غزو السفياني البصرة

طباعة

 

غزو السفياني ، وخراب البصرة

وتصف أحاديثها غزو السفياني العراق واحتلاله ، وتنكيله بأهله ، خاصة بشيعة المهدي وأهل البيت عليهم السلام ، وقد تعرضنا لها في حركة السفياني. ويفهم من مجموعها أن السلطة في العراق تكون ضعيفة إلى حد لاتستطيع أن ترد حملة السفياني لاعسكرياً ولاشعبياً ، ثم لاتستطيع أن تمنع دخول القوات اليمانية والإيرانية التي تدخل العراق لمواجهة قوات السفياني.
ومن المحتمل أن يكون دخول الجيش السفياني إلى العراق بطلب من حكومته الضعيفة ، وأن تكون الروايات عن قتال يخوضه جيش السفياني في الدجيل وبغداد وغيرها تتحدث عن قتاله مع فئات ثائرة عليه.
كما يفهم من الرويات أن القوات اليمانية والإيرانية يكون لها تأييد شعبي من العراقيين ، وأنهم يستبشرون بها ويساعدونها في تعقب قوات السفياني.
أما خراب البصرة فرواياته ثلاثة أنواع : خرابها بالغرق. وخرابها بثورة الزنج. و ( خرابها ) بوقوع خسف وتدمير فيها.
وأكثر كلمات أمير المؤمنين عليه السلام الواردة في نهج البلاغة وغيره تقصد الخرابين الأولين اللذين وقعا في زمن العباسيين كما ذكر عامة المؤرخين.
قال عليه السلام في الخطبة رقم 13 : ( كنتم جند المرأة ، وأتباع البهيمة ، رغا فأجبتم ، وعقر فهربتم. أخلاقكم دقاق ، وعهدكم شقاق ، ودينكم نفاق ، وماؤكم زعاق. المقيم بينكم مرتهن بذنبه ، والشاخص عنكم متدارك برحمة من ربه. كأني بمسجدكم كجؤجؤ سفينة ، وقد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها ، وغرق من في ضمنها ).
قال ابن أبي الحديد : ( فأما إخباره عليه السلام أن البصرة تغرق ما عدا المسجد الجامع بها ، فقد رأيت من يذكر أن كتب الملاحم تدل على أن البصرة تهلك بالماء الأسود ينفجر من أرضها ، فتغرق ويبقى مسجدها.
والصحيح أن المخبر به قد وقع. فإن البصرة غرقت مرتين ، مرة في أيام القائم بأمر الله ، غرقت بأجمعها ولم يبق منها إلا مسجدها الجامع بارزا بعضه كجؤجؤ الطائر ، حسب ما أخبر به أمير المؤمنين عليه السلام جاءها الماء من بحر فارس من جهة الموضع المعروف الآن بجزيرة الفرس ، ومن جهة الجبل المعروف بجبل السنام ، وخربت دورها وغرق كل ما في ضمنها ، وهلك كثير من أهلها ، وأحد هذين الغرقين معروفة عند أهل البصرة يتناقله خلفهم عن سلفهم ). انتهى.
وأما خرابها بسبب ثورة الزنج التي وقعت في زمن العباسيين في منتصف القرن الرابع ، فقد أخبر به أمير المؤمنين عليه السلام أكثر من مرة ، من قبيل الخطبة 128 التي قال فيها : ( يا أحنف كأني به وقد سار بالجيش الذي لا يكون له غبار ولا لجب ، ولا قعقعة لجم ، ولاحمحمة خيل ، يثيرون الأرض بأقدامهم كأنها أقدام النعام ).
قال الشريف الرضي رحمه الله : ( يومئ بذلك إلى صاحب الزنج ). ثم قال عليه السلام : ( ويل لسكككم العامرة ، والدور المزخرفة ، التي لها أجنحة كأجنحة النسور. وخراطيم كخراطيم الفيلة ، من أولئك الذين لا يندب قتيلهم ، ولا يفقد غائبهم ).
وثورة الزنج بدأت في القرن الثالث بقيادة القرمطي الذي ادعى أنه علوي ، وهي مدونة في مصادر التاريخ ، وقد انطبقت عليها الأوصاف التي وصفها بها أمير المؤمنين عليه السلام بشكل دقيق ، وكانت ردة فعل للظلم والترف واضطهاد العبيد ، وكان عامة جيشها من الزنوج العبيد الحفاة الذين لا خيل لهم.
وأما ( خرابها ) الذي هو من علامات ظهور المهدي عليه السلام ، فقد وردت فيه روايات تذكر أن البصرة من المؤتفكات المذكورة في القرآن الكريم أي المدن المنقلبات بأهلها بالخسف والعقاب الإلهي ، وأن البصرة ائتفكت ثلاث مرات وبقيت الرابعة.
ففي شرح النهج لابن ميثم البحراني قال : ( لما فرغ أميرالمؤمنين عليه السلام من أمر الحرب لأهل الجمل ( من أمر أهل الجمل ) أمر منادياً أن ينادي في أهل البصرة أن الصلاة جامعة لثلاثة أيام ( من غد إن شاء الله ) ولا عذر لمن تخلف إلا من حجة أو عذر ، فلا تجعلوا على أنفسكم سبيلاً. فلما كان اليوم الذي اجتمعوا فيه خرج عليه السلام فصلى بالناس الغداة في المسجد الجامع ، فلما قضى صلاته قام فأسند ظهره إلى حائط القبلة عن يمين المصلي فخطب الناس ، فحمد الله وأنثى عليه بما هو أهله ، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله واستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، ثم قال : يا أهل البصرة ، يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاثاً وعلى الله تمام الرابعة!
يا جند المرأة وأعوان البهيمة ، رغا فأجبتم ، وعقر فهربتم ، أخلاقكم دقاق ، ودينكم نفاق ، وماؤكم زعاق ، بلادكم أنتن بلاد الله تربة ، وأبعدها من السماء ، بها تسعة أعشار الشر. المحتبس فيها يذنبه ، والخارج منها بعفو الله.
كأني أنظر إلى قريتكم هذه وقد طبقها الماء حتى ما يرى منها إلا شرف المسجد كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر.
فقام إليه الأحنف بن قيس فقال له : يا أمير المؤمنين ومتى يكون ذلك؟ قال : يا أبا بحر إنك لن تدرك ذلك الزمان ، وإن بينك وبينه لقروناً ، ولكن ليبلغ الشاهد منكم الغائب عنكم ، لكي يبلغوا إخوانهم إذا هم رأوا البصرة قد تحولت أخصاصها دوراً وآجامها قصوراً ، فالهرب الهرب فإنه لا بصرة لكم يومئذ. ثم التفت عن يمينه فقال : كم بينكم وبين الأبلة ؟ فقال له المنذرين الجارود : فداك أبي وأمي ، أربعة فراسخ. قال له : صدقت ، فوالذي بعث محمد صلى الله عليه وآله وأكرمه بالنبوة ، وخصه بالرسالة ، وعجل بروحه إلى الجنة ، لقد سمعت منه كما تسمعون مني أن قال : يا علي هل علمت أن بين التي تسمى البصرة والتي تسمى الأبلة أربعة فراسخ ، وسيكون بالتي تسمى أبلة موضع أصحاب العشور ، يقتل في ذلك الموضع من أمتي سبعون ألف شهيد ، هم يومئذ بمنزلة شهداء بدر.
فقال له المنذر : يا أمير المؤمنين ومن يقتلهم ، فذاك أبي وأمي ؟ قال : يقتلهم إخوان وهم جيل كأنهم الشياطين ، سود ألوانهم ، منتنة أرواحهم ، شديد كلبهم ، قليل سلبهم طوبى لمن قتلوه. ينفر لجهادهم في ذلك الزمان قوم هم أذلة عند المتكبرين من أهل ذلك الزمان ، مجهولون في الأرض ، معروفون في السماء ، تبكي عليهم السماء وسكانها ، والأرض وسكانها ـ ثم هملت عيناه بالبكاء ثم قال : ويحك يا بصرة من جيش لارهج له ولاحس. فقال له المنذر : وما الذي يصيبهم من قبل ( قبل ) الغرق مما ذكرت؟ فقال : هما بابان : فالويح باب الرحمة ، والويل باب عذاب.
يا بن الجارود ، نعم : ثارات عظيمة. منها عصبة يقتل بعضهم بعضاً. ومنها فتنة يكون فيها إخراب منازل وخراب ديار وانتهاب أموال وسباء نساء يذبحن ذبحاً ، يا ويل أمرهن حديث عجيب. ومنها أن يستحل الدجال الأكبر الأعور الممسوح العين اليمنى والأخرى ممزوجة لكأنها في الحمرة علقة ، ناتئ الحدقة كهيئة حبة العنب الطافية على الماء ، فيتبعه من أهلها عدة من قتل بالأبلة من الشهداء ، أنا جيلهم في صدورهم ، يقتل من يقتل ، ويهرب من يهرب. ثم رجف ، ثم قذف ، ثم خسف ثم مسخ. ثم الجوع الأغبر ، ثم الموت الأحمر وهو الغرق.
يا منذر : إن للبصرة ثلاثة أسماء سوى البصرة في زبر الأول ، لا يعلمها إلا العلماء. منها الخريبة ، ومنها تدمر ، ومنها المؤتفكة.
إلى أن قال : يا أهل البصرة ، إن الله لم يجعل لأحد من أمصار المسلمين خطة شرف ولاكرم إلا وقد جعل فيكم أفضل من ذلك ، وزادكم من فضله بمنه ما ليس لهم. أنتم أقوم الناس قبلة ، قبلتكم على المقام حيث يقوم الإمام بمكة ، وقارؤكم أقرأ الناس ، وزاهدكم أزهد الناس ، وعابدكم أعبد الناس ، وتاجركم أتجر الناس وأصدقهم في تجارته ، ومتصدقكم أكرم الناس صدقة ، وغنيكم أشد الناس بذلاً وتواضعاً ، وشريفكم أكرم الناس خلقاً ، وأنتم أكثر الناس جواراً ، وأقلهم تكلفاً لما لا يعنيه ، وأحرصهم على الصلاة في جماعة ، ثمرتكم أكثر الثمار ، وأموالكم أكثر الأموال ، وصغاركم أكيس الأولاد ، ونساؤكم أمنع الناس وأحسنهن تبعلاً ، سخر لكم الماء يغدو عليكم ويروح صلاحاً لمعاشكم ، والبحر سبباً لكثرة أموالكم ، فلو صبرتم واستقمتم لكانت شجرة طوبى لكم مقيلاً وظلاً ظليلاً ، غير أن حكم الله ماض ، وقضاءه نافذ ، لامعقب لحكمه ، وهو سريع الحساب ، يقول الله : وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً. إلى أن قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي يوماً ، وليس معه غيري : إن جبرئيل الروح الأمين حملني على منكبه الأيمن حتى أراني الأرض ومن عليها ، وأعطاني أقاليدها ، وعلمني ما فيها وما قد كان على ظهرها ، وما يكون إلى يوم القيامة ، ولم يكبر ذلك على كما لم يكبر على أبي آدم ، علمه الأسماء كلها ولم تعلمها الملائكة المقربون. وإني رأيت على شاطئ البحر قرية ( بلدة ) تسمى البصرة ، فإذا هي أبعد الأرض من السماء وأقربها من الماء ، وأنها لأسرع الأرض خراباً ، وأخشنها تراباً ، وأشدها عذاباً. ولقد خسف بها في القرون الخالية مراراً ، وليأتين عليها زمان وإن لكم يا أهل البصرة وما حولكم من القرى من الماء ليوماً عظيما بلاؤه. وإني لأعلم موضع منفجره من قريتكم هذه. ثم أمور قبل ذلك تدهمكم ، عظيمة أخفيت عنكم وعلمناها ، فمن خرج عنها عند دنو غرقها فبرحمة من الله سبقت له. ومن بقي فيها غير مرابط فبذنبه ، وما الله بظلام للعبيد ) ( البحار : 60/224 ـ 226 )
وقد أضفنا لها فقرة من نهج السعاة في مستدرك نهج البلاغة ص 325 ، وقد روى فقرة منها عن عيون الأخبار لابن قتيبة عن الحسن البصري ، وفيها : ( غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : تفتح أرض يقال لها البصرة أقوم الأرضين قبلة ، قارؤها أقرأ الناس ، وعابدها أعبد الناس ، وعالمها أعلم الناس ، ومتصدقها أعظم الناس صدقة ، وتاجرها أعظم الناس تجارة. منها إلى قرية يقال لها الأبلة أربعة فراسخ ، يستشهد عند مسجد جامعها أربعون ألفا ، الشهيد منهم يومئذ كالشهيد معي يوم بدر ).
لكن لو صحت هذه الصيغة للخطبة الشريفة فلا تدل على أن هذا الخراب متصل بالظهور لأن بعض صيغها تذكر أنه يكون في الرجعة.
‍ ويظهر من مصادر التاريخ أن خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في البصرة وحديثه فيها عن الملاحم قطعية ومشهورة ، ولكن رواياتها المتعددة تختلف في الطول والقصر وبعض المضامين.
وتنفرد الروايتان اللتان ذكرناهما بأن خرابها يكون بالغرق بعد الخسف ، وهو ما لم يحدث في غرقها في المرتين أو في ثورة الزنج.
وتنفردان أيضاً بذكر شهداء البصرة السبعين ألفاً أو الأربعين ألفاً ، وأنهم في درجة شهداء بدر ، وأن أمير المؤمنين عليه السلام بكى عليهم ، وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وآله بكى عليهم.
وتحدد الرواية الأولى مكان شهادتهم بين البصرة والأبلة ، التي هي اليوم حي من البصرة تقع قربه محطة القطار ، بينما تذكر رواية ابن قتيبة أن مكان شهادتهم عند مسجدها الجامع الذي يظهر أن المقصود بمسجد البصرة.
ولابد أن تكون حادثة استشهادهم قبل ظهور المهدي عليه السلام ، لأنه لاجبابرة ولامستكبرون بعد ظهوره عليه السلام ليكون هؤلاء الشهداء مستضعفين عندهم كما وصفتهم الرواية.
كما لا تحدد الرواية بوضوح من يقتلهم ، ولعل كلمة ( إخوان ) مصحفة عن كلمة أخرى ، والدجال المذكور أنه يكون بعدهم وأتباعه السبعون ألفاً من النصارى أصحاب الأناجيل ، لايبعد أن يكون غير الدجال الموعود ، لأنه يظهر بعد المهدي عليه السلام.
على أن رواية ابن قتيبة تقتصر على ذكر شهداء الأبلة فقط ولاتذكر هذا الدجال ، ولم يذكر ابن ميثم رحمه الله المصدر الذي أخذ منه الرواية.
وجاء في تفسير نور الثقلين في قوله تعالى : ( وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ ) ( الحاقة : 9 ) ، أن المؤتفكات هي البصرة.
وفي تفسير قوله تعالى : ( وَالْمُؤْتَفِكَةَأَهْوَى ) ( النجم : 53 ) ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( هم أهل البصرة ، وهي المؤتفكة ).
وفي تفسير قوله تعالى : ( وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ ) ( الحاقة : 9 ) ، عن الإمام الصادق عليه السلام : ( أولئك قوم لوط ، ائتفكت عليهم : انقلبت عليهم ).
وفيه نقلاً عن ( كتاب من لايحضره الفقيه : ( عن جويرية بن مسهر العبدي قال : ( أقبلنا مع أمير المؤمنين عليه السلام من قتل الخوارج حتى إذ قطعنا في أرض بابل حضرت صلاة العصر ، فنزل أمير المؤمنين عليه السلام ونزل الناس ، فقال علي عليه السلام : أيها الناس إن هذه الأرض ملعونة قد عذبت في الدهر ثلاث مرات ( وفي خبر آخر مرتين ) وهي تتوقع الثالثة ، وهي إحدى المؤتفكات ). انتهى.
هذا ، لكن بعد التأمل في روايات أحداث البصرة وخرابها قبل ظهور المهدي عليه السلام ، نرى أنه يمكن المناقشة في ارتباطها بعلامات الظهور واتصالها بحدثه ، ما عدا بعضها مثل رواية المفيد رحمه الله في الإرشاد ص 361 عن الإمام الصادق عليه السلام يقول : ( يزجر الناس قبل قيام القائم عليه السلام عن معاصيهم بنار تظهر في السماء ، وحمرة تجلل السماء ، وخسف ببغداد ، وخسف ببلدة البصرة ، ودماء تسفك بها ، وخراب دورها ، وفناء يقع في أهلها ، وشمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار ).
وقد أوردنا هذا الحديث في معجم أحايث الإمام المهدي عليه السلام برقم : 1047 ، وأورده في إعلام الورى ص 429 كما في الإرشاد بتفاوت يسير ، وفي سنده ( الحسن بن يزيد بدل الحسين بن سعيد ). وفي إثبات الهداة : 3/733 عن إعلام الورى ، وفي سنده ( الحسين بن يزيد ) بدل ( الحسين بن سعيد ) ، وفي : ص 742 عن الإرشاد ، وفي سنده ( منذر الخوزي بدل منذر الجوزي ) ، وفيه : ( وخسف بمنارة البصرة ). وهذا يعطينا احتمال أن يكون الخسف محدوداً بمكان أو منطقة منها. والله العالم.

(( ضمن كتاب عصر الظهور ))