اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب في سطور



« عليّ ».. الذي قال فيه الشاعر : عليٌّ اشتُقّ من العليِّ. مأخوذ من العلوّ والسموّ والرفعة والرُّقيّ.. وفيه يقول الشاعر :

كلامُ عليٍّ كلامٌ عليٌّ
وما قاله المرتضى مُرتضى


ولم يَزَل اسمه هذا في الجاهلية والإسلام عليّاً. وله أسماؤُه الأُخرى في كتب الله تعالى المنزلة ، وهي كثيرة.. بعضها ألقاب وأوصاف وخصائص وفضائل ومراتب وهبها الله تعالى له ، كما جاء ذلك في القرآن الكريم. ولكنّ اسمه الشريف الذي ورد في الكتب السماوية هو : « إيليا » أو « إلْيا » ذلك في التوراة غالباً ، وفي الإنجيل « هيدار » ، وفي الزبور « قاروطيا ». في الرواية : إيليا أو إليا : الوليّ من بعد الرسول ، وهيدار : الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم ، وقاروطيا : حبيب ربّه.


أشهرها أبو الحسن ، وكُنّي أيضاً بأبي الحسين ، وأبي السِّبطَين.. وهما الحسن والحسين عليهما السّلام سِبطا رسول الله صلّى الله عليه وآله. والسِّبط الشجرة ذات الأغصان الكثيرة وأصلها واحد ، ويُكنّى به عمّن يَكثُر أولاده فيكون بمنزلة القبيلة.
كما يُكنّى عليه السّلام بأبي الريحانتَين ، وهما الحسن والحسين عليهما السّلام ، إذ قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم له فيما أوصاه به قَبل وفاته : سلام عليك أبا الريحانتين ، أُوصيك برحانتَيَّ من الدنيا. كما كنّاه بأبي تراب ، لمّا رآه ساجداً معفِّراً وجهه في التراب ، وقال له يوماً : إجلس يا أبا تراب.. قال الراوي : واللهِ ما كان اسمٌ أحبَّ إلى عليّ عليه السّلام منه.


وهي كثيرة.. كما هي فضائله كثيرة ، وهي سامقة.. كما هي مقاماته سامقة ، منها :
حيدر ، وحيدرة : وهو مشهور ، ذَكرَه هو عليه السّلام في مبارزته : أنا الذي سَمّتْني اُمّي حَيدرَه.. وكان لهذا اللقب هيبته ورهبته في القلوب.
المرتضى : في الحديث القدسيّ : رضيتُ فاطمةَ لعليّ ، وعليّاً لها. فهو المرضيّ أفعالُه وأقواله عند الله ، وهو عليٌّ ذو الرضى عن الله تعالى.
باب مدينة العلم : قال فيه حبيبه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها ، فمَن أراد العلم فلْيأتِه مِن بابه.
أمير المؤمنين : به لقّبه النبيّ صلّى الله عليه وآله : قائلاً : سلِّموا على عليٍّ بإمرة المؤمنين. فخُصّ عليه السّلام به ، وانفرد بهذا اللقب ، فلا يشاركه فيه أحد غيره ، حتّى أئمّة الهدى عليهم السّلام ، فمَن دونه أولى.
وقد لقّبه رسول الله صلّى الله عليه وآله بـ : سيّد المسلمين ، وإمام المتّقين ، وقائد الغُرّ المحجّلين ، وسيّد العرب ، وسيّد الأوصياء ، ويَعسُوب المؤمنين.
وجاءت ألقابه الفاخرة كذلك ـ ينقلها العامّ والخاصّ ـ :
وليّ الله ، وحبيب الله ، وعبدالله ، وأسد الله ، وسيف الله ، ووصيّ رسول الله ، وخليفة رسول الله ، وأخو رسول الله ووصيّه ووزيره ، وفتى قريش ، وذو القَرنَين ، وقسيم الجنّة والنار ، والصدّيق الأكبر ، والفاروق ـ الذي فَرَق بين الحقّ والباطل ، ويعسوب الدين.. في روايات ثابتة صحيحة تسالَم عليها المحدِّثون والمؤرّخون على اختلاف مشاربهم ، ومذاهبهم.


المعصوم الثاني بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، والإمام الأوّل من أئمّة الحقّ والهدى أوصياء رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وهو سيّد الأوصياء جميعاً ، مَن كان قبلَه من أوصياء الأنبياء السابقين ، ومَن كان بعده من أبنائه الميامين ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.


الإمام عليّ بن أبي طالب ( عبدمَناف أو عِمران أو شَيبة ـ حامي الرسالة والرسول بإخلاص ) بن عبدالمطّلب ( أبي الحرث شَيبة الحمد ) بن هاشم ( الذي هَشمَ الثريدَ للأضياف وحجّاج البيت الحرام ) بن عبدمَناف بن قُصيّ بن كلاب بن مُرّة بن كعب بن لُويّ بن غالب بن فِهر بن مالك بن النَّضر بن كِنانة بن خُزَيمة بن مُدرِكة بن إلياس بن مُضَر بن نِزار بن مَعْد بن عدنان.. سلالة الحنيفيّة والمجد والسؤدد والمحتد السامي والأًصول الطاهرة العريقة.
وأمّا أُمّه.. فهي الطاهرة حليفة النجابة فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبدمَناف ، يجتمع نسبها بنسب النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد نسب ولدها الإمام عليّ عليه السّلام في هاشم الجدّ الثاني. وهي أوّل هاشميّة ولدت هاشميّاً.. أو كما قال الزبير بن بكّار : هي أوّل هاشميّة ولدت خليفة ، ثمّ بعدها فاطمة الزهراء رضي الله عنهما.


أُلّفت في مولد أمير المؤمنين عليه السّلام فصول عريضة وكتب كثيرة ، إذ لم يكن أمراً عادياً من جهة ، ومن جهة أُخرى كان أمراً معروفاً شائعاً لدى المسلمين نقلت أخبارَه كتب العامّة والخاصّة.. أنّ أبا طالب رضوان الله عليه لمّا رأى زوجته فاطمة بنت أسد رضوان الله عليها في شدّة المخاض وقد ضربها الطَّلْق أصابه شيء من الكآبة عليها ، فأخذ النبيَّ صلّى الله عليه وآله بيده وجاء وهي معه إلى الكعبة ، وقال لها : اجلسي على بركة الله. فوَلَدت غلاماً مسروراً نظيفاً لم يُرَ كحُسن وجهه.
أو ـ في رواية اُخرى ـ أنّ أبا طالب هو الذي أجلَسَها داخل الكعبة ، وفي روايات أُخر أنّها هي التي ذهبت بنفسها فآنشقّ لها جدار الكعبة المعظّمة ، فدخلت فيها ومكثت هنالك ساعات ثمّ خرجت وهي تحمل بيديها وليدها الطاهر المبارك ، فعمّت البهجة أرجاء الكون ، وغُمِر النبيُّ صلّى الله عليه وآله وكذا أبو طالب أبوه رضوان الله تعالى عليه بالسرور والحبور.
كان ذلك يومَ الجمعة ، الثالثَ عشر من شهر الله الأصمّ رجب المرجَّب ، بعد عام الفيل بثلاثين سنة.. أي بعد مولد النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله بثلاثين سنة. أو قيل في تاريخ مولده السعيد : قبل الهجرة النبويّة الشريفة بثلاث وعشرين سنة ، كما قيل : قبلها بخمس وعشرين سنة.
فيكون مولده في مكّة ، في البيت الحرام ، في جوف الكعبة المعظّمة ، ولم يكن وُلد في بيت الله تعالى مولود سواه.. لا قبله ولا بعده ، فهو أوّل مَن وُلد بها ، ولم يُعلَمْ أنّ غيره وُلد بها. وتلك فضيلةٌ خصّه الله تعالى بها؛ إجلالاً لمحلّه ومنزلته ، وإكراماً لرتبته.
وقد سمّته أُمّه « حَيدرَه » ، وسمّاه النبيّ صلّى الله عليه وآله « عليّاً » ، فرضي أبواه بذلك وكان ينتظره انتظارَ المتيقِّن.. فعن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام قال : إنّ فاطمة بنت أسد رحمها الله جاءت إلى أبي طالب رحمها الله تُبشّره بمولد النبيّ صلّى الله عليه وآله ، فقال لها أبو طالب : إصبِري لي سَبتاً آتيكِ بِمثْله ، إلاّ النبوّة. السبت ثلاثون سنة ، وكان بين رسول الله صلّى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السّلام ثلاثون سنة.
وقد صبرت فاطمة بنت أسد رضوان الله عليها وهي الحنيفيّة الدِّين ، من سابقات المؤمنات إلى الإيمان ، وكان أن هاجرت مع ابنها الإمام عليّ عليه السّلام إلى المدينة ، فإذا تُوفّيت هناك كفّنها النبيّ صلّى الله عليه وآله بقميصه ، وتوسّد في قبرها لتأمَن من ضغطة القبر ، ثمّ لقّنها الإقرار بالتوحيد والنبوّة وولاية ابنها ـ كما اشتهرت الرواية بذلك.

طالب ، وعقيل ،


وجعفر الطيّار ذو الجناحَين يطير بهما في الجنّة.. وهو الشهيد بمُؤتة والمدفون بالأُردنّ.


اُمّ هاني ، وجُمانة.


سيّدتهنّ ، بل سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، وسيّدة نساء أهل الجنّة : الصدّيقة الطاهرة الكبرى فاطمة الزهراء بنت النبيّ المصطفى الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ثمّ : خولة بنت جعفر بن قيس الخَثعَميّة الحنفيّة ( أُم محمّد بن الحنفيّة ) ، وأُم حبيب بنت ربيعة ، وأُم البنين فاطمة بنت حِزام بن خالد ( أُمّ العبّاس عليه السّلام وإخوته الثلاثة ) ، وليلى بنت مسعود الدارميّة ، وأسماء بنت عُميس الخَثعَميّة ( زوجة الشهيد جعفر الطيّار فيما سبق وأُمّ محمّد بن أبي بكر ) ، وأُمّ سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفيّ ، وأُمامة بنت أبي العاص ، ومَحياة بنت امرئ القيس.
وفي حياة الصدّيقة الزهراء عليها السّلام لم يكن أمير المؤمنين عليه السّلام ليتزوّج ثانيةً معها ، حتّى إذا كانت شهادتها تشرّفت به أُمامة بنت زينب ربيبة رسول الله صلّى الله عليه وآله وربيبة خديجة الكبرى عليها السّلام ، وإنما تزوّجها الإمام عليّ عليه السّلام بوصيّة من السيّدة المكرمة فاطمة صلوات الله عليها. وقد استُشهد سلام الله عليه عن أربع زوجات عِشنَ بعده ، وهنّ : أُمامة ، وأُمّ البنين ، وأسماء ، وليلى.


1. الإمام الحسن المجتبى سيّد شباب أهل الجنة عليه السّلام.
2. الإمام الحسين السِّبط سيّد الشهداء عليه السّلام.
3. المحسن الذي أُسقط وهو جنين لستّة أشهر سلام الله عليه.
4. زينب الكبرى عقيلة الوحي وزينة أبيها ، عقيلة الطالبيّين وبني هاشم ، شريكة الإمام الحسين عليه السّلام في فاجعة كربلاء العظمى سلام الله عليها.
5. زينب الصغرى المكنّاة بأُمّ كلثوم الكبرى.
6. رُقيّة.. وهؤلاء الستّة أُمُّهم فاطمة الزهراء عليها السّلام.
7. محمّد المكنّى بابن الحنفيّة ، نسبةً إلى أُمّه خولة بنت جعفر الحنفيّة ، وهي من سَبِيّ اليمامة صارت إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فأنجبت له ولده النجيب محمداً.
8. محمّد الأصغر المكنّى بأبي بكر.
9. وعبيدالله.. الشهيدان مع أخيهما الإمام الحسين عليه السّلام بكربلاء ، أُمّهما ليلى بنت مسعود النَّهشَليّة الدارميّة.
10. عمر الأطرَف.
11. ورقيّة ، كانا توأمين أُمّهما أُمّ حبيب بنت ربيعة التغلبيّة ، وكان خالد بن الوليد قد سباها ظلماً وهي مسلمة ، فاستخلصها أمير المؤمنين عليه السّلام.
12. يحيى ، وأُمّه أسماء بنت عُمَيس الخثعميّة.
13. العباس أبو الفضل سلام الله عليه.
14. وجعفر.
15. وعبدالله.
16. وعثمان.. هؤلاء الأربعة هم أولاد أُمّ البنين عليها السّلام ، استُشهدوا بين يدَي أخيهم الإمام الحسين عليه السّلام على ساحة كربلاء ؛ تلبيةً لداعي الولاية ، ودفاعاً عن حريم الإمامة.
17. أُم الحسن.
18. ورَملة ، أُمّهما أُمّ سعيد بنت عُروة بن مسعود الثقفيّة.
19. وأُمّ كلثوم الصغرى.
20. وجُمانة المكنّاة باُمّ جعفر.
21. وميمونة.
22. وخديجة.
23. وفاطمة.
24. وأُمّ الكرام.
25. ونفيسة.
26. وأُمّ سلمة.
27. وأُمامة.
28. وزينب الصغرى.
29. وأُمّ هاني.. كنّ لأُمّهاتٍ شتّى.
فيكون أولاد أمير المؤمنين عليه السّلام بأجمعهم تسعة وعشرين : الذكور اثنا عشر ، والإناث سبع عشرة ، وهنا ملاحظتان :
الأُولى : هنالك اختلاف عند المؤرّخين في عددهم ، فمنهم مَن يُثبِت ومنهم من يتوقّف ومنهم من يضيف.. كمحمد الأوسط ، وعبدالله الأصغر ، وعَون ، وعمرو ، ورملة الكبرى ، وفاطمة. وقيل : في رقيّة خلاف.
الثانية : من مجموع الذكور.. لم يكن نسل إلاّ من خمسة : الإمام الحسن عليه السّلام ، والإمام الحسين عليه السّلام ، والعباس عليه السّلام ، ومحمّد بن الحنفيّة رضوان الله عليه ، وعمر الأطرَف.


وهم كثير ، نذكر منهم :
الأصبغ بن نُباتة ، أُوَيس القَرَنيّ ، حُجْر بن عَديّ ، رُشَيد الهَجَري ، زيد بن صُوحان العَبديّ ، سُليمان بن صُرد الخُزاعيّ ، سَهل بن حُنَيف ، صَعصَعة بن صُوحان العبديّ ، أبا الأسوَد الدُّؤليّ ، عبدالله بن عبّاس ( ابن عمّه ) ، عبدالله بن بُدَيل ، عبدالله بن جعفر ( ابن أخيه ) ، عثمان بن حُنَيف ، عَدِيّ بن حاتم الطائيّ ، عقيل بن أبي طالب ( أخاه ) ، عمرو بن الحَمِق الخُزاعيّ ، قَنبراً ، كُمَيل بن زياد ، مالك بن الحارث النَّخعيّ الأشتر ، محمّد بن أبي بكر ، ميثم التمّار ، هاشم المِرْقال ، أبا أيوّب الأنصاريّ ، عبيدالله بن أبي رافع ، المِقداد بن الأسود ، قيس بن سعد بن عُبادة ، سعد بن قيس الهَمْدانيّ ، إبراهيم بن مالك الأشتر ، أبا الطُّفَيل الكِنانيّ ، أبا الهَيثم بن التَّيِّهان ، أبا ثُمامة الصَّيداويّ ، أبا ذرّ الغِفاريّ ، جابر بن عبدالله الأنصاريّ ، جارية بن قُدامة التميميّ ، حبيب بن مظاهر الأسديّ ، حُذَيفة بن اليَمان ، سلمان الفارسيّ المحمّديّ ، سُليم بن قيس الهلاليّ ، محمّد بن جعفر الطيار ( ابن أخيه ) ، خبّاب بن الأرَتّ.. وغيرهم.


بُويع له بالخلافة الإلهيّة ، بأمرٍ من الله تعالى : يا أيُّها الرسولُ بَلِّغْ ما اُنزِلَ إليك مِن ربّكَ وإن لم تَفعلْ فما بَلّغتَ رسالتَه ، واللهُ يَعصِمُكَ مَن الناس.. (سورة المائدة / 67) ، فكان أن صَدَع النبيّ الهادي صلّى الله عليه وآله بأمر الحقّ جلّ وعلا ، وأقام في غدير خُمّ تلك البيعةَ العظمى والواقعة المشهودة ، فخطب خطبة طويلة على مسامع ومشاهد ثمانين ألف من المسلمين ـ على أقلّ الروايات ـ ، نصّب فيها أمير المؤمنين عليّاً عليه السّلام وصيّاً وخليفةً له من بعده ، ثمّ أمر المسلمين ببيعته والسّلام عليه بإمرة المؤمنين ، ففعلوا ذلك عدّة أيّام.. وكان قوله تعالى قد نزل مبشِّراً : اليومَ أكمَلتُ لكُم دِينَكُم وأتمَمتُ عليكُم نِعمتي ورَضِيتُ لكُمُ الإسلامَ دِيناً.. (سورة المائدة / 3). ولكن لم تُجرَ وصيّة رسول الله صلّى الله عليه وآله بعد رحيله ، ولم يَفِ المعاهدون بما عاهدوا الله ورسولَه عليه.. فلم يُمَكّن الإمام عليّ عليه السّلام من القيادة السياسية للأمّة إلاّ في ذي الحجّة من السنة الخامسة والثلاثين من الهجرة النبويّة المباركة.


الكوفة ، وقد خَرَّجت الأعلام والمشاهير والأفذاذ.


النجاشيّ ، والأعور النشّيّ.


سلمان الفارسيّ المحمّديّ ، وقنبر.


عبدالله بن أبي رافع.


هي لو تُجمع من شتات الكتب لكانت مجلّدات ، ولكنّ أهمّها وأشهرها : نهج البلاغة ، وغُرَر الحِكم ودُرَر الكلِم.

نقش خاتمه
« اللهُ المَلِك ، وعليٌّ عبدُه ».


البدنيّة منها : يصفها الهام بن الهيم ولم يكن رآه ، فقد سأله النبيّ صلّى الله عليه وآله : يا هام ، إذا رأيته تعرفه ؟ قال : نعم يا رسول الله ، فهو مُدوَّر الهامة ، مُعتدل القامة ، بعيد من الدمامة ، عريض الصدر ضِرغامة ، كبير العينَين ، آنف الفَخِذين ، أخمَص الساقين ، سَويّ المَنكِبين. فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله : يا سلمان ، آُدعُ لنا عليّاً. فجاء عليه السّلام حتّى دخل المسجد ، فالتفتَ إليه الهام وقال : ها هو يا رسول الله بأبي أنت وأُمّي ، هذا ـ واللهِ ـ وصيُّك ، فأوصِ أُمّتَك ألاّ يخالفوه؛ فإنّه هلك الأُمم بمخالفة الأوصياء.
ووُصف عليه السّلام بأنّه : أزَجُّ الحاجبَين ، أدعَجُ العينَين ، أنجَل ، حسَن الوجه ، وهو إلى السُّمرة ، أقرى الظهر ، محَض المتن ، شَثن الكفَّين ، ضخم الكسور ، لا يَبينُ عضده من ساعده قد أُدمِجت إدماجاً ، عَبل الذراعيَن ، عريض المنكبين ، عظيم المُشاشين..
ربعة : لا طويل ولا قصير. أزَجّ : رقيق الحاجبين في طول. أنجَل : وسيع العين. المحض : الخالص. أقرى الظهر : طويله. شَثن الكفّين : غليظهما. الكسور : الأجزاء. عَبل : ضخم ).
أمّا خصائصه المعنويّة : فهي تتجاوز الحصر والعدّ ، وتُذهل المتطلّع إليها ، وتفوق مجمع الفضائل.. بل هي لا تُدرَك ، ولكن : ما لا يُدرك كلّه ، لا يُترك كلّه ، ولا يسقط الميسور بالمعسور ، وإنّما نشير إشارات :
عليّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه قد خُلِق هو ورسول الله صلّى الله عليه وآله من نور واحد ، وهما من شجرة واحدة.
• وُلد في جوف بيت الله الحرام ، الكعبة المشرّفة ، وربّاه النبيّ صلّى الله عليه وآله ، وأفاض عليه لطفه ومحبّته.
• كان أوّل من آمن بنبوّة محمّد الأمين صلّى الله عليه وآله أجمعين ورسالته ، وأوّل من صلّى خلفه ، وأوّل من جاهد بين يديه في كلّ المواقع ، وعاش معه جميع محنه وآلامه ، فأصبح وصيَّه ووزيره.. وهو الذي رافقه في شِعب أبي طالب ، وبات في فراشه ليلة الهجرة ، وهاجر فيما بعد يحمل الفواطم إلى المدينة ويدمغ رؤوس المشركين. • كان قاضي دَين رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ومُنجِز عِدته ، وموضع سرّه.. وكان حبيبَه الأحبّ ، بل أخاه الأقرب ، بل نفسه التي هي الأقدس ، وقد ثبّت ذلك كتاب الله العزيز إذ وصفه في آية المباهلة هكذا : وأنفُسَنا وأنفسَكُم (سورة آل عمران /61).
• شهدت بفضله الآيات الكريمة ، مثل : آية المودّة ( سورة الشورى : 23 ) ، وآية الولاية ( سورة المائدة : 55 ) ، وآية التبليغ ( سورة المائدة : 67 ) ، وآية إكمال الدين وإتمام النعمة ( سورة المائدة : 3) ، وآية الصلوات ( سورة الأحزاب : 56 ) ، وآية الإنذار (سورة الشعراء : 214) ، وآية الإنفاق ( سورة البقرة : 274 ).. وعشرات ومئات الآيات.. تشهد بمقاماته السامقة ، ويكفي قول ابن عبّاس : نزَل في عليّ ثلاثمائة آية. وقوله أيضاً : لقد عاتبَ اللهُ أصحابَ محمّد في آيٍ من القرآن ، وما ذكر عليّاً إلاّ بخير. وقوله : ما نزلت آية : يا أيُّها الذين آمنوا إلا وعليٌّ أميرها وشريفها.
• والإمام عليّ عليه السّلام في جملة وافرة من الأحاديث النبويّة الشريفة هو شبيه الأنبياء والمرسلين عليهم السّلام. وهو صِهرُ أشرفِهم وخاتمهم محمّد المصطفى صلّى الله عليه وآله ، حيث زوّجه الله تعالى في السماء من سيّدة نساء العالمين فاطمة البتول صلوات الله عليها.
• جاهد مع رسول الحقّ والهدى صلّى الله عليه وآله في جميع حروبه وغزواته ، منها : بدر ، وأُحُد ، والخندق ( الأحزاب ) ، وفتح مكّة ، وحُنين ، وتَبوك.. وكان فيها جميعاً أميراً ولم يكن مأموراً فيها قطّ ، إذ لم يجعل رسول الله صلّى الله عليه وآله عليه أميراً. فكان حامل لوائه ، ثمّ واصل جهاده في دحض الناكثين والقاسطين والمارقين.. في وقعة الجمل حيث كسر جيش طلحة والزبير ، ووقعة صفّين إذ أخزى معاويةَ وصدّع قواته ، ومعركة النهروان حيث سحق الخوارجَ فيها سحقاً.
• من مختصّاته عليه السّلام أنّه : سُدّت الأبواب من مسجد النبيّ صلّى الله عليه وآله إلاّ بابه. النظر إليه عبادة. هو أقضى الأصحاب وأعلمهم وأتقاهم ، وأشجعهم.. ويكفي ما نقل العامّة عن الرسول صلّى الله عليه وآله قوله : عليّ خير البريّة. عليّ خير البشر ، لا يشكّ فيه إلاّ منافق. عليّ خير البشر ، مَن أبي فقد كفر.
• هو سلام الله عليه عِدل القرآن وأحد الثقلَين ، وهو مع الحقّ والحقّ معه. وهو عنوان صحيفة المؤمن. وقد شهدت له عناوين الأحاديث المتواترة بعِظم شأنه ، منها : حديث باب مدينة العلم ، وحديث المنزلة ، وحديث الطائر المشويّ ، وحديث الثقلَين ، وحديث السفينة ، وحديث النور ، وحديث الغدير : مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه ، وعادِ مَن عاداه ، وانصر مَن نصره ، واخذل من خذله..
• حبّه سلام الله عليه علامة الإيمان ، وبغضه علامة النفاق ، وما كان يُعرف المنافق في إيّام رسول الله صلّى الله عليه وآله إلاّ ببغضه علياً عليه السّلام.. كما صرّح بذلك ابن عباس وغيره من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله.
• وبعد.. فأمير المؤمنين عليّ سلام الله عليه هو حجّة الله يوم القيامة ، وهو صاحب الصراط والحوض ، وصاحب لواء الحمد ، ومَن اسمه مكتوب على باب الجنّة.. فقد كان في الدنيا مُخلَصاً لله خالصاً غاية الخلوص ، ووفيّاً لرسول الله غاية الوفاء ، فقد تُوفيّ ورأسه الشريف في حِجْر الإمام عليّ عليه السّلام ، وفاضت روحه الطاهرة فتلقّاها أمير المؤمنين عليه السّلام بكفّه وأمررها على وجهه ، ثمّ تولّى غُسله وتجهيزه والصلاة عليه وتشييعه ودفنه ، وحزن عليه أشدّ الحزن وأعمقه حتّى شابَ رأسُه ولحيته ، فلم يَخضِبهما ؛ إذ كَرِه الخضابَ بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله ، كما كَرِه أن يخضب إلاّ بدم الشهادة.


بعد أن عاش أمير المؤمنين صلوات الله عليه حياة البعثة والرسالة بدقائقها وأحداثها ووقائعها ، وكان المحامي الأوّل عنها بعد أبيه أبي طالب رضوان الله تعالى عليه.. أصبح العَضُد الأيمَن لرسول الله صلّى الله عليه وآله في دولته عشر سنوات من حكومته المباركة ( 1 ـ 11 هجرية ).
وغيرةً على الإسلام ، ومحافظةً على حريمه ، وحرصاً على دماء المسلمين ومصالحهم.. عاش عهد أبي بكر ( 11 ـ 13 هجرية ) وعمر بن الخطّاب ( 13 ـ 23 هجريّة ) وعثمان بن عفّان ( 23 ـ 35 هجرية ).. لا يبخل بنصيحة ولا إشارة من شأنهما رفع شأن الإسلام وتقويم أوضاع المسلمين ، ودحر الأعداء وإزالة المشاكل والعقبات ، وإصلاح الأُمور.. متنازلاً عن الدفاع عن حقّه الإلهيّ؛ حفظاً لشرع الله تعالى ورسالة النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله من الزوال.
حتّى إذا لاذ به الناس بعد قتل عثمان ، وألزَموه زِمامَ الأمور.. نهض بها يُقيم العدل وينتصر للمظلوم ، ويضع الموازين الحقّة بين الناس ، ويحكم بحكم الله تعالى وفق القرآن الكريم والسنّة المحمّديّة الشريفة.. فتكاثر عليه المارقون والقاسطون والناكثون يحيكون ضدّه المكائد ، ويُؤلّبون ذوي الأغراض والأهواء والأمراض وأصحاب المنافع والمصالح الذاتيّة. فكانت حروب متتابعة في أوقات متقاربة.. لم تَنتَهِ إلاّ بالمكر العظيم ، حين دَبَّرتْه قَطام محرّضةً عليه أحد الخوارج وهو عبدالرحمن بن مُلجَم لعنه الله ، فهيّأ لغدرته الكبرى سيفاً مسموماً اندفع به إلى المحراب الذي ملأه الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام بنفحات إيمانيّة روحيّة عباديّة مقدّسة. فأهوى بسيفه الجائر الكافر على هامته المقدّسة وهي مُتطامنة للسجود لربّها عزّوجلّ في صلاة الفجر ، في مسجد الكوفة وهو صائم ، يوم التاسع عشر من شهر رمضان سنة 40 من الهجرة النبويّة.
وكان لتلك الضربة الظالمة أثرُها الرهيب ، فما حلّ الحادي والعشرون من شهر رمضان ـ بعد يومين ـ إلاّ وكانت شهادة وليّ الله الأعظم ، وكانت الواقعة فجيعةً دوّت في السماوات والأرضين ، وأنزلت البلاء والويل على العالمين.
هذا وعُمرُ أمير المؤمنين عليه السّلام كعمر رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم رحل.. ثلاثٌ وستّون سنة ، وقد مضى على إمامته ثلاثون سنة ، وعلى حكمه أربع سنوات وأشهر. فقام الإمام الحسن عليه السّلام ـ وهو أكبر ولْده والوصيّ من بعده ـ بتجهيزه ودفنه في ظهر الكوفة ونجفها ، في البقعة الطاهرة المعروفة بوادي السّلام ، والمُسمّاة اليوم بالنجف الأشرف.
وقد أُخفي القبر الشريف؛ لئلاّ تمتدّ إليه الأيدي الأُمويّة الحاقدة فتهدمه ، وبقي مخفيّاً إلى زمن حفيده الإمام جعفر الصادق عليه السّلام فأظهره بعد كرامة تنقلها رواية مفصّلة ، ثمّ كان البناء الشامخ والمقام الرفيع والروضة البهيّة الجنتّية التي تحجّ إليها القلوب من أرجاء الدنيا ، فضلاً عن هبوط الملائكة الأخيار عليها كلّ آن.

 
نسخة الجوال للمكتبة الإسلامية
نسخة الجوال للمكتبة الإسلامية
شاهد المكتبة الإسلامية في جوالك بشكل يلائم جميع أجهزة المحمولة.
خدمة الأوقات الشرعية
يمكنك باستخدام هذه الخدمة ، مشاهدة اوقات الصلاة واستماع صوت الأذان لمدينة خاصة في موقعك.