مناظرة السيد مصطفى العاملي مع بعض الفلسطينيين في حكم الجمع بين الصلاتين
في الاحكام
منذ 15 سنةيقول السيد مصطفى مرتضى العاملي : كنت يوماً في مخيم الرشيدية في رأس العين مع بعض الاِخوان من أهل فلسطين ، فقال لي رجل منهم : لقد رأيت حال الشيعة وسبرت أخلاقهم وعاداتهم فوجدتهم متمسكين بالدين الاِسلامي كل التمسك ، ولم أجد ما يعابون به سوى شيء واحد.
فقلت : وما هذا الشيء الذي تعيبهم به ؟
قال : إنهم يجمعون بين الصلاتين .
قلت : وهل من حرج عليهم في ذلك ، بعدما صرحوا بأن النبي صلى الله عليه وآله جمع وفرّق .
قال : إنّ النبي صلى الله عليه وآله إنّما جمع في السفر .
قلت له : قد صحّ عندكم ورويتم في كتبكم أن النبي صلى الله عليه وآله صلّى الظهر ثمانياً والعشاء سبعاً ، من غير خوف ولا سفر ولا مطر ولا حرب ولا عذر من الاَعذار(1) ، وقيل لابن عمر : لماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك ؟ فقال : لئلا يضيق على اُمته(2) ، فإذا كانت الشيعة تفعل ما فعله رسول الله فلا يجوز عيبهم والتشنيع عليهم ، فإنكم بذلك تعيبون رسول الله صلى الله عليه وآله وتشنعون عليه .
قال : الحق معكم ، وإني أستغفر الله مما فرطُ ، ولكن أيهما أفضل : الجمع أم التفريق ؟
قلت : لا أدري .
قال : يجب أن تدري .
قلت : هذا لا يخصني ، ولا يجب عليَّ معرفته ، فإن الشارع هو الله ، والله لا يسأل عما يفعل ، والمبلغ عنه رسول الله صلى الله عليه وآله ، ورسول الله أعرف بما جاء به ، ومثلي يجب عليه التسليم فقط.
قال : فإني سألت أحد مشايخ الشيعة عن ذلك ، وقال لي : إن التفريق أفضل ، وأدلك عليه إذا شئت ، هو الشيخ حسن شمس الدين من حنويه.
قلت : إن الشيخ هو أجل قدراً من أن يعطيك الجواب هكذا على مثل هذا السؤال .
قال : بلى والله لقد سألته وأجابني هكذا .
قلت : لعلك لم تفهم معنى كلامه .
قال : بلى والله لقد فهمت ، وهو ما قلته لك .
قلت : كلا ليس الاَمر كذلك ، وإني أستطيع أن أعرفك ما قاله الشيخ لك .
قال : وما الذي تظنه قال حيث لم تصدق قولي.
قلت : إني لم أكذبك ، وإنما قلت : إنك لم تفهم معنى كلامه ، وعلى كل حال إن صحّ أنه أجابك ، فإنه يقول لك : حيث ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله فعل الاَمرين علمنا بتساوي الفضلين ، لاَنه لا يعقل أن رسول الله صلى الله عليه وآله ترك الاَفضل وعمل ماهو دونه في الرتبة ، لاَنه صلى الله عليه وآله ما عرض عليه أمران إلاّ واختار أشدهما عليه ليزداد أجره بزيادة المشقة ، ونحن الآن مخيرون بين الجمع والتفريق ، ورسول الله صلى الله عليه وآله فعل الاَمرين ، فهما في الفضل سواء ، فلا حرج علينا في أي الفعلين التزمنا.
ثم قلت له : لنفرض جدلاً أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يجمع بين الصلاتين إلاّ لعذر كالمطر والسفر والحرب وغيرهما من الاَعذار .
فتهلل وجهه ، وقال : والاَمر كذلك .
قلت له : فقد صحّ أنه جمع ، والجمع كان لعذر.
فقال : نعم .
قلت : إن كان العذر يبيح الجمع بين الصلاتين ، فما المانع من الجمع بين الصلوات الخمس ، فيصليها كلها دفعة واحدة في وقت واحد.
قال : أن الصلاة لا تجوز قبل دخول الوقت ، ولو أداهاالمكلّف قبل وقتها لم يسقط الوجوب بعد دخوله ، وكذا لا يجوز تأخيرها عن وقتها مع الاختيار .
قلت : أن الجمع بين صلاتين يقتضي إما تأخير أولاهن عن وقتها أو تقديم الثانية عليه ، وعلى أي الوجهين فإن إحدى الصلاتين وقعت في غير وقتها ، لاَن وقتيهما متغايران بزعمك .
قال : إن الجمع بين الظهر والعصر فيه شيء من التسامح ، وذلك لقرب الوقتين بعضهما من البعض .
قلت  : هذا التسامح هل كان من الرسول  صلى الله عليه وآله  خاصة أم  عن أمر الله تعالى  ،  فإن زعمت أنّه من الرسول كذبك الله عزّ وجلّ لاَنّه وصف الرسول  صلى الله  عليه وآله  بأنه ( ومَا  ينطقُ عن الهوى )(3) وإن قلت  : إنه من  الله  ، دلّ على اتحاد الوقتين ، قل ما شئت  فإن الحق معنا.
 
قال  :  ومشروعية الجمع إن كانت لقرب الوقتين بعضهما من بعض فلِمَ لم  يجمع بين العصر والمغرب  ، فإن القرب بين وقتهما كالقرب بين وقتي الظهر  والعصر ، وكالقرب بين وقتي المغرب والعشاء ، بل يجب على هذا القياس أن تجمع   بين الأربع صلوات في وقت واحد  ؟ !
 
قال  :  لقد أشكل عليَّ الاَمر  ، وليس في وسعي الجواب.
 
قلت  :  تزعمون أن الجمع بين الصلاتين كان لعذر  ، فلا يخلو الاَمر أن يكون  صلّى إحدى الصلاتين في غير وقتها  ، ولم يسقط وجوبها عند دخول الوقت ،  فتركها عمداً ، فتشهد عليه بقلة الدين ووضع الشيء في غير محله ، فتكون قد  كفرت ، وأنت تدعي الاِسلام ، وإما أن يكون الوقت مشتركاً كما تزعم الشيعة ،   فيكون  صلى الله عليه وآله  صلّى الصلاتين في وقتهما ، وهو ما عليه الشيعة   ، والسلام .
 
قال  الرجل  : أشهد أن الحق معكم  ، وأن من نازعكم واعترضكم متعد مبطل.
 
قلت  :  أزيدك بياناً ، أن المصلحة الاِنسانية تقتضي الجمع أكثر من التفريق  ،  وذلك أن الناس ليس كلهم مترفاً حتى أنّه يفرغ نفسه لمراعاة الاَوقات ، بل  غالب  الناس أهل كدٍّ وأصحاب أعمال ، ولا يمكن للعامل أن يوقت لكل صلاة وقتاً ،  لأن صاحب العمل لا يسره التعطيل ونقص الشغل ، كذلك لا تساعده الظروف  ،  ولعله ينسى الصلاة في بعض الاَوقات  ، حيث يغلب عليه التعب  ، أو لا يمكنه  صاحب العمل من التفرغ لكل صلاة  ، فإذا جمع بين الصلاتين سلم من كل هذه  المحذورات.
 
قال  :  صدقت  ، هذا صحيح .
 
قلت  :  وانظر في قوله تعالى  : ( أَقِم الصلاةَ لِدُلوكِ  الشمسِ إلى غَسق  الليلِ وقُرآن الفجرِ إنَّ قرآنَ الفجرِ كانَ مشهوداً )(4)،  أتراه ذكر غير ثلاثة  أوقات ، وانظر في قوله عقيب هذا بلا فصل  : ( وَمِنَ  اللَّيلِ فَتَهَجَّد بهِ نَافِلَةً لكَ )(5) ،  ألم تكن صلاة الليل واجبة لو لم يقل  : (نافلة لك) .
 
قال  : بلى والله ، ولكن لو جمعت  الآية الاَولى إلى قوله تعالى  : ( أَقِم الصلاةَ  طَرَفَي النهارِ وَزُلَفاً من اللّيل )(6) ، لكان المجموع خمس صلوات.
 
فقلت  : لشد ما غلطت  ، بل كان  المجموع ستة  ، لاَنّ الاُولى دلّت على ثلاثة  أوقات ، ودلّت الثانية على ثلاثة أوقات أيضاً.
 
قال  : إن قوله  : ( إلى غَسق الليلِ)  ، (وَزُلَفاً مِن اللّيل ) يدلان على وقت  واحد.
 
قلت  : أو ما علمت أن من أول الفجر إلى ركود الشمس في  دائرة نصف  النهار يسمى صباحاً ، ومن الدلوك وهو زوال الشمس عن دائرة نصف النهار إلى  الغروب يسمى مساءً ، وأن المراد بطرفي النهار الصباح والمساء ، فكما دلّ  الغسق  والزلفى من الليل على وقت واحد كذلك يدل الفجر والطرف الاَول من النهار على   وقت واحد ، ويدل الدلوك والطرف الثاني على وقت واحد .
 
فسكت الرجل ولم يحر جواباً .
 
وفي اليوم الثاني ذهبت إلى حنويه وأخبرت الشيخ حسن بما حصل  ،  وطالبته بما أجاب به الرجل.
 
فقال  : لم يكن الاَمر هكذا ، وإنما صلّى الرجل معنا صلاة  المغرب ، وبعد  الفراغ قال  : أراك جمعت بين الصلاتين  ؟
 
فقلت له  : جوابك يأتي بعد الآن .
 
ثم لم يمض نصف ساعة وإذا جميع الحضور غلب عليهم النوم  ،  فقلت له  :  هذا جواب سؤالك ، أترى هؤلاء لو لم يصلوا العشاء مع صلاة المغرب ألم يكن  سيفوت الكثير منهم الصلاة ، ولو نبَّههم أحد هل يحصل منهم التوجه إلى  الصلاة  والاِقبال عليها كما يجب  ؟
 
فقال لي  : صدقت .
 
والحمدلله ربّ العالمين(7) . 
____________
  (1) راجع  : صحيح مسلم  : ج 1 ص 489 ـ 491 ح 49 و 50 و 54 (باب الجمع بين  الصلاتين)  ،  سنن النسائي  : ج 1 ص 290 .
 (2) القائل هو ابن عباس  ، راجع  : صحيح مسلم  : ج1 ص490 ح50 و51 و53 و54 ،  (باب  الجمع بين الصلاتين) .
 (3) سورة النجم : الآية 3 .
 (4) سورة الاِسراء  : الآية 78 .
 (5) سورة الاِسراء  : الآية 79 .
 (6) سورة هود  : الآية 114 .
 (7) الحقيبة مناظرات ومحاورات للسيد مصطفى العاملي  : ص 123 ـ 128 .

التعلیقات