انحصار حق الطَّاعة في الله سبحانه
التوحيد
منذ 16 سنةالمصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج2، ص 79 ـ 80
(79)
التَّوحيد في الطَّاعة
 (7)
انحصار حق الطَّاعة في الله سبحانه
إنَّ انحصار حق الطَّاعة في الله سبحانه من شؤون انحصار الرّبوبية فيه 
سبحانه ؛ فإنَّ الربَّ بما هو صاحب الإِنسان ومدبر حياته ومخطط مساره ، 
وخالقه على وجه ، له حق الطاعة كما له حق الحاكمية ، فليس هناك مُطاع 
بالذات إلاَّ هو ، فهو الّذي يجب أنْ يُطاع ويمتثل أمره ، ولا يجب إطاعة غيره إلاّ 
إذا كان بإذنه وأمره.
وبعبارة أُخرى : إنَّ المالك للوجود بأسره وربّ الكون الّذي منه وإليه 
الإِنسان يجب أنْ يُطاع دون سواه . والمراد من الطاعة هو أنْ نضع ما وهبنا 
من الآلاء ، حتى وجودنا وإردتنا ، في الموضع الّذي يرضاه . والمروق من 
هذه الطَّاعة عدوان على المولى وظلم له ، الّذي يقبحه العقل.
وأمَّا غيره تعالى ، فبما أنَّه لا دخْل له في وجود الإِنسان وحياته ونعمه 
وآلائه بل هو أيضاً إنسان محتاج مثله ، فلا يتصور له حق الطاعة إلاّ إذا أمر 
المطاع بالذات بإطاعته.
ولأجل ذلك نجد الآيات على صنفين : صنف يعرفه سبحانه مطاعاً 
ويقول : { وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}(1). 
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة: الآية 285. 
________________________________________
(80)
وصنف يعطف على إطاعة الله سبحانه إطاعة رسوله ، ولكن يجعل لزوم 
إطاعته مقيداً بإذنه سبحانه : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ }(1). 
ويقول:{ مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ }(2). 
لا شكّ أَنَّ الرسول الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، وأُولي الأمر ، 
والوالدين ، وغيرهم يجب طاعتهم ، وتحرم معصيتهم ومخالفتهم ، لكن 
وجوب إطاعتهم إنّما هو بأمر من الله سبحانه ، ولولا أمره ، لما كان لأحد على 
أحد حقّ الطاعة ؛ وبذلك تقدر على تصنيف الآيات وجمعها.
نعم ، ليست طاعة الرسول منحصرة في سماع الأحكام الّتي جاء بها 
والعمل على طبقها ، بل للرسول الأعظم مناصب وراء بيان الوحي وتبيين 
الأحكام ، ووراء تعليم القرآن وتلاوة آياته ، ومنها إصدار الأوامر والنواهي 
إلى المؤمنين في مختلف شؤون الحياة ، فإذا أمر بتجهيز الجيش والنفر إلى 
الجهاد ومكافحة الظالمين ، فله حق الطاعة عليهم ، ومن خالفه فقد خالف 
الرسول وعصاه . وهذا بخلاف ما إذا بلّغ الرسولُ أحكام الله ورسالاته إلى 
الناس كالصلاة والصيام ، فتركهما يُعَدّ معصية لله سبحانه لا معصية للرسول . 
فيجب على المُوَحّد الإِمعان في هذه المجالات المختلفة ويعترف:
أوَّلاً:  إنَّ الطَّاعة على وجه الإِطلاق مختصة بالله سبحانه ، ولا طاعة 
لغيره بالذات.
وثانياً : إنَّ الرسول الأعظم له مقامات فهو في مقام مبلغ وبشير ونذير ، 
كما في إبلاغ رسالاته . وهو في الوقت نفسه في مقام آخر آمِر وناهٍ له حق 
الأمر والنهي ، كما هو في مقام ثالث فاصل للخصومات وقاض بين الناس ، 
فيجب تنفيذ حكمه . وتمييز هذه المقامات غير خفي لمن أمْعَن وَتَدَبّر.
* * *
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة النساء: الآية 64.
(2) سورة النساء: الآية 80.

التعلیقات