الزيارة الاربعينية وصناعة الاستعداد لنصرة الإمام المهدي عليه السّلام
السيّد رياض الفاضليّ
منذ يومينالدين هو منظومة كاملة لا يترك منه شيء إلّا وأثّر في الرؤيّة الدينيّة عند المتديّن، فهو يرافق الإنسان ليسدّ حاجته العباديّة والاخلاقيّة والفقهيّة وسائر تعاملاته وأحواله، ومن أهمّ الأمور التي تضمن لنا التديّن وثباته هو التسليم لله تعالى وللنبيّ وآله (عليهم السّلام أجمعين) والمسيرة الأربعينيّة والخدمة التي عند الموالين لأهل البيت (عليهم السّلام)، هي مظهر من مظاهر التسليم.
والتسليم لا بدّ أنّ يكون لحجّة الله وخليفته وحافظ دينه في كلّ زمان لا لكلّ من أدّعى بلا بيّنة، وفي زماننا هو زمان الغيبة الكبرى التي وعد بها المعصومين (عليهم السّلام) من أوّل الإسلام ومن يتابع الروايات في التي تحكي هذا الأمر سيجد كثرة وجودها ووضوحها، والمسيرة الأربعينيّة هي نصر لله تعالى وحججه وتسليم ما أرادوا، ومن شاء فلينظر كتاب كامل الزيارة وغيره سيعثر على روايات متعدّدة في بيان أهمّيّة هذه الزيارة الشريفة، وهذا الاستعداد لنصر دين الله تعالى الذي يتجدّد في كلّ عام ويسقي ورود الانتظار في قلوب الموالين ويشفي غليل المحبّين لنصر حجّة الله (عجّل الله فرجه الشريف).
فالزائر والخادم يعملون وهم يستشعرون لهفة الانتظار وينتظرون ظهور الامام (سلام الله عليه) من خلال ما يتبصرون به في زيارة الأربعين، حيث أنّهم ينصرون الدين وهم يتحمّلون شتى أنواع الصعاب في الطريق حتى يصلوا لمرقد الامام الحسين (عليهم السّلام) خصوصاً في الأيّام التي حكم فيها الطغاة العتاة الذين منعوا مسيرة الأربعين، بل كرّسوا كلّ ما وسعهم لأجل منع تلك المسيرة وما منعوها بالتمام فالموالين في تلك الأيّام يقطعون المسافات سرّاً ومنهم من أُعدم ومنهم من لا يعرف مصيره ومنهم أودع في السجن ومنهم من عذّب عذابا شديداً، ولم يمنعهم ذلك من مواصلة المسيرة وتحقيق نصرة الدين بنصرهم لشعائره، وهذا كلّه يساهم في نضج حالة الاستعداد لنصرة أمل الكون يوم ظهوره الشريف.
في قلوب من هم في هذا الطريق لا يغيب عنهم الاستعداد لنصره، وذكره وتتفاوت درجات اللهفة لنصره بحسب درجات الوعي، ولكن الشيء المشترك للجميع هو الاستعداد لنصرته والكون في مجموعة أنصاره الذين ينصرونه عند ظهوره، وهذا المسيرة هي التي تؤجج براكين اللوعة وتصنع هذا الشوق لخدمة الامام المعصوم (سلام الله عليه).
فتجد الكبير والصغير والمرأة والرجل وبسيط المعرفة وكثيرها، كلّهم في خط واحد بعنوان الخادم، خادم من خادم للإمام الحسين (عليه السّلام)، هذا الأمر من الأمور التي تجعل الجميع في حالة أنس بخدمة الدين والمذهب والتسليم لحجّة الله سبحانه وتعالى، وانتظاره من خير الأعمال كما في الرواية التي ينقلها الشيخ الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة: عن الإمام الحسين (عليه السلام) : « أَمَا إِنَّ الصَّابِرَ فِي غَيْبَتِهِ عَلَى الْأَذَى وَ التَّكْذِيبِ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِ بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله » (1).
والتسليم لهم ودوام ذكر من هم في هذا الطريق له (عجّل الله تعالى فرجه) من البركات ما لا يعلمه إلّا الله سبحانه وتعالى ومن الروايات التي تظهر منها أهمّيّة التسليم وضرورته هي ما في الكافي : عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : « مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَكْمِلَ الْإِيمَانَ كُلَّهُ فَلْيَقُلِ الْقَوْلُ مِنِّي فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ قَوْلُ آلِ مُحَمَّدٍ فِيمَا أَسَرُّوا وَ مَا أَعْلَنُوا وَ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُمْ وَ فِيمَا لَمْ يَبْلُغْنِي » (2).
الهوامش
1. كمال الدين و تمام النعمة / الشيخ الصدوق / المجلّد : 1 / الصفحة : 317.
2. الكافي- ط الاسلامية / الشيخ الكليني / المجلّد : 1 / الصفحة : 391.
التعلیقات