغمّ الزّرع ، فأكله وأكل خشب البيوت وأبوابها ومسامير الحديد والأقفال والسّلاسل ، ونكت موسى الأرض بالعصا ، فامتلأت فصار وجه الأرض أسود وأحمر ، حتّى أنّ ثيابهم ولحفهم وآنيتهم فتجيء من أصله (7) وتجىءُ من رأس الرّجل ولحيته وتأكل كلّ شيءٍ ، فلمّا رأوا الّذي نزل من البلاء اجتمعوا إلى فرعون ، وقالوا : ليس من بلاء إلّا ويمكن الصّبر عليه إلّا الجوع ، فانّه بلاء فاضح لا صبر لأحد عليه ، ما أنت صانع ؟ فأرسل فرعون إلى موسى عليه السّلام بجنده أنّه لم يجتمع له أمره الّذي أراد ، فأوحى الله تعالى إلى موسى أن لا تدع له حجّةً وأن ينظره ، فأشار بعصاه فانقشع (8) الجراد والقمل من وجه الأرض.
وأمّا الطّمس ، فانّ موسى صلوات الله عليه لمّا رآى آل فرعون لا يزيدون إلّا كفراً دعا موسى عليهم ، فقال : ربّنا إنّك أتيت فرعون وملأه زينةً وأموالاً في الحياة الدّنيا ربّنا اطمس على أموالهم ، فطمس الله أموالهم حجارةً ، فلم يبق لهم شيئاً ممّا خلق الله تعالى يملكونه ، ولا حنطةً ولا شعيراً ، ولا ثوباً ولا سلاحاً ، ولا شيئاً من الأشياء إلّا صار حجارةً.
وأمّا الطّاعون ، فانّه أوحى الله تعالى إلى موسى إنّي مرسل على (9) أبكار آل فرعون في هذه اللّيلة الطّاعون ، فلا يبقى بآل فرعون من إنسان ولا دابة إلّا قتله ، فبشّر موسى قومه بذلك ، فانطلقت العيون إلى فرعون بالخبر ، فلمّا بلغه الخبر قال لقومه : قولوا لبني إسرائيل : إذا أمسيتم فقدّموا أبكاركم وقدّموا أنتم أبكاركم واقرنوا كلّ بكرين في سلسلة ، فانّ الموت يطرقهم ليلاً ، فاذا وجدهم مختلطين لم يدر بايّهم يبطش ، ففعلوا ، فلمّا جنّهم اللّيل أرسل الله تعالى الطّاعون ، فلم يبق منهم إنسان ولا دابة إلّا قتله ، فأصبح أبكار آل فرعون جيفاً وأبكار بني إسرائيل أحياءً سالمين ، فمات منهم ثمانون ألفاً سوى الدوّاب.
وكان لفرعون من أثاث الدّنيا وزهرتها وزينتها ومن الحلّي والحلل ما لا يعلمه إلّا الله تعالى ، فأوحى الله جلّت عظمته إلى موسى صلوات الله عليه إنّي مورث بني إسرائيل ما في أيدي آل فرعون ، فقل لهم : ليستعيروا منهم الحليّ والزّينة ، فانّهم لا يمتنعون من خوف البلاء ، وأعطى فرعون جميع زينة أهله وولده ومٰا كان في خزائنة ، فاوحى الله تعالى إلى موسى بالمسير بجميع ذلك حتّى كان من الغرق بفرعون وقومه ما كان (10).
الهوامش
1 في ق 1 : أفعدل.
2. في ق 1 وق 2 : فأسمعهم.
3. في هامش ق 4 : واشتغل وفي ساير النّسخ حتّى البحار : واستغاث والظّاهر : واستعان. على ما يستدعيه معنى العبارة.
4. في ق 1 : هذه.
5. أي : أشار بها.
6. في ق 3 والبحار : فانبثق.
7. في البحار ( 13 / 115 ) : حتى ملئت ثيابهم ولحفهم وآنيتهم فتجيء متواصلة.
8. وانقشع : تفرق.
9. في ق 2 وق 4 خ ل : إلى.
10. بحار الانوار ( 13 / 113 ـ 116 ) ، برقم : ( 16 ).
مقتبس من كتاب : قصص الأنبياء / الصفحة : 167 ـ 169


التعلیقات