Logo
لإجراء العمليات قم أولاً بتسجيل الدخوللإجراء العمليات قم أولاً بتسجيل الدخول
٩.٢K
لإجراء العمليات قم أولاً بتسجيل الدخول

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (1)

لا خلاف بين الأمّة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، غير أنّ القاضي عبدالجبّار ، نسب إلى شرذمة من الاماميّة عدم وجوبهما (2) والنسبة في غير محلّها ، فانّهم عن بكرة أبيهم ، مقتفون للكتاب والسنّة. وصريح الآيات وأحاديث العترة الطاهرة على الوجوب. روى جابر بن عبداللّه الأنصاري ، عن أبي جعفر الباقر ، أنّه قال : « إنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر سبيل الأنبياء ، ومنهاج الصلحاء ، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض و تؤمن المذاهب ، وتحلّ المكاسب ، وتردّ المظالم ، وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء ، ويستقيم الأمر ». (3)

وأمّا كلمة المحقّقين ، فيكفى في ذلك مراجعة كتبهم الكلاميّة والفقهيّة (4).

1 ـ وجوبهما عقلي أو شرعي

هل يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، عقلاً ، أو لا يجبان إلّا شرعاً ؟ القائلون بوجوب اللطف المقرّب يلزمهما القول بوجوبهما عقلا، لأنّ اللطف ليس إلا تقريب العباد إلى الطاعة و إبعادهم عن المعصية. ومن أوضح ما يحقّق تلك الغاية هو الأمر بالمعروف بعامة مراتبه.

وأورد عليه المحقّق الطوسي ما هذا توضيحه : لو وجبا عقلاً على الله تعالى ، فانّ كلّ واجب عقلي ، يجب على كلّ من حصل في حقّه وجه الوجوب ، ولو وجب عليه تعالى لكان إمّا فاعلاً لهما ، فكان يلزم وقوع المعروف قطعاً ، لأنّه تعالى يحمل المكلّفين عليه ، وانتفاء المنكر لأنّه تعالى يمنع المكلّفين عنه ، وهذا خلاف ما هو الواقع في الخارج ، وإمّا غير فاعل لهما ، فيكون مخلّاً بالواجب ، وذلك محال ، لما ثبت من حكمته تعالى. وإلى هذا المعنى أشار هذا المحقّق بقوله : « لو كانا واجبين عقلاً لزم ما هو خلاف الواقع ، أو الإخلال بحكمته سبحانه ». (5)

يلاحظ عليه : إنّ وجوبهما عقلاً لا يلازم وجوبهما على الله سبحانه بعامّة مراتبهما ، لأنّه لو وجب عليه كذلك يلزم الاخلال بالغرض وإبطال التكليف ، وهذا يصدّ العقل عن إيجابهما على الله سبحانه فيما لو استلزم الإلجاء ، فيُكتفى فيهما ببعض المراتب ، كالتبليغ والانذار ممّا لا ينافي حريّة التكليف ، وهما متحقّقان. وإلى ما ذكرنا يشير شيخنا الشيهد الثاني بقوله : « لاستلزام القيام به على هذا الوجه ـ من وجوبه قولاً وفعلاً ـ الالجاء الممتنع في التكليف ، ويجوز اختلاف الواجب باختلاف محالّه ، خصوصاً مع ظهور المانع، فيكون الواجب في حقّه تعالى الانذار والتخويف بالمخالفة لئلّا يبطل التكليف. والمفروض أنّه قد فعل » (6).

وهذا صحيح لو كان اللطف المقرّب واجباً ، ولكنّك عرفت أنّ وجوبه غير ثابت ، وانّما الثابت هو اللطف المحصّل للغرض. (7)

2 ـ شرائط وجوبهما

قد فصّل الفقهاء والمتكلّمون الكلام في شرائط وجوبهما ، وإليك بيانها.

أ ـ عِلْم فاعلهما بالمعروف و المنكر.

ب ـ تجويز التأثير ، فلو علم أنّهما لا يؤثران لم يجبا.

ج ـ انتفاء المضرّة ، فلو علم أو غلب على ظنّه حصول مفسدة له أو لبعض إخوانه في أمره ونهيه ، سقط وجوبهما دفعاً للضرر.

د ـ تنجّز التكليف في حقّ المأمور والمنهي ، فلو كان مضطراً إلى أكل الميتة ، لا تكون الحرمة في حقّه منجّزة ، فلا يكون فعله حراماً و لا منكراً ، وان كان الحكم في حقّ الآمر والناهي منجزاً.

نعم ، إنّ الشرط الثالث ، أيّ عدم المضرّة ، شرط في موارد خاصّة لا مطلقاً ، فربّما يجب على الآمر والناهي تحمل الضرر وعدم ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وذلك فيما اذا كانت المصلحة مهمّة ، كما لو استلزم سكوته خروج الناس عن الدين ، وتزلزلهم في العقيدة ، فيحرم عليه السكوت ، بل يجب عليه الاصحار بالحقيقة وان بلغ ما بلغ من ضرب أو شتم أو حبس ، حتّى القتل. قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : « إذا ظهرت البدع في أُمّتي ، فليظهر العالم علمه والّا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين » (8).

وقال أمير المؤمنين علي ـ عليه السّلام ـ : « وما أخذ الله على العلماء أنّ لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم » (9).

وبذلك يعلم أنّ التقيّة مشروعة ، ولكن لها حدود ولها أحكام ، فكما أنّها تجب ، فربّما تحرم ، والتفصيل موكول إلى محلّه (10).

3 ـ وجوبهما عيني أو كفائي ؟

الظاهر ، كما هو المعروف ، كون وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كفائيّاً ، لأنّ الغرض شرعاً هو وقوع المعروف وارتفاع المنكر ، من غير اعتبار مباشر معين ، وهذا آية كون الوجوب كفائيّاً ، فاذا حصلا ، ارتفع الوجوب. والاستدلال على وجوبهما عيناً بالعمومات ، مثل قوله سبحانه : ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ) (11) ، غير كاف ، لأنّ الواجب الكفائي ، يشترك مع الواجب العيني في كون الشيء واجباً على العموم ، إلّا أنّه يسقط بفعل واحد من المكلّفين ، بخلاف العيني. فتوجّه الخطاب إلى العموم ، مشترك بين العيني والكفائي.

4 ـ مراتبهما

إنّ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب تبتدئ بالقلب فاللسان فاليد ، وتنتهي بإجراء الحدود والتعزيرات والجهاد. قال الامام الباقر : ـ عليه السّلام ـ « فأنْكروا بقلوبكم ، والفُظوا بألسنتكم وصكوا بها جباههم ، ولا تخافوا في الله لومة لائم » (12).

وبهذا يصبح الأمر بالمعروف على قسمين : قسم لا يحتاج إلى جهاز وقدرة ، وهذا ما يرجع إلى عامة الناس ، وهو كالانكار بالقلب ، والتذكير أو النهي باللفظ. وقسم يحتاج إلى الجهاز والقوّة ، ويتوقّف على صدور الحكم من المحاكم القضائيّة وهذا يرجع إجراؤه إلى السلطة التنفيذيّة القائمة في الدولة الاسلاميّة بأركانها الثلاثة (13).

هذا ، وقد كان على القاضي أن يؤاخذ الحنابلة والأشاعرة ، حيث إنّهم لا يرون الخروج على أئمّة الجور ، ويرون إطاعتهم واجبة ، ما لم يأمروا بمعصية ، وقد تقدّم نقل نُبذ من نصوصهم في ذلك.

الهوامش

1. وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأحكام الفرعيّة الفقهيّة ، غير أنّ القوم بحثوا عنه في الكتب الكلاميّة لأنّه من الأحكام الاجتماعيّة التّي لها دور أساسي في تطوير المجتمع وسوقه الى الصلاح ، ونحن اقتفينا أثرهم في هذا المقام.

2. شرح الأُصول الخمسة : ص 741.

3. وسائل الشيعة ، ج 11 ، الباب الأوّل ، من أبواب الأمر بالمعروف ، الحديث 7 ، ص 393.

4. لاحظ أوائل المقالات ، ص 98 وكشف المراد ، ص 271 ، ط صيدا.

5. كشف المراد ، ص 271 ط صيدا.

6. الروضة البهية ، ج 1 ، كتاب الجهاد ، الفصل الخامس ، ص 262 ، الطبعة الحجرية.

7. راجع الدليل الخامس من أدلّة وجوب بعثة الأنبياء.

8. سفينة البحار ، ج 1 ، ص 63.

9. نهج البلاغة ، الخطبة الثالثة.

10. لاحظ رسالة الاستاذ الفقهيّة في التقيّة ، فقد أثبت أنّ التقيّة ربّما تحرم اذا كان الفساد في تركها أوسع وسيوافيك بحث التقيّة في الخاتمة.

11. سورة آل عمران : الآية 110.

12. الوسائل ، ج 11 ، كتاب الجهاد ، الباب الثالث من أبواب الأمر بالمعروف ، الحديث 2.

13. لاحظ جواهر الكلام ، ج 21 ، ص 13.

مقتبس من كتاب : [ الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل ] / المجلّد : 4 / الصفحة : 378 ـ 382

التعلیقات

اکتب التعلیق...

المضافة أخيراً

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - شبكة رافـد للتنمية الثقافية