موقف العامّة من الرجعة

البريد الإلكتروني طباعة

موقف العامّة من الرجعة :

القول بالرجعة يعدُّ عند العامّة من المستنكرات التي يستقبح الاعتقاد بها ، وكان المؤلفون منهم في رجال الحديث يعدّون الاعتقاد بالرجعة من الطعون في الراوي والشناعات عليه التي تستوجب رفض روايته وطرحها ، وكان علماء الجرح والتعديل ولا يزالون إذا ذكروا بعض العظماء من رواة الشيعة ومحدثيهم ولم يجدوا مجالاً للطعن فيه لوثاقته وورعه وأمانته ، نبذوه بأنّه يقول بالرجعة ، فكأنّهم يقولون يعبد صنما أو يجعل للّه شريكا ، فكان هذا الاعتقاد من أكبر ما تُنبز به الشيعة الإمامية ويُشنّع به عليهم.

ولنأخذ مثالاً على ذلك جابر بن يزيد الجعفي ، فالثابت عند أغلب

__________________

(1) شرح ابن أبي الحديد 6 : 382.
70

أهل الجرح والتعديل من العامّة أنّ جابرا كان ثقة صدوقا في الحديث.

قال سفيان : كان جابر ورعا في الحديث ، ما رأيت أورع في الحديث منه (1).

وقال إسماعيل بن عُلية : سمعتُ شعبة يقول : جابر الجعفي صدوق في الحديث (2).

وقال شعبة : لا تنظروا إلى هؤلاء المجانين الذي يقعون في جابر الجعفي ، هل جاءكم عن أحدٍ بشيءٍ لم يقله (3).

وقال وكيع : مهما شككتم في شيءٍ ، فلا تشكّوا في أنَّ جابرا ثقة ، حدثنا عنه مسعر ، وسفيان ، وشعبة ، وحسن بن صالح (4).

وقال محمد بن عبداللّه بن عبدالحكم : سمعت الشافعي يقول : قال سفيان الثوري لشعبة : لئن تكلّمت في جابر الجعفي لأتكلمنّ فيك (5).

وقال معلّى بن منصور الرازي : قال لي أبو معاوية : كان سفيان وشعبة ينهياني عن جابر الجعفي ، وكنت أدخل عليه فأقول : من كان عندك؟

__________________

(1) تهذيب الكمال 4 : 467. وتاريخ الإسلام ، للذهبي (وفيات سنة 121 ـ 140 هـ) : 59. وميزان الاعتدال 1 : 379. وتهذيب التهذيب 2 : 47.

(2) الجرح والتعديل 1 : 136. والمصدر السابق.

(3) الجرح والتعديل 1 : 136.

(4) تهذيب الكمال 4 : 467. وتاريخ الإسلام ، للذهبي (وفيات سنة 121 ـ 140 هـ) : 59. وميزان الاعتدال 1 : 379. وتهذيب التهذيب 2 : 47.

(5) المصدر السابق.
71

فيقول : شعبة وسفيان (1).

وكان جابر أحد الذين أُخذ عنهم العلم ، فقد وصفه الذهبي بأنه أحد أوعية العلم (2).

وقال عبدالرحمن بن شريك : كان عند أبي عن جابر الجعفي عشرة آلاف مسألة (3).

وعن الجراح بن مليح ، قال : سمعتُ جابرا يقول : عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر الباقر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تركوها كلّها (4).

وعن سلام بن أبي مطيع ، قال : سمعتُ جابرا الجعفي يقول : إنَّ عندي خمسين ألف حديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما حدّثت بها أحدا (5).

وروي نحو ذلك عن زهير بن معاوية (6).

إذن فلماذا ترك بعضهم حديث جابر ، واتهموه بالكذب في الحديث تارة ، وبالرفض أُخرى ، وضعفوه ، ونهوا عن كتابة حديثه (7)؟

والجواب كما تجده عند أقطابهم لا يعدو أكثر من نقطتين :

__________________

(1) تهذيب الكمال 4 : 468. وتهذيب التهذيب 2 : 47.

(2) تاريخ الإسلام ، للذهبي (وفيات سنة 121 ـ 140 هـ) : 59.

(3) ميزان الاعتدال 1 : 380.

(4) صحيح مسلم ـ المقدمة : 25. وميزان الاعتدال 1 : 383.

(5) ميزان الاعتدال 1 : 380. وتهذيب التهذيب 2 : 48.

(6) ميزان الاعتدال 1 : 379.

(7) راجع تهذيب الكمال 4 : 469. وتاريخ الإسلام (وفيات سنة 121 ـ 140 هـ) : 60. وميزان الاعتدال 1 : 380. وضعفاء العقيلي 1 : 192 ـ 196. وتهذيب التهذيب 2 : 47 ـ 49.
72

الاُولى : اعتقاده الجازم بأولوية أهل البيت عليهم‌السلام بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جميع الخلق وكونهم أوصياءه وحملة علمه.

فلقد عابوا عليه أن يقول : حدثني وصيّ الأوصياء (1) ، يريد بذلك الإمام محمد بن علي الباقر عليه‌السلام.

وذكر شهاب أنّه سمع ابن عيينة يقول : تركت جابرا الجعفي وما سمعتُ منه قال : دعا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا فعلمه مما تعلم ، ثم دعا علي الحسن فعلمه مما تعلم ، ثم دعا الحسن الحسين فعلمه مما تعلم ، ثم دعا ولده ... حتى بلغ جعفر بن محمد.

قال سفيان : فتركته لذلك (2).

وسمعه يقول أيضا : انتقل العلم الذي كان في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى علي ، ثم انتقل من علي إلى الحسن ، ثم لم يزل حتى بلغ جعفرا (3).

وكأنهم لم يسمعوا قول رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ‎« أنا مدينة العلم ، وعليٌّ بابها » (4) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «‎ أنا دار الحكمة وعليٌّ بابها » (5).

الثانية : قوله بالرجعة ، وعليه إجماعهم.

قال أبو أحمد بن عدي : عامّة ما قذفوه به أنه كان يؤمن بالرجعة (6).

__________________

(1) ضعفاء العقيلي 1 : 194. وميزان الاعتدال 1 : 383. وتهذيب التهذيب 3 : 49.

(2) ميزان الاعتدال 1 : 381.

(3) المصدر السابق.

(4) المستدرك على الصحيحين ، للحاكم 3 : 126 و 127. وجامع الاُصول 9 : 473.

(5) سنن الترمذي 5 : 637. ومصابيح السُنّة 4 : 174.

(6) تهذيب الكمال 4 : 469. وتهذيب التهذيب 2 : 48.
73

 

ارسل سؤالك

المـــؤمّل

خاطب امامك

خاطب امامك