شارع القصص
احسن القصص
شارع القصص >احسن القصص > سيرة الأنبياء >سيّدنا موسي عليه السّلام
 
 

قصة سيدنا موسي ( عليه السلام )

العبور - قصة سيدنا موسي ( عليه السلام )

كمال السيد

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

والان يا أعزاءنا ننطلق معاً الي أرض مصر . . مصر القديمة . . الي أرض النيل قبل آلاف السنين . .

هناك حيث يمضي آلاف العبيد المقهورون أعمارهم في نقل الصخور العملاقة الي «الجيزة» لبناء قبور الفراعنة ، فتلك الأهرام التي ما تزال في طليعة الاثار العالمية لم تكن سوي مقبرة لملوك مصر . .

لقد كانوا يعتقدون بان الحياة ستعود اليهم ، ولهذا فقد كانوا يهيئون كل أسباب القوّة والسلطان ، حتي اذا عادوا الي الحياة أو عادت اليهم الحياة وجدوا كل شيء جاهزاً !

ولعلّ العمال الحفاة كانوا يلقون نظرات متأملة من فوق الهرم عند الانتهاء من بنائه فيرون الزوارق وهي تنساب فوق أمواج النيل الهادئة ، ويتأملون أشجار النخيل هنا وهناك علي ضفاف النهر الذي يجري صوب البحر الأبيض المتوسط .

كان العمال يجبرون علي العمل الشاق ليل ونهار وكانت السياط تلهب ظهورهم وأجسادهم العارية .

هبة النيل :

سمي هيروديت المؤرخ اليوناني مصر «هبة النيل» فلولا نهر النيل ما كانت مصر لأن الفيضان السنوي الذي يحدث بسبب ذوبان الثلوج هو الذي أخصب مصر وهكذا انتشرت الزراعة فيها .

وكان القمح المحصول الأساسي وكان المصريون في ذلك الزمان يصنعون منه الخبز الذي يشبه خبزنا في الوقت الحاضر .

وفي «دلتا» النيل انتشرت زراعة العنب وكانت هناك بساتين واسعة من الكروم ، وزرع المصريون في ذلك الزمان البقول والخضر مثل الفول والحمص ، وكانوا يحبّون البصل والكراث والثوم والخيار والخسّ .

كما استخدموا العسل في تحلية بعض الأطعمة ، وشغفوا بزراعة الأزهار للزينة خاصّة في المناسبات والاحتفالات .

المواصلات :

وبسبب الفيضانات السنوية فقد كان نهر النيل الطريق الرئيسي الذي يربط جنوب مصر بشمالها .

ولهذا صنعوا قوارب من خشب بعض الأشجار ، وكانت للقوارب دفة واحدة وأشرعة مصنوعة من النسيج .

وتتحول المدن أثناء الفيضان الي جزر صغيرة وسط مساحة واسعة من المياه .

الحيوانات :

عرف المصريون في ذلك الزمان كثيراً من الحيوانات ، فهناك القطط والكلاب التي استخدمت في الصيد والثيران لحراثة الأرض ، بينما كانت الحمير تستخدم لحمل الأثقال .

وكانوا يرعون الماعز والأغنام في البراري وينظرون الي الخنزير كحيوان نجس لان لحمه يتلف بسرعة .

وأحبّ المصريون أكل السمك الذي يوجد بكميات هائلة في نهر النيل .

وعبد المصريون في فترة من التاريخ التمساح وفرس النهر بسبب خطورتهما ، كما عبدوا الأُسود لنفس السبب وعبدوا أيضاً بنات آوي التي كانت تحوم حول المقابر .

الكتابة :

عرف المصريون الكتابة والقراءة وكانت لغتهم تدعي «الهير و غليفية» أي العلامة المقدسة المحفورة ، فمثلاً تعني الشمس وتدلّ علي لفظ النهار وهناك رسوم أخري تدلّ علي ألفاظ أخري .

تاريخ مصر :

ينقسم تاريخ مصر الي ثلاث فترات :

الأولي : وتدعي المملكة القديمة ( 2600 – 2280 ) قبل الميلاد .

الثانية : المملكة الوسطي : ( 2100 – 1800 ) قبل الميلاد .

الثالثة : المملكة الحديثة : ( 1500 – 1000 ) قبل الميلاد .

وفي هذه الفترة ولد سيدنا موسي ين عمران عليه السلام .

وفي الفترة بين عامي 1500 و 1200 قبل الميلاد كان المصريون دولة قوية جداً ، فقد توسعت رقعة الامبراطورية وامتدت الي بلاد النوبة ( السودان ) وفلسطين .

وكان الجيش المصري آنذاك يستخدم الخيل والعربات بعد أن اكتشفوا أن أعداءهم يتفوقون عليهم باستخدام الخيول .

وقد طغي الفراعنة في هذه الفترة وأعلنوا أنفسهم آلهة للناس خاصّة الفرعون «تحتمس» والفرعون «رمسيس الثاني» وعندما توفي رمسيس جاء ابنه الي الحكم وهو الفرعون منفتاح . . . الذي ظهر في عهده موسي .

بنو اسرائيل :

تذكرون يا أعزائي قصة سيدنا يوسف عليه السلام وكيف هاجر يعقوب وبنوه الي مصر بعد أكثر من عشرين سنة من القاء يوسف في البئر .

هناك عاش بنو يعقوب أي بنو اسرائيل ومرّت عشرات السنين فأصبحوا شعباً كبيراً .

عندما توفي يوسف ومرّت مئات السنين نسي الناس فضل يوسف علي مصر .

ومرّة أخري حكم الفراعنة مصر وراحوا يقهرون الناس وكان لبني اسرائيل النصيب الأكبر من ذلك العذاب والظلم .

وكان علي رجال بني اسرائيل ان يعملوا من الصباح الي المساء وكان عليهم أن يرضوا بحياة العبودية والذلّ ، عليهم ان يعبدوا الفرعون لأنه اله الناس ! لهذا كانوا ينتظرون من ينقذهم .

كان ينو اسرائيل يتوارثون بشارة منذ زمن يوسف ويعقوب عليهم السلام . . كانوا ينتظرون ميلاد الرجل الذي سينقذهم من العذاب . .

وعندما كان الظلم يزداد والعذاب يتضاعف فان أحاديثهم عن ميلاد المنقذ كانت تزداد .

سمع الفرعون بتلك الهمسات . . همسات الناس المعذبين المقهورين وأيّد الكهنة ذلك . .

أكد الكهنة لفرعون أنه سيولد في بني اسرائيل صبي وسيكون هلاك الفرعون علي يديه .

ارتاع الفرعون من هذه النبوءة وراح يفكّر بابادة بني اسرائيل .

قرر الفرعون ذبح كل من يولد من الذكور في بني اسرائيل ، ووضع جواسيس علي النساء الحوامل ، وكانت النساء القوابل قبطيات وعن طريق هذه النساء يعرف الفرعون وجواسيسه جنس المواليد .

وقد صوّر القرآن الكريم تلك الفترة السوداء بقوله تعالي : { واذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم }.

كان فرعون انساناً خبيثاً عرف كيف يفرض سطوته علي أهل مملكته ، فراح يبث الفرقة والاختلاف بينهم وجعل كل طائفة تسعي من أجل السيطرة علي أخري وكان الجميع يتقرّبون الي فرعون باسترضائه ليكون نفوذهم أقوي .

أما بني اسرائيل فقد كان الأقباط ينظرون اليهم كغرباء وعبيد ، لهذا كانوا يعيشون حياة المقهورين ثم جاءت النبوءة بظهور رجل من بني اسرائيل يكون علي يديه هلاك الفرعون ، فأصبحوا يعاملون كما لو أنهم أسري دولة أخري .

من أجل هذا مرّ بنو اسرائيل بأسوأ الفترات في حياتهم ،كان شرطة فرعون يأخذون المواليد من الذكور للذبح أو يلقونهم في نهر النيل وكانت الأمهات يبكين علي أولادهن .

وكان الفرعون يدوس علي تلك الورود المتفتحة للحياة . . كان يسحقها بلا رحمة . . كان رجلاً جبّاراً مغروراً بنفسه وسلطته .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

الطفل الموعود :

وشاء الله ان يولد موسي . وكانت «يوكابد» تلك المرأة الصالحة حزينة جدّاً فقد اقترب موعد الوضع ، وكانت القابلة القبطية تزورها لتتأكد من جنس الوليد .

وفي تلك الظروف المريرة ولد صبي محبوب اسمه موسي كان موسي طفلاً محبوباً جدّاً ، اذا رآه أحد دخل حبّه في قلبه .

الله سبحانه ألقي هذه المحبّة علي موسي . . من أجل هذا احبّته القابلة وقالت لأمّه :

لا تخافي يا يوكابد سوف لن أقول شيئاً لأحد .

وأوحي الله في قلب يوكابد أن ترضع موسي ، كانت الأم تتدفق حبّاً لهذا الصبي بوجهه المضيء وبراءته . . وتساءلت في نفسها هل يكون هو الصبي الموعود ؟

مرّت أيام ، وكان الجواسيس يبحثون عن كل طفل ذكر يولد ذلك العام لقد كان فرعون يفكر بطريقة خبيثة فهو يريد عمالاً يعملون بلا أجور لهذا كان يسخر بني اسرائيل للعمل ، فأصدر أمراً بأن يوقف الذبح عاماً وينفذ عاماً .

وفي العام الذي سبق ميلاد موسي أنجبت يوكابد ولداً هو هارون .

كان هارون صغيراً عندما ولد موسي وكانت لهما أخت تكبرهما أعواماً كانت فتاة طيبة وذكيّة . . تحب أخويها وتعطف عليهما وترعاهما .

ومرّت أيام ويوكابد ترضع وليدها المحبوب ، ولكنها بدأت تشعر بالخوف والقلق . . سوف يكتشف الجواسيس أنها أنجبت ولداً . . ماذا تفعل كيف يمكنها أن تحمي موسي من خطر الفرعون ؟

كيف تحفظه من الذبح ؟ من الخناجر التي ذبحت عشرات الأطفال الأبرياء وفجعت عشرات الأمهات ؟!

أوحي الله في قلب الأم أن تصنع صندوقاً صغيراً لموسي وعندما تشعر بالخطر تلقيه في نهر النيل . . .

ونفذت الأم الشجاعة هذه الفكرة وكانت ابنتها تساعدها وذات ليلة عندما شعرت بالخطر يقترب ، والجواسيس يفتشون المنازل بحثاً عن الأطفال الرضع . . انطلقت يوكابد مع ابنتها في الظلام الي نهر النيل . . .

نظرت الأم الحزينة الي أمواج النيل ، ونظرت الي طفلها الصغير كان موسي نائماً . . أرادت أن تعود الي المنزل ولكن قوّة في أعماقها كانت تدفعها الي أن تسلم الصندوق الي أمواج النيل . . .

نظرت يوكابد الي السماء المرصعة بالنجوم ، وتدفق في قلبها نبع من السلام ...

كانت يوكابد امرأة مؤمنة وكانت واثقة من أن الله سوف يحمي وليدها من التماسيح الخطرة ومن أنياب فرس النهر ومن كل الأخطار المحدقة بهذا الطفل البريء .

كانت واثقة من أن الله سيعيده اليها . .

في لحظة مزيجه من الخوف والايمان والحبّ وضعت

يوكابد الصندوق الصغير علي صفحة مياه النيل .

وكانت الأمواج المتألقة بسبب ضوء القمر رحيمة بالطفل البريء الوحيد فأخذته بعيداً . . .

كادت يوكابد تصرخ وهي تراقب الصندوق الي أن اختفي بسبب الظلام ، نظرت الي النجوم . . الي القمر . . الي السماء الواسعة . . الي الله . . تدفق نبع السلام في قلبها وعادت مع ابنتها الي المنزل وهي تشعر تحتضن مرّة أخري طفلها الصغير موسي .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

القصر الفرعوني :

لم تنم يوكابد تلك الليلة . . كان قلبها مع موسي . . مع ذلك الصندوق الذي تتقاذفه الأمواج في النيل .

أشرقت الشمس ، واستيقظت الطبيعة من سباتها الليلي ، وانطلق الصياديون الي النيل بحثاً عن الرزق ، والفلاحون الي حقولهم ، والرعاة الي المروج . .

وكان الصندوق يتهادي بين أمواج النيل . وكان صوت طفولي ينبعث منه . . صوت بريء يبحث عن حضن دافئ .

كانت آسية زوجة فرعون امرأة طيبة . . امرأة بعكس زوجها متواضعة تحب الناس . . تحبّ الخير . . تكره الظلم . .

كانت تتألم لما يفعله زوجها وما يرتكبه من الظلم والشرور .

كانت آسية في ذلك الصباح المشرق جالسة تتأمل المياه المتدفقة في النيل . . تنظر الي الزوارق والقوارب وهي تنساب في النهر .

فجأة وقعت عيناها علي صندوق صغير تدفعه الأمواج الي الشاطئ الأخضر ... رسا الصندوق الصغير مثل سفينة جميلة ..سمعت آسية صوتا طفوليا ..

نهضت من مكانها أمرت الحارس أن يحضر الصندوق ، كانت هناك فتيات مع آسية .. فتيات يخدمنها .. أحضر الحارس الصندوق و وضعه أمام زوجة الفرعون و أدي تحية الاحترام و هو يتقهقر الي الوراء .

في الأثناء حضر فرعون . . كان يمشي وأنفه الي السماء مغروراً بنفسه وسلطته . . في يده عصا قصيرة مصنوعة من خشب الابنوس ومطعمة بالجواهر والذهب .

وعندما يشير بعصاه فان هذا يعني أمراً نافذاً علي الجميع اطاعته .

حضر فرعون وارتاع لمنظر صبي في الصندوق ، نظر اليه بحقد واشتعلت في نفسه رغبة في أن يذبحه بنفسه . . ربّما يكون الصبي الذي تنبأوا بزوال ملكه علي يديه !

أشار الفرعون بعصاه السوداء ، وامتثل الجنود ينتظرون الأمر . .

عندما أشار فرعون الي رقبة الطفل البريء عرفوا أنه يطلب ذبحه !!

وفي تلك اللحظة هبّت آسية تلك المرأة الطيبة . . كانت محرومة من الأطفال وعندما رأت موسي تدفق نبع الأمومة في قلبها . .

{ قُرّتُ عَينٍ لّي وَلَكَ لَا تَقتُلُوهُ عَسَي أَن يَنفَعَنَا أَو نَتّخِذَهُ وَلَدًا }!!

سكت فرعون رأي في عيني زوجته موقفاً صلباً لا يعرف التراجع .

فكر في ان زوجته قد يفارقها الحزن بسبب حرمانها من الأطفال فلماذا لا يسكت عن هذا الطفل ؟ لماذا يذبحه ؟ . . لقد ذبح عشرات الأطفال ومن الممكن أنه ذبح الطفل الموعود وانتهت النبوءة ! أدار الفرعون ظهره ومضي .

وابتدرت آسية لتعانق الطفل البريء موسي . . كان وجهه المضيء يبعث الحب في القلوب ، وكانت عيناه الصافيتان تبحثان عن وجه أليف .. عن وجه يحبّه . . ولكن الطفل لم ير الوجه المشرق . . كان يبحث عن صدر دافئ . . صدر يمنحه اللبن والشعور بالسلام . . ولكن لا شيء . .

بكي موسي . . علا صوته الطفو لي . . هبّت آسية أحضرت له نساء مرضعات . .

جاءت أحداهن وأخذت موسي في حضنها ، ولكن الطفل استمر في بكائه . . كان جائعاً ولكن العجيب أنه لا يقبل أن يرضع من ايّة امرأة أبداً . .

استمر موسي في بكائه أنها قدرة عجيبة مدهشة كانت تمنع الطفل عن الرضاعة بالرغم من جوعه الشديد . . .

الوعد الالهي :

كانت «يوكابد» امرأة مؤمنة بالله وكان قلبها يحدّثها بان موسي سيعود اليها . . ماذا فعلت تلك الأم البائسة ؟

قالت لابنتها :

تقصّي أثره لنعرف ماذا سيحدث لأخيك .

انطلقت الأخت تراقب الصندوق الصغير في نهر النيل ليس هناك من يعرف سرّ الصندوق سواها وأمها والله ثالثهما . .

شاهدت الأخت كل شيء .

في ذلك الصباح المثير كانت تراقب ما يجري علي الشاطئ الأخضر أمام قصر الفرعون الذي تحفه الأشجار . .

كانت تراقب من وراء نخلة ما يجري وكانت تصغي بألم الي صراخ أخيها الذي يبحث عن ثدي أمّه .

عندما جاءت نسوة كثيرات لا رضاع موسي ، حشرت أخت موسي نفسها بين النسوة وكأنها فتاة غريبة جاءت مع احدي النساء .

عندما رأت موسي خفق قلبها ، ولكنها تماسكت وتشجعت لتبدو فتاة لا تعرف الطفل ولم تره من قبل .

كانت آسية تبحث عن امرأة يمكنها ان ترضع هذا الطفل المحبوب ، لهذا قالت أخت موسي :

{ هَل أَدُلّكُم عَلَي أَهلِ بَيتٍ يَكفُلُونَهُ لَكُم وَهُم لَهُ نَاصِحُونَ }؟

استبشرت آسية وقالت :

نعم . . نعم أحضريها الان . . حالاً . . ان الطفل سيموت من البكاء .

ركضت الفتاة بأقصي سرعة كانت فرحة جدّاً . . دخلت علي أمّها لتبشرها بما حصل .

وجاءت يوكابد وهي تتظاهر بأنها غريبة لا تعرف الطفل . . تأخرت قليلاً حتي تبدد الشكوك التي قد تحوم حولها .

جاءت يوكابد لتري آسية تنتظرها علي أحرّ من الجمر . .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

أخذت يوكابد موسي وبذلت قدرة جبّارة للسيطرة علي مشاعرها . . بدا وجهها خال من أي تعابير توحي بأنها أمّه .

فجأة سكت موسي في حضن أمّه . . وفرحت آسية وهي تري موسي يشرب اللبن .

فكرت آسية زوجة الفرعون أن تستأجر يوكابد لا رضاع الطفل وأرادت يوكابد ان تطرد عنها الشكوك تماماً فقالت :

انني ارضع ابني هارون .

قالت آسية :

أنت امرأة قوية ويمكنك ارضاع الاثنين معاً . . سوف اقدّم لك مكافأة جيدة .

تظاهرت يوكابد بأنها ستوافق من أجل المكافأة . . وهكذا عاد موسي لأمّه مرّة أخري ، وتحقق وعد الله .

وتضاعف ايمان أم موسي بأن الله سبحانه هو القادر علي كل شيء وأنه لا يردّ قضاءه أحد .

ممفيس :

ممفيس [1] هي عاصمة الفراعنة في ذلك الزمان . . علي شاطئ النيل وفي خارج هذه المدينة بني الفرعون قصره الكبير في الشمال . .

قصر الفرعون في الضفة اليسري من النيل ، وفي غرب المدينة وفي منطقة صحراوية جافّة بني الفراعنة قبورهم وهي الأهرامات التي ما تزال قائمة حتي اليوم في منطقة الجيزة .

وأتم موسي فترة الرضاعة في أحضان أمه ، ثم انتقل بعدها ليعيش في قصر الفرعون في الشمال خارج المدينة .

وكبر موسي أصبح فتي رشيداً ، كان يرتدي زيّاً يشبه ما يرتديه النبلاء من الأقباط ، وكان الجميع ينظرون اليه ويحسبونه ابناً للفرعون .

ولكن موسي في حقيقته كان غير ذلك . . كان فتيً طيباً يحب الضعفاء ويعطف عليهم وكان يتألم في أعماقه من أجل الناس الفقراء والمقهورين ، ويرفض في قرارة نفسه تصرفات الفرعون .

وكبر موسي ونما عقله أصبح شاباً مفتول العضلات قوّياً يهابه الجميع .

غير أن موسي لم يغتر بقوّته أبداً . . كان يزداد تواضعاً وكان ينظر الي ادّعاء فرعون بأنه اله الشعب افتراءً علي الحقيقة لأن الاله لا يمكن أن يكون بشراً فكيف بفرعون ذلك الانسان المغرور الطائش ؟!

وخلال تلك الفترة الطويلة التي تمتد الي ثمانية عشرة سنة عرف موسي أشياء كثيرة وعرف حقائق كثيرة ، واكتشف انه ليس ابناً للفرعون ، بل انه ليس قبطياً أنه ابن عمران من بني اسرائيل .

وعرف موسي ان بني يعقوب جاءوا الي مصر من فلسطين . . جاءوا بعد ان أصبح يوسف بن يعقوب زعيماً كبيراً وهو الذي انقذ مصر من الجوع قبل مئات السنين . .

والان أصبح بنو اسرائيل أو بنو يعقوب عبيداً للفرعون الذي يصب عليهم العذاب . . يذبح الأطفال ويستبعد الرجال ويفرض علي الجميع عبادته وحده!

وراح موسي يتردد علي المدينة بين فترة وأخري . . وأصبح يغيب عن القصر أياماً . . وكان ينفر من ثيابه المصنوعة من الكتّان الرقيق ليرتدي لباساً خشناً مصنوعاً من الصوف .

موسي يفكر بمصير بني يعقوب . . لقد أصبحوا أمّة كبيرة ولكنها خائفة وذليلة . . أبناء يعقوب يخافون من الفرعون . . كانوا ينتظرون من يخلصهم . . ينتظرون فقط !

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

صراع مع الظلم :

لم يقف موسي مكتوف الايدي . . كان يحاول أن يفعل شيئاً من أجل المظلومين . . لهذا كان يتسلل من القصر . ويذهب الي المدينة وكان يقف بوجه الظالمين .

عندما يدخل المدينة كان يشاهد بعض القبط وبأيديهم السياط ، وسرعان ما ينهالون لسبب ولغير سبب علي رجل مظلوم من بني اسرائيل . .

لهذا كان يهب لنجدة المظلوم ويوجه ضرباته العنيقة للظالم الذي يفضل الفرار أمام قبضة موسي المدمّرة .

وذات يوم خرج موسي من القصر . . القصر يقع في شمال مدينة ممفيس .

دخل المدينة وكان الوقت ظهراً وقد عاد الناس الي بيوتهم كانت المدينة شبه معطلة . .الشوارع والأزقة خالية من الماره تقريباً .

ورأي موسي رجلين يتشاجران أحدهما كان قبطياً والاخر كان من بني اسرائيل .

كان القبطي ينهال علي ذلك الرجل بالسياط وكان الرجل الاسرائيلي يستغيث ويطلب النجدة . .

وهبّ موسي لنجدة المظلوم . . كان موسي قويّاً قد آتاه الله بسطة في الجسم .

اعترض موسي الرجل القبطي ودفعه ولكن القبطي كان يريد مواصلة العدوان ، اضطر موسي أن يسدد له ضربة عنيفة ، سقط بعدها المعتدي صريعاً . .

شعر موسي بأنه ارتكب خطأ جسيماً لأنه ليس من الصحيح أن يفعل ذلك . .

ان فرعون ساخط عليه بسبب أفكاره التوحيدية وكان يضع عليه الجواسيس ويراقب كل حركاته .

ان مقتل الرجل القبطي سيكون ذريعة للفرعون في الانتقام من بني اسرائيل . . سوف يثير الفرعون أحقاد القبط ويحرّكهم ضد موسي وبني اسرائيل .

لم يكن هناك أحد يعرف ماذا حصل ؟ . اختفي موسي عن الأنظار .

وكانت الشرطة تبحث عن الفاعل .

لم يرجع موسي الي القصر . . كان يخشي بطش الفرعون . .

لهذا أمضي ليلته في المدينة . . وحدث ما لم يكن في الحسبان .

رأي موسي الرجل الاسرائيلي يتشاجر مع رجل قبطي آخر . . استغاث الرجل الاسرائيلي بموسي ..

كان موسي منزعجاً مما حصل بالأمس ، ومع ذلك فقد هبّ لنجدة المظلوم . . تقدّم اليهما وهو يخاطب الاسرائيلي قائلاً :

{ اِنّكَ لَغَوِيٌّ مّبِينٌ } . . انت تتشاجر كل يوم وهذا ليس صحيحاً .

ظن الاسرائيلي ان موسي سوف يبطش به لهذا صرخ قائلاً :

{ يَا مُوسَي أَتُرِيدُ أَن تَقتُلَنِي كَمَا قَتَلتَ نَفسًا بِالأَمسِ ؟ اِن تُرِيدُ اِلّا أَن تَكُونَ جَبّارًا فِي الأَرضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ المُصلِحِينَ }. .

عندما سمع الناس ذلك اكتشفوا ان القاتل لم يكن سوي موسي وركض الجواسيس لاخبار الفرعون بذلك .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

المؤامرة :

في القصر كان الفرعون يتآمر مع أعضاء حكومته . . كان يفكر في أن موسي هو الرجل الموعود . . انه لا يكفّ عن بث أفكاره الخطيرة . . وكان يعرف قبل أن يخبره الجواسيس ان موسي هو الذي قضي علي الرجل القبطي . .

لهذا قرر ان يقتل موسي مهما كان الثمن . .

وكان هناك رجل قبطي طيب . . يحب موسي لأخلاقه الرفيعة وحبّه للخير والضعفاء ولشجاعته . .

أسرع الرجل يبحث عن موسي . . دخل المدينة وراح يسأل عن موسي حتي عثر عليه قال له محذّراً :

{ يَا مُوسَي اِنّ المَلَأَ يَأتَمِرُونَ بِكَ لِيَقتُلُوكَ فَاخرُج اِنّي لَكَ مِنَ النّاصِحِينَ }.

لم يكن هناك وقت للانتظار. . ان هذا الفرعون الطاغية لن يتورّع عن قتله . .

من أجل هذا أسرع موسي في اتخاذ قرار الهجرة من مصر كلها في أسرع وقت .

استقل موسي زورقاً ليعبر نهر النيل الي الضفة اليمني . . ومن هناك انطلق باتجاه الشرق متوجهاً نحو خليج السويس . .كان هدف موسي أرض مدين . .

نظر موسي الي السماء وقال بخشوع :

{ عَسَي رَبّي أَن يَهدِيَنِي سَوَاء السّبِيلِ }.

كانت شرطة فرعون تبحث عنه في كل مكان ، ومضي موسي يجتاز الصحراء والمنعطفات الجبلية علي البحر الأحمر ودلتا النيل .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

الطريق الي مدين :

الرمال في سيناء مد البصر ، وموسي وحيداً في تلك المنعطفات الجبلية علي شواطئ البحر الأحمر .

ثلاثون يوماً تمرّ وموسي يقطع الطرق المقفرة الموحشة في صحراء سيناء .

كانت قدماه قد تورمتا وهو يطوي عشرات الأميال مشياً ، ولم يكن طعامه طوال الطريق سوي ما يعثر عليه من بقول الأرض البرّية .

وكانت الشمس ترسل أشعة الأصيل عندما وصل موسي أرض مدين .

كانت مدين لا تخضع لنفوذ الفراعنة ، وهي منطقة تقع في منتصف الطريق بين الحجاز ومصر علي مقربة من سواحل خليج العقبة شرقاً .

أطلّ موسي علي الوادي الفسيح وجلس عند صخرة تظلّلها شجيرة شائكة .

كان موسي متعباً جداً بعد رحلته الشاقّة ، وكانت الشمس تجنح باتجاه المغيب .

راح موسي يراقب قطعان الماشية يسوقها رعاة اشدّاء الي البئر .

واصطبغ الأفق الغربي بألوان حمراء وبرتقالية متموجة ، فشعر موسي وهو يتأمل جلال الطبيعة بخشوع يتغلغل في قلبه .

نسي آلامه ومتاعبه وكانت روحه تذوب مع كل ذرّة من ذرّات الكون الفسيح .

كانت رحلته التي استغرقت شهراً قد صنعت منه انساناً آخر . . أن قلبه يتفتح للحقائق الكبري .

كان موسي يصغي الي ثغاء الأغنام وهي تنحدر باتجاه البئر الوحيدة في الوادي .

وتصاعدت أصوات الرعاة وهم يتدافعون للاستباق ، ورأي موسي منظراً جديداً للاستضعاف . . رأي القويّ هو الذي يحوز الماء أما الضعيف فعليه ان ينتظر . . أن يتحمل ألم الانتظار ومرارة الصبر .

راح الرعاة الأشداء يملأون الأحواض لأغنامهم ، فيما ظهرت فتاتان تذودان قطيعهما . . وكانتا تنتظران في انكسار فراغ الرعاة من السقي .

وهبّ موسي كعادته الي نجدتهما . . نسي آلام قدميه المتورّمتين .

تقدم موسي نحو الفتاتين وقال بأدب :

ما خطبكما ؟

قالت الفتاتان :

{ لَا نَسقِي حَتّي يُصدِرَ الرّعَاء وَأَبُونَا شَيخٌ كَبِيرٌ }.

بالرغم من تعبه وآلامه . . بالرغم من جوعه الشديد فلقد بعثت الحمية في قلبه قوّة كبيرة . .

أمسك بالدلو ورماه في أعماق البئر . . وقف الرعاة ينظرون اليه . . ينظرون الي الرجل الغريب والي عضلاته المفتولة . .

ملأ موسي الحوض وساقت الفتاتان قطيعهما الذي راح ينهل الماء حتي ارتوي . .

فرحت الفتاتان وفي ذلك اليوم عادتاً الي المنزل مبكّرتين .

لم يكن أبوهما ذلك الشيخ الكبير سوي شعيب النبي ( عليه السلام ) ، عندما رأي ابنتيه تعودان علي غير عادتهما في التأخر قال متعجباً :

ماذا حصل ؟

قالت ابنته :

جاءنا شاب طيب غريب عن هذه الديار . . رحمنا فسقي لنا .

وقالت الأخري :

يبدو عليه التعب والجوع يا أبي .

قال الأب :

استدعيه يا ابنتي لنعطيه أجرته .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

رحمة الله :

كان موسي قد عاد الي مكانه ، وشعر بالجوع يعتصر بطنه نظر الي السماء وقال : {ربّ انّي لما أنزلت اليّ من خير فقير }.

كان موسي يتمني تمرة واحدة تهّدئ من ألم الجوع . . الله سبحانه استجاب دعاءه . .

جاءت ابنة شعيب تمشي في حياء ، وقفت قريباً منه وقالت بأدب :

{ اِنّ أَبِي يَدعُوكَ لِيَجزِيَكَ أَجرَ مَا سَقَيتَ لَنَا }.

نهض موسي ملبيّاً دعوة رجل كريم . .

وعلي مائدة الطعام ذكر موسي اسم الله شاكراً نعمته واستجابة دعائه .

وراح موسي يروي قصص الظلم في مصر وما يعانيه المستضعفون تحت حكم الفرعون .

طمأن شعيب ضيفه وقال :

{ لَا تَخَف نَجَوتَ مِنَ القَومِ الظّالِمِينَ }. . ان هذه الأرض لا تخضع لحكم الفراعنة .
قصة سيدنا موسي  عليه السلام

القويّ الأمين :

احبّ شعيب ضيفه . . ان موسي لا ينفك يذكر الله سبحانه في كل شيء ، وكان شعيب يحبّ الله . . من أجل هذا فهو يحب المؤمنين . .

أحبّ شعيب موسي أكثر عندما عرف انه من نسل يعقوب من ذرّية ابراهيم الخليل ( عليه السلام ) . .

وأحبّ شعيب موسي لأمانته لقد عرف ذلك بعد أن دار حديث عائلي . . قالت ابنته :

{ يَا أَبَتِ استَأجِرهُ اِنّ خَيرَ مَنِ استَأجَرتَ القَوِيّ الأَمِينُ }.

قال شعيب متسائلاً :

لقد عرفنا قوّته فكيف عرفت أمانته .

قالت :

عندما ذهبت اليه أدعوه الي المنزل . . كان مطرقاً ولم ينظر اليّ . . قال لي تأخري عني ودلّيني علي الطريق !

عندما جلس موسي يتحدث الي شعيب قال له في حضور ابنته :

يا موسي { اِنّي أُرِيدُ أَن أُنكِحَكَ اِحدَي ابنَتَيّ هَاتَينِ }.

سكت موسي حياءً لأنه رجل فقير لا يملك شيئاً ، ولكن شعيباً ( عليه السلام ) قال له :

شرط أن ترعي غنمنا ثمان سنين وان شئت أن تجعلها عشراً فمن فضلك . . أنني لا أريد أن اشق عليك ستجدني رجلاً يعرف حقك .

قال موسي بأدب :

{ ذَلِكَ بَينِي وَبَينَكَ أَيّمَا الأَجَلَينِ قَضَيتُ فَلَا عُدوَانَ عَلَيّ وَاللّهُ عَلَي مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }.
قصة سيدنا موسي  عليه السلام

العودة الي الوطن :

تزوج موسي في أرض مدين ، واستقرّ به المقام ولكنه لم ينس مصر ولم ينس الناس المستضعفين المقهورين هناك غير انه انصرف الي عمله في نشاط واخلاص يرعي الغنم يذهب بها علي المروج . . الي التلال . . الي الوديان ثم يعود بها في الغروب .

لم يكن موسي ليزاحم الرعاة أبداً ، وكان يختار لماشيته أمكنة مليئة بالعشب . ثم ينصرف الي تأملاته . . كان يفكر . .

تعلم أشياء كثيرة . . عرف كيف يهش علي الغنم ويسوقها الي المراعي .

وكان يراقبها ويحافظ عليها من الذئاب . . الأغنام لا تعرف ماذا عليها أن تفعل فهي تستجيب لعصا الراعي . وعندما تنظر اليه تشعر بالأمن ، فتنصرف الي تناول العشب بسلام .

ما أجمل الحياة في المراعي . . ان نفس موسي تمتلأ جلالاً لله سبحانه .

في كل يوم تشرق الشمس . . تعبر السماء ترسم الواناً زاهية في الأفق . . ثم تتجه نحو الغروب ، وكانت نفس موسي تمتلأ خشوعاً للخالق العظيم . . لهذا كان يري فرعون صغيراً وحقيراً . . كيف يدّعي الانسان الضعيف انه اله من دون الله ؟!

الناس الضعفاء في مصر يخافون سطوة الفرعون وكانوا يتظاهرون بعبادته .

وهكذا تمرّ الاعوام . . عاش موسي عشر سنين في مدين .

أصبح عمره أربعين سنة . . تضاعفت تجربته في الحياة لا أحد يعرف هل ذهب موسي خلال تلك السنين الي مكّة ؟ ان شعيباً ( عليه السلام ) عندما استأجره ليرعي الغنم قال له : { عَلَي أَن تَأجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } ومعني هذا ان الحج معروف في ذلك الزمان ، وان شعيباً كان يحج بيت الله .

عندما أصبح عمر موسي أربعين سنة كان قد وفي بوعده لشعيب وقد أتم الأجل الثاني أي انه ظلّ يرعي الغنم عشر سنين كاملة .

وفكر موسي ان يعود الي مصر . . كان يشعر ان له مهمّة ويجب عليه أن يقوم بها .

وذات مساء شتائي ، وفيما كان الناس في مدين يجلسون حول مواقدهم للدفء قال موسي لشعيب .

لقد تم الأجل الذي بيننا . . يجب أن أعود الي مصر .

سأدعو الله أن يحميك من شرور الفرعون . . ان الله سينصرك لأنك مع الحق . . عندما تكون مع الحق فان الحق سينصرك .

وذات صباح مشرق كان موسي يسوق غنمه مغادراً أرض مدين متوجهاً نحو مصر .

كل تلك السنين لم ينس موسي مصر . . لم ينس الناس المظلومين هناك .

كان يفكر بانقاذهم من الظلم من الجهل . . لقد نسوا دين ابراهيم . . دين يعقوب . . دين يوسف نسوا أن الله وحده هو رب العالمين وانّ فرعون مجرّد بشر ضعيف .

الانسان عندما ينسي الله فانه سيخاف من كل شيء ، وعندما يؤمن بالله ولا يخاف من أحد الاّ الله فانه سيكون انساناً شجاعاً حرّاً يخاف منه الظالمون .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

نداء السماء :

الصحراء مدّ البصر ، موسي بن عمران الذي بلغ الأربعين من عمره يغادر مدين عائداً الي مصر .

فرّ من مصر وحيداً خائفاً ، وعاش في أرض مدين عشر سنوات ، تزوّج وأصبحت له أسرة ، وأصبح له قطيعاً من الأغنام .

وها هو الان يسوق قطيع الماشية عائداً الي أرض الوطن . .

كان موسي يسير في الصحراء ومن بعيد كانت تلوح له جبال صغيرة .

الرياح الشتائية تهبّ فتلفح الوجوه ، وموسي يهش علي غنمه بعصاه ويسير ، كان يرتدي ثياباً منسوجة من الصوف . . فهو يحبّ بطبعه حياة التواضع والبساطة .

لهذا كان يمقت الفرعون . . «منفتاح» يرتدي ثياباً كتانية رقيقة موشّاة بالذهب ! والجواهر الثمينة .

موسي في منتصف الطريق في جزيرة سيناء علي مقربة من جبل الطور .

الرياح الشتائنة الباردة تعصف بشدّة وقد خيم الظلام تماماً .وقف موسي حائراً لقد ضاع عليه الطريق .

كانت زوجته ترتجف من البرد ، كان موسي ينظر في كل اتجاه ليعرف الطريق الذي يسلكه .

فجأة سطع نور من جهة جبل الطور . . رأي موسي ناراً تتوهج من بعيد لهذا قال لزوجته : انني أري ناراً . . امكثوا حتي آتيكم منها بجذوة نتدفأ بها ، وربّما عثرت علي الطريق .

قال موسي ذلك واتجه صوب النار المتوهجة وسط الظلام .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

وشيئاً فشيئاً كان موسي يقترب من المكان ، لم يجد موسي قرب الشجرة أحداً .

كانت هناك شجرة تتوهج ناراً لكنه لم ير أحداً يسأله عن الطريق !

شيء عجيب ! شعر موسي أن هذا المكان مفعم بالصمت والهدوء لا أثر فيه للرياح والبرد ، حتي أنه كان يسمع وقع عصاه وهي تصطدم بالأرض . فجأة سمع صوتاً يناديه . .

{ اخلَع نَعلَيكَ اِنّكَ بِالوَادِ المُقَدّسِ طُوًي }!

شعر موسي بالخوف . . خلع نعليه وكان يتساءل عن صاحب الصوت فسمعه يقول :

يا موسي اني أنا الله رب العالمين !

ملك الصوت قلب موسي فالقي نفسه ساجداً لله .

كانت الكلمات تنفذ في قلبه نفوذ النور في مياه بحيرة صافية .

ألق عصاك يا موسي !

وامتثل موسي فالقي عصاه علي الأرض ، وفي تلك اللحظة حدث شيء مذهل . . لقد تحولت فجأة الي ثعبان يتلوّي ، وتراجع موسي خائفاً . . كان ثعباناً مخيفاً .

وسمع موسي صوتاً يناديه من الجانب الأيمن في الوادي : يا موسي أقبل ولا تخف انك من الامنين . . يا موسي لا تخف لأن الرسل لا يخافون . .

وأضاء قلب موسي نور عجيب . . شعر بالطمأنينة والسلام . . انه رسول الله .

اسلك يدك في جيبك سوف تخرج بيضاء .

وضع موسي يده في جيبه وأخرجها فاذا هي تتألق بلون ناصع .

تحسس موسي يده فاذا هي صحيحة سالمة من كل سوء وهوي موسي ساجداً لله مرّة أخري . . ان الله قادر علي كل شيء لا حدود لقدرة الله . . ان هذه الايات كافية لأن يؤمن الناس بقدرة الله وحده .

حاول موسي أن يهدّئ من خوفه فسمع الصوت يقول له :

اضمم اليك جناحك .

فعل موسي ذلك ضم يديه الي صدره شعر بقلبه يهدأ تماماً .

قال الله لموسي وهو يحمّله الرسالة .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

اذهب الي فرعون انه طغي . .

ان علي موسي أن يحارب الظلم وأن ينصح فرعون بالكف عن عدوانه وغروره وان يسلم وجهه لله رب العالمين .

قال موسي وهو يطلب من يساعده وينصره في مهمته :

رب اني قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلون . .

تذكر موسي الحادث الذي وقع قبل عشر سنوات . . ان فرعون لن ينسي ذلك . . انه يحقد علي موسي ويتحيّن الفرص لقتله .

يا رب أن أخي هارون أفصح مني لساناً فاجعله ناصراً وشريكاً في رسالتي . . اذا ذهبت وحدي سوف يكذبوني . . أريد نصيراً لي يقف معي ويؤازؤني ويشهد بصدق رسالتي .

قال الله سبحانه وتعالي وقد استجاب طلبه .

{ سَنَشُدّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجعَلُ لَكُمَا سُلطَانًا فَلَا يَصِلُونَ اِلَيكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتّبَعَكُمَا الغَالِبُونَ } . { قَالَ لَا تَخَافَا اِنّنِي مَعَكُمَا أَسمَعُ وَأَرَي }. { اذهَبَا اِلَي فِرعَونَ اِنّهُ طَغَي فَقُولَا لَهُ قَولًا لّيّنًا لّعَلّهُ يَتَذَكّرُ أَو يَخشَي } .

عاد الصمت مرّة أخري يهمين علي الوادي المقدس واختفت النار ورجع موسي الي أهله كانوا ينتظرون . .

رجع موسي وهو يحمل أعباء رسالة الله الكبري . . لقد وجد موسي الطريق .

لهذا راح يحث الخطي وهو يغرز عصاه في رمال الصحراء .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

المواجهة :

اتجه موسي الي جنوب العاصمة ممفيس حيث يعيش أبناء يعقوب .

ازداد الظلم وتضاعف العذاب علي بني اسرائيل . . وعاد موسي اليهم وهو يبشرهم برسالة الله . . بالخلاص من الظلم . .

كانوا خائفين ، ولكنهم بدأوا يشعرون بالأمل .

وقف هارون الي جانب أخيه موسي ، وشعر موسي بالثقة أكثر ان معه من يؤازره وينصره .

ان هارون فصيح اللسان ، وعندما يتحدث فانه يتحدث باسم الحق باسم العدل . . لا يخاف أحداً الاّ الله .

من أجل هذا طلب موسي من الله أن يشركه في الرسالة ليعملا معاً علي زعزعة الظلم والقضاء علي الشر ونشر الخير والعدل .

وقرر موسي وهارون الذهاب الي قصر الفرعون خارج المدينة . .

كان يمشيان علي شاطئ النيل متجهين شمالاً ، كان موسي يتوكأ علي عصاه ، وكانا يرتديان قميصين منسوجين من الصوف .

ولاح من بعيد قصر الفرعون . . كان قصراً كبيراً جدرانه من الصخر المكسوة بالخشب المصقول بدقة ، أمّا ارضيته فقد فرشت بالرخام ، وأثاثه من المرمر والعاد والذهب .

ودخل موسي وهارون القصر ، ودخلا البلاط حيث يتربع الفرعون علي عرش من الابنوس المطعم بالذهب والجواهر ، وكان فرعون يمسك بعصا قصيرة هي الأخري من الابنوس المزيّنة بالذهب والأحجار الكريمة .

حيّا موسي الفرعون بأدب الهي ، وقابل الفرعون التحيّة بغروره المعروف . . لم ينظر الي عيني موسي ليتأمل النور الذي يشعّ منهما ، لم ينظر الي زهد موسي وبساطته . . لم ينظر الي شخصيته القويّة وهو يقف بشجاعة أمامه . . نظر فقط الي الثياب المنسوجة من الصوف ، وراح يقارن بينها وبين ما يرتديه هو من ثياب كتانية رقيقة منسوجة بخيوط الذهب والي يديه المليئتين بأساور ذهبية ، من أجل هذا راح ينظر اليه باستعلاء .

لم يكن فرعون وحده كان معه وزيره هامان وشخصيات كبيرة في الدولة .

وراح الفرعون يحدّق في موسي الذي فَرّ من مصر قبل عشر سنوات وها هو يعود أكثر صلابة !

قال الفرعون :

وأخيراً عدت يا موسي .

نعم ولقد جئتك بخير الدنيا والاخرة .

قال الفرعون :

ماذا تقصد ؟

قال موسي :

ان الله قد أرسلني اليك لتعبده .

الله ؟!

الله ربّ العالمين . . ربّكم وربّ آبائكم الأولين . .

ونظر الفرعون بدهشة الي رجال دولته وقال :

ألا تستمعون ؟!!

قال موسي :

رب السماوات والأرض ، وما بينهما ان كنتم موقنين .

ونظر الفرعون الي رجاله بغضب وصاح مستهزأ :

انّ رسولكم الذي أُرسل اليكم لمجنون .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

انحني هامان للفرعون وقال مخاطباً موسي :

أنت تتحدّث بأشياء خطيرة . الشعب كلّه يعبد الفرعون ويسجد له . . وبنو اسرائيل يعبدونه أيضاً . . انه اله مصر .

قال هارون بهدوء :

انه ليس باله .

وقال موسي :

ان الله وحده هو الربّ الذي ينبغي أن يُعبد . . هو الذي خلق الكون والوجود . . الله هو الذي خلق السحب وينزل المطر . . وهو الذي يخلق الشجر . .

قال الفرعون وهو يحاول محاصرة موسي :

لقد نسيت يا موسي أشياءً كثيرة . . نسيت اننا ربّيناك منذ كنت طفلاً رضيعاً .

قال موسي :

لقد كنت تذبح أطفال بني اسرائيل . . وتعذّب رجالهم وتقهر نساءهم . . وليست هذه بمنّة بعد أن عبّدت بني اسرائيل . .

وماذا عن فعلتك التي فعلتها ثم هربت من مصر .

لقد حصل ذلك خطأً لم أكن أنوي قتل الرجل . . وقد فررت لأنكم كنتم تخططون لقتلي . .

ولقد اختارني الله رسولاً اليك . . فأرسل معي بني اسرائيل ولا تعذبهم .

صرخ الفرعون بغيط :

لقد تجاوزت حدودك يا موسي . . أنت تتحدث في أشياء كبيرة لن يصدّقك بها عاقل . . ليس هناك من يصدّق بوجود اله واحد يمكنه أن يقوم بكل شيء . وهل هناك من يتخلّي عن سائر الالهة . . ماذا تظنّ نفسك . . انظر الي ثيابك الرثّة انك لم ترتد شيئاً يستحق النظر . . اسمع يا موسي . . انك اذا انتخبت الهاً غيري فسأقذفك في سجن مظلم .

قال موسي :

حتي لو جئتك بدليل علي صدق رسالتي وكلماتي ؟

قال الفرعون بغرور :

دليل ؟! ما هو دليلك يا موسي هاته ان كنت صادقاً !

ولم يفعل موسي شيئاً سوي أن ألقي عصاه أمام الفرعون وفجأة حدث شيء مدهش ذعر له الفرعون . . وأدهش الجميع . . انقلبت العصا الي ثعبان مخيف . .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

راح يتلوّي فوق الرخام . . جمد الفرعون في مكانه . . وأصبح وجهه في صفرة الليمون . . وساد صمت رهيب سوي فحيح الثعبان المخيف . .

ولأول مرّة شاهد الجميع الفرعون المغرور كاد يفرّ خائفاً . . ولكنه شاهد موسي يتقدم ليمسك بالثعبان ، وما أن مسّته يد موسي حتي عادت العصا الي حالها الأول .

وتحرّكت احقاد الفرعون راح يشعر بالخطر علي عرشه . ان موسي يملك سلاحاً مخيفاً فماذا يفعل ؟!

وهنا تظاهر الفرعون بان ما حصل لم يكن سوي سحراً .

أدرك موسي ذلك فأدخل يده في جيبه وأخرجها توهجت اليد واضاءت المكان . . وكان ذلك آية عظيمة .

لم يكن الفرعون غبياً وهو يشاهد ما حصل ، ولكنه كان مغروراً لا يفكر الاّ بعرشه ومصالحه . . تقدم من موسي وقال :

ماذا تريد يا موسي ؟!

قال موسي بأدب الأنبياء :

أن ترسل معي بني اسرائيل . . يكفي ما ذاقوه من العذاب والهوان والعبودية .

فكر الفرعون بانه سوف يخسر الكثير من العمال الذين يعملون دون أجر كالعبيد . . وربّما يفكر موسي بتأليف جيش منهم يهدد سلطته وعرشه . . ومن الأفضل الاحتفاظ بهم كأسري والاستفادة منهم في القيام بالأعمال الشاقة . .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

أراد الفرعون أن يثير مخاوف رجال دولته ويحرّضهم ضد موسي لهذا صرخ :

ان موسي ساحر يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره !

تبادل رجال الجولة النظرات الحائرة وتكلم هامان قائلاً :

ان هناك الكثير من السحرة البارعين ، انهم يقومون بأعمال مذهلة . . انك تتآمر ضد القبط وتطردهم من أرض مصر . . سوف آتيك بسحر مثل سحرك فلنجعل بيننا موعداً لنا ولك .

أجاب موسي بطمأنينة وايمان :

ليكن موعدنا يوم العيد في الضحي من أجل أن يشهد شعب مصر ذلك .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

هزيمة السحر :

راح الفرعون يخطط لالحاق الهزيمة بموسي ، فهناك من السحرة من يستطيع أن يفعل أشياءً عجيبة .

وخلال تلك الفترة أشاع الفرعون بين أهل مصر أن يوم الزينة وهو يوم العيد الشعبي للمصريين في ذلك الزمان سيشهد مباراةً فريدة بين السحرة !

أرسل الفرعون جنوده الي أنحاء مصر وجمعوا له كبار السحرة في مصر كلّها .

واجتمع الفرعون مع السحرة الذين جاءوا من أمكنة بعيدة وقريبة كان منظرهم بشعورهم الطويلة والحبال التي يحملونها والعصي التي بأيديهم مخيفاً . .

شعر الفرعون ان هؤلاء سوف ينقذون عرشه من الخطر قال الفرعون :

ان موسي يدّعي وجود اله غيري وقد تحدّاني بسحره . .

فاذا استطعتم أن تهزموه فسوف أجعلكم من أصحاب النفوذ في الدولة . . ستكونوا حكاماً في مصر . .

قال أحد السحرة وعيناه تبرقان .

قال تكافئنا ان نحن غلبناه .

نعم سوف أغرقكم بالذهب والجواهر . . غداً عندما تطلع الشمس سوف يجتمع الناس . . انه يوم الزينة والعيد . . أريد منكم أن تأتوا بسحر عجيب .

قال كبير السحرة :

اقسم بعزّتك أيها الفرعون الكبير باننا سنغلبه .

وشعر الفرعون انه قد يمكنه أن يهزم موسي بالسحر .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

أشرقت الشمس وأضاءت فوق النيل ، وتألقت المياه وهي تنساب باتجاه الشمال .

كان ذلك اليوم بهيجاً فهو يوم العيد . . يوم الزينة حيث يرتدي الناس أجمل ثيابهم ويخرجون للنزّهة .

وكان ذلك اليوم مثيراً لأنه سيشهد مباراة بين السحرة لقد جمع الفرعون كبار السحرة في مصر ليقفوا في مواجهة موسي وهارون .

البعض تصوّر أن انتصار السحرة سيكون انتصاراً للقبط علي بني اسرائيل . . وكان الناس المقهورون من بني اسرائيل يتمنون انتصار موسي ليثأروا من الفرعون والظلم الذي نزل بهم . .

أما موسي وهارون فكانا يفكران بانتصار الايمان علي الكفر . . انتصار المعجزة علي السحر ، وانتصار الحق علي الباطل .

اجتمع آلاف الناس الذين جاءوا من العاصمة ومن غيرها من مدن مصر اجتمعوا ليشهدوا المباراة المثيرة .

اصطف الجنود والحرّاس واخذوا أماكنهم ، وجاء فريق السحرة . .

حيّا الجنود والحرس السحرة . . وانحني الناس لهم اجلالاً كان الناس وفي ذلك الزمان يعتقدون بالسحر ، وكان للسحرة سلطة دينية علي الشعب .

وجاء موسي وأخوه هارون كانا يرتديان ثياباً صوفية ، وكان مع موسي عصاه العجيبة .

وقفا في مقابل فريق السحرة الذي كانوا يحملون عصيّاً وحبالاً .

ساد الصمت المكان وتبادل السحرة نظرات لها معني . . سوف يهزمون موسي وأخاه وسيحصلون علي الذهب والمجد والنفوذ الأكثر .

وفي الأثناء قطع الصمت صوت البوق لقد وصل موكب الفرعون . .

كان «منفتاح» يجلس علي سرير الملك الذهبي يحمله الجنود ويحفّه الحرس .

وألقي الجنود والناس والقادة والسحرة أنفسهم ساجدين للفرعون .

سجد الجميع ما عدا اثنين فقط هما موسي وهارون . . انهما لن يسجدا لأحد الاّ الله .

وشعر الفرعون بالحق يملأ قلبه . . سوف ينتقم من موسي . . سيعلمه كيف يسجد للفرعون ملك مصر .

عاد الصمت مرّة أُخري وكان الجميع ينتظرون بدء المباراة بين موسي والسحرة !

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

برقت عيون السحرة بالمكر قال كبير السحرة لموسي :

يا موسي أما أن تلقي عصاك أو نلقي نحن !

أجاب موسي :

انني لست ساحراً . . انني احذركم مما تفعلون . . ان الله سيعاقبكم علي ما تفترون .

قال السحرة :

والان من يلقي أولاً ؟!

قال موسي وهو يشدّ قبضته علي عصاه :

القوا أنتم أولاً .

ألقي السحرة حبالاً وعصيّاً كثيرة وراحوا يتمتمون بكلمات غامضة ويأتون بحركات مخيفة .

وساد المكان جوّ رهيب وخيل للجميع ان الساحة قد امتلأت بالافاعي والحيّات ! وابتسم الفرعون لما انجزه السحرة من عمل كبير . .

شعر موسي بالخوف ليس من تلك الافاعي الخيالية . . بل من أن يؤمن الناس أكثر بالسحر والخزعبلات . .

حيّا هامان السحرة وكان هذا بداية للجنود بأن يطلقوا صيمات الاجلال لسحرة الفرعون الكبير !

الله سبحانه لم يترك رسوله وحيداً قذف في قلب عبده :

لا تخف انك انت الأعلي . . والق ما في يمينك .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

نظر موسي الي السماء الزرقاء الصافية ، وألقي عصاه . .

وحدث أمر لم يكن ليخطر علي بال أحد . . لقد تحوّلت العصا فجأة الي ثعبان هائل . . تلوّي الثعبان وراح يبتلع الحبال والعصيّ وكل تلك الأفاعي الخيالية !!

كان السحرة الذين أحضرهم الفرعون من كبار السحرة في مصر ، ولم يكن هناك من هو أحذق منهم في السحر والشعوذة ولهذا فهم أعرف من غيرهم بماهية السحر . .

ان الحبال والعصيّ لم تتحول الي أفاعٍ أو حيّات بل هكذا خيل للناس لأنهم يسحرون عيون البشر فقط .

عندما رأي السحرة ما فعله موسي وكيف تحولت العصا الي ثعبان حقيقي لا يتلوّي فقط بل أنه يبتلع العصيّ والحبال خشعوا لله ، وأدركوا أن موسي ليس كما ذكر لهم الفرعون . .

لقد خدعهم ، ان موسي ليس ساحراً ، انه رسول من الله ربّ العالمين .

لهذا سجد السحرة جميعاً لله . . سجدوا وهتفوا من كلّ قلوبهم :

آمنا بالله رب العالمين . . ربّ موسي وهارون .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

كاد الفرعون منفتاح ينفجر من الحقد والغيظ . . ان سجود السحرة لاله غيره يعني هزيمته أمام موسي .

يعني هزيمة السحر أمام ما قام به موسي من عمل خارق !

ان عرشه في خطر لهذا صرخ بصوت مخيف :

أتؤمنون بموسي قبل ان اسمح لكم . . انني اعرف خدعتكم ا ن موسي هو الساحر الأكبر الذي علمكم السحر . . سوف أنتقم منكم . . سوف أقتلكم أصلبكم علي جذوع النخيل ، وأجعل منكم عبرة لغيركم .

أصبح السحرة في لحظة واحدة مؤمنين بالله أعمق الايمان فقالوا بصوت واحد :

اننا لا نخاف وعيدك وتهديدك . . أنت الذي أجبرتنا علي السحر والان عندما رأينا بأعيننا معجزة موسي . . اكتشفنا ان الرب الحقيقي هو الله . . أما أنت فبشر مثلنا ولن نسجد لك بعد الان .

قال الفرعون بغيظ :

سوف تعرفون من الأقوي . . سأقتلكم جميعاً .

قالوا بشجاعة :

لن نختار سوي الايمان بالله الواحد الأحد . . رب السماوات والأرض . . انّ الله سيغفر لنا خطيئتنا . . وانك لن تستطيع من عمل شيء الاّ في هذه الدنيا الزائلة . . اما الاخرة فهي لنا . . للناس المؤمنين . .

التفت أحدهم وخاطب الناس قائلاً :

ان ما قام به موسي ليس سحراً انه آية من آيات الله . .

أشار الفرعون الي الحرّاس أن ينقضوا عليهم ، وهكذا سيق الرجال المؤمنون الي ساحة الاعدام .

بعض الناس الذين شاهدوا تلك المعجزة آمن بالله ولكنه كتم ايمانه . . وكان من بين الذين آمنوا برسالة موسي رجل من آل فرعون يقال له «حزقيل» كما آمنت زوجة الفرعون وتدعي «آسية» .

وانفض الناس ذلك اليوم وعادوا الي منازلهم وهم يتحدثون عما شاهدوه من عمل خارق . . وعرف شعب مصر وبنو اسرائيل ان موسي وهارون يتحديان الفرعون ويدعوان الي عبادة الله الواحد . . وكانوا يتعجبون من شجاعتهما ومن عجز الفرعون عن فعل شيء تجاهما .

كان مطلب موسي ان ينقذ بني اسرائيل من الذل والعبودية ويأخذهم الي خارج مصر . . الي مكان يستطيعون فيه أن يعبدوا الله بعيداً عن ظلم الفراعنة .

وكان الفرعون منفتاح يرفض ذلك في كل مرّة لأنه لا يريد أن يخسر آلاف العبيد الذين يعملون من الصباح الي المساء دون أجر .

وفي تلك الفترة أصبح موسي زعيماً وقائداً لبني اسرائيل ، ورأي فيه المستضعفون الرجل الذي سينقذهم من الظلم والقهر والعبودية .

عاش موسي مع قومه في جنوب العاصمة ممنفيس . . في الأحياء التي يسكنها الفقراء . . ومن هناك كان يقود المقاومة ضد الفرعون .

لقد حصلت خلال تلك الفترة قصص كثيرة . . كثيرة ومثيرة ، وكان من بين تلك القصص قصة فريدة . . انها القصة التي تتحدث عن نهاية قارون . . قارون الذي بغي علي موسي . . قارون الذي اغترّ بكنوزه وذهبه . . ما كانت قصته وكيف كانت نهايته ؟

الصراع :

كان لهزيمة السحر أمام معجزة الأنبياء أثرها الكبير في بث روح الايمان ، فقد هزّت النتيجة مصر كلّها وأصبحت حديث الناس . .

وراح الفرعون المغرور العنيد يخطط لاحباط محاولات موسي في نشر دين التوحيد الالهي .

أصبح لموسي مؤيدين داخل القصر من آل فرعون انفسهم حتي زوجته آسية أعلنت بشجاعة ايمانها .

كان منفتاح انانياً لا يحب سوي نفسه لهذا لم يحترم زوجته ملكة مصر ولم يرحمها أيضاً .

استدعي الفرعون زوجته وراح يهددها ولكنها لم تتراجع فأمر جلاوزته بتعذيبها اشدّ العذاب . . غير أن آسية التي ذاقت حلاوة الايمان لم تتراجع ولم تنهزم ، نظرت الي السماء وقالت :

{ رَبّ ابنِ لِي عِندَكَ بَيتًا فِي الجَنّةِ وَنَجّنِي مِن فِرعَونَ }.

وظلّت آسية تقاوم العذاب والالام الي أن اغمضت عينيها بسلام والتحقت بملكوت السماء وعندما سمع موسي بالنبأ تأثر بشدّة . . لقد ذهبت آسية شهيدة الايمان بالله .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

وراح الفرعون يصبّ العذاب علي بني اسرائيل ويقتل المؤمنين .

وكان المستضعفون من بني اسرائيل يبكون فيأتون الي موسي ويقولون :

أننا نتعذب منذ سنين طويلة من قبل أن تأتينا ومن بعدما جئتنا .

وكان موسي يقول لهم مصبّراً .

استعينوا بالله واصبروا أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده وتأكدوا ان الجولة الأخيرة ستكون من نصيب المؤمنين .

كان الفرعون يخطط لقتل موسي وكان يظن انه اذا قتل موسي فأن عرشه سيبقي في مأمن من الخطر .

وكان هناك رجل مؤمن من آل فرعون يكتم ايمانه لم يكن يعرف أحد بان ذلك الرجل القبطي الذي له نفوذ في الدولة مؤمن بموسي .

كان يتظاهر بزيارة المعابد . . ولم يكن يتحدث ضد الفرعون . . ومع ذلك فقد كان يعمل علي نصرة موسي ودين الله . . .

عندما يري مؤامرة تحاك ضد دين الله وضد النبي فانه يواجه ذلك باسلوب ذكي . .

ذات يوم اجتمع الفرعون مع رجال دولته وكان الرجل المؤمن حاضراً طرح الفرعون فكرة قتل موسي . .

بعض الرجال أيّدوا فكرته . . وبعض اعتصم بالصمت أمّا الرجل المؤمن فراح يحذّرهم من عواقب ذلك قال لهم :

كيف تقتلون رجلاً لم يتركب جريمة سوي الايمان بالله . .

انه لم يدّع رسالته كاذباً لقد جاء اليكم بالادلّة والبراهين أنسيتم عصاه ؟ أنسيتم هزينة السحرة أمامه ؟! . أنسيتم كيف انقذكم من السيول ؟من الضفادع ، من الجراد ، وفي كل مرّة كنتم تتضرّعون اليه بأن ينقذكم لتؤمنوا برسالته وعندما يُرفع عنكم البلاء تعودون الي عنادكم . .

انني أخشي عليكم من انتقام الله . . أخشي أن يكون مصيركم كمصير قوم نوح وعاد وثمود وأقوام أخري جاءوا بعدهم.

انني أخشي عليكم من عذاب يوم البعث والمعاد . .

لا أدري لماذا هذا الشك في دين الله . . لقد كنتم تشكّون برسالة يوسف وعندما توفي قلتم لن يبعث الله بعده رسولاً . . انّكم لا تريدون الهداية ولهذا فلن يهدي الله قوماً يريدون الضلال !

كانت كلمات حزقيل مؤثرة . . سكت البعض وراح البعض الاخر ينظر الي الفرعون . .

تظاهر الفرعون بالسخرية والتفت الي وزيره هامان وقال :

أريد أن تبني لي صرحاً عالياً . . أريد أن أنظر في السماء . . لعلّي أطلع علي اله موسي . . مع انني أظنّه كاذباً في ادعائه .

انسحب هامان من الاجتماع لتنفيذ رغبة الفرعون وهكذا انفض الاجتماع والحيرة تسود علي وجوه رجال الدولة .

فيما راح الفرعون يخطط لمؤامرة أخري .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

قارون :

كان قارون رجلاً من بني اسرائيل رزقه الله ثروة كبيرة ، وبدل أن يشكر الله ويساعد الفقراء راح يتبختر ويتكبّر .

كان قارون ثرياً يملك الكنوز ، فغرّته أمواله من الذهب والفضة وراح يتكبّر علي غيره . . ويظنّ ان الذهب والشراء هو مصدر القوّة .

كان يتشبه بالفرعون في ما يلبس ويرتدي .

الناس المؤمنون كانوا ينصحون قارون الاّ يتكبر ويغترّ بذهبه وفضته وكنوزه . . كانوا يقولون له : لا تنس يوم القيامة . . لا تنس عالم الاخرة . . اعمل لاخرتك .. انفق بعض أموالك علي الفقراء واشكر الله علي ما آتاك . .

كانوا يقولون له : احسن الي الناس كما احسن الله اليك . . ولا تنشر الفساد في الأرض .

غير أن قارون كان يجيب متكبّراً :

أنني جمعت ثروتي بيدي . . انني أعرف كيف أحصل علي المال . . ان نبوغي العلمي هو وراء ثروتي . .

بعض الناس فتنوا بقارون أصبحوا مؤيدين له ووقفوا ضد نبيهم موسي ( عليه السلام ) كانوا يطمعون بالحصول علي بعض المال . .

وذات يوم ارتدي قارون ثياباً مزركشة بالذهب ، وخرج يتبختر بها أمام الناس .

بعض الفقراء قالوا : ما أسعده وأوفر حظه ؟ يا ليت لنا مثل ما اُوتي قارون انه لذو حظ عظيم .

ولكن الناس المؤمنين قالوا لهم : ان ثواب الله خير لمن آمن وعمل الصالحات .

وجاء موسي لينصح قارون ويعظه قال له : لا تبغ الفساد في الأرض . . لا تغترّ بأموالك وثروتك .

ولكن قارون كان مغروراً . . وكان يحقد علي موسي .

ولهذا راح يتآمر علي النبي ، وذات مرّة اتهمه بافتراءات باطلة . . وجمع بني اسرائيل وراح يشيع علي موسي تلك الاتهامات .

وغضب الله علي قارون المغرور . . وتجسد ذلك علي وجه موسي ( عليه السلام ) الذي دعا الله أن ينتقم من قارون .

وحدث شيء رهيب . . ان الأرض تهتز تحت قصر قارون . . كان قارون ينظر الي قصره وهو يهتز أصيب بالذعر وأراد أن يهرب ولكن الأرض قد ابتلعته هو الاخر . وفي لحظات غاب قارون وقصره وكنوزه وأصبح عبرة لغيره . .

الذين تمنّوا أن يكون لهم مثل ما كان لقارون ندموا واكتشفوا ان العمل الصالح أفضل من كنوز الذهب ، لأن العمل الصالح ينفع الانسان في الدنيا والاخرة ، أما الذهب . . امّا التكبر والغرور والكنوز ستعود علي صاحبها بالوبال والخسران .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

الخلاص :

راح الفرعون المغرور يخطط للقضاء علي موسي وعندما رأي ان رجال دولته ورأي الأقباط يفكّرون في دعوة موسي وبرسالته ، وما فعله من معجزات عندما رأي الفرعون كل ذلك ، وضع خطّة ليضمن بها تأييد المصريين له .

أمر بأن تضع له منصّة كبيرة علي شاطئ النيل بحيث تنساب المياه تحتها ، وأذاع بانه سوف يلقي خطاباً هامّاً .

وفي الموعد المقرر . . اصطف الجنود والحراس علي جانبي الطريق الذي يؤدي الي المنصة . .

وضع فوق المنصّة العرش الذهبي ، ووقف الكهنة الي جانبيه . . واحتشدت الجماهير أمام المنصة وراحت تنظر الي العرش الذهبي بانبهار .

وبعد ساعة وصل موكب الفرعون . . وكان هذه المرّة يقف فوق محفة يحملها جنود أشداء . . كان يرتدي ثياباً كتانية مزركشة بالذهب ومحلاّة بالجواهر والأحجار الكريمة . . علي رأسه التاج المزدوج الذي يرمز الي انه يحكم مصر العليا و السفلي .

الموكب يمشي في بطء واستكبار ، دون ضجيج . . هكذا أراد الفرعون .

ومن علي المحفة انتقل الفرعون الي المنصّة العالية وجلس علي عرشه الذهبي . .

وافتتنت الجماهير بمنظر الفرعون . .

وبدأ الفرعون خطابه الهام قائلاً :

انني اله مصر الأعلي . . لي ملك مصر . . الأنهار تجري من تحتي . .

انني أقود الأرض والشعب الي المجد . . لقد طردنا الأعداء وبنيت السدود في الشرق . . ليعيش الشعب في أمان .

سوف اقضي علي العدوّ في داخل مصر . . سأبيد شعب اسرائيل . . انهم شرذمة قليلون . . وهم يريدون اخراجكم من أرض مصر . . فدعوني اقتل موسي وليدع ربّه !

عم الحماس نفوس الناس . . راحت الجماهير تحيّي الفرعون اله مصر الأكبر !

وفي اليوم التالي تأهب جنود العاصمة لتنفيذ خطّة الفرعون في ابادة بني اسرائيل .

وراح الجنود المسلحون بالرماح ينتزعون الأطفال الأبرياء من أحضان الأمهات ويلقون في النيل .

التماسيح ذات الرؤوس المثلثة تلتهم الأطفال الأبرياء وكانت الأمهات يصرخن و يسنجدن بموسي . .

امّا الرجال والشباب فكانوا يساقون الي الأعمال الشاقة في بناء المدن الجديدة !

وعندما اشتدّت المحنة . . وتطلع بنو اسرائيل الي السماء يستمدّون منه النصر أوحي الله الي رسوله موسي أن يقود بني اسرائيل للفرار من مصر ليلاً .

وفي منتصف احدي الليالي تأهب بنو اسرائيل للفرار من مصر وكان علي موسي أن يقود شعباً كاملاً في اخطر عملية للانقاذ الانساني !

كان موسي مؤمناً بان الله سينقذ الناس المؤمنين ، لهذا كان يقود امّته باتجاه الشرق .

عبرت الجموع نهر النيل ثم بدأت رحلتها الخطيرة باتجاه خليج السويس .

كان موسي ( عليه السلام ) يقود الجموع في ذات الطريق التي فرّ من خلالها الي مدين عندما كان شاباً في الثلاثين من عمره .

وفيما كانت الجموع تقطع المسافات باتجاه الشمال الشرقي ، استيقظت العاصمة «ممفيس» علي دويّ المفاجأة !

لقد فرّ بنو اسرائيل من مصر !!

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

برق الغدر في عيني الفرعون الذي أصدر أوامره بالزحف العسكري ومطاردة بني اسرائيل .

كانت خطة الفرعون أن يحاصر بني اسرائيل في الصحراء ويقتل موسي وهارون ليعود بالأسري مرّة أخري ليكونوا عبيداً في مملكته الكبري .

وهكذا انطلقت عشرات المركبات الفرعونية التي تجرّها الخيول في أخطر مطاردة لشعب آمن بالله ورسالته .

اهتزّت الأرض تحت سنابك الخيول وأقدام الجنود وكان الفرعون منفتاح يقود مركبته بنفسه ويتقدم جيشه المؤلف من عشرات الالاف من الجنود الأشداء .

وانفلق البحر :

من بعيد لاحت عشرات المركبات التي تجرّها الخيول وهي تنهب الأرض .

صاح بنو اسرائيل يا لحظنا البائس . . سوف نموت في هذه الأرض . ليس هناك أمل في النجاة .

بكي الأطفال ، وصاحت النساء . . وعمّ الخوف .

المركبات الحربية تقترب .

وصرخ أحدهم :

انّا لمدركون .

ونظر موسي الي السماء الصافية وقال :

كلاّ ! ان معي ربي سيهديني .

وفي تلك اللحظات المصيرية هبط جبريل ليبلغه أمر السماء :

اضرب بعصاك البحر .

وتقدّم موسي الي البحر ووقف فوق صخرة غارقة في الماء ثم أهوي بعصاه علي المياه الزرقاء .

فجأة حدث أمر مدهش . . البحر يتحول الي نصفين كل نصف كالجبل الشاهق وبينهما واد طويل ، ولأول مرّة أضاءت الشمس الرمال في تلك الأعماق السحيقة لقد كان ما حصل معجزة كبري !

كيف يمكن لانسان أن يعمل ذلك ؟! انه قدرة الله المطلقة . . قدرة الله التي لا تعرف الحدود .

وقفت المياه مثل سفوح الجبال ! واندفع موسي الي الوادي الطويل الذي شطر البحر شطرين ومن ورائه بنو اسرائيل .

وراح موسي والي جانبه أخوه هارون يشقان طريقهما بين سفوح المياه !

وشعر بنو اسرائيل بالأمل والخلاص من الفرعون الظالم ، وأدركوا ان الله سينقذهم وسينجيهم كما وعدهم موسي .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

النهاية :

وصل الفرعون منفتاح بجيوشه الساحل ورأي المعجزة العظيمة بعينيه . . ورأي الجنود أيضاً ذلك ولكن أحداً لم يراجع نفسه قليلاً ويفكر برسالة الله ولم يفكّر واحد منهم بالايمان بموسي رسولاً من الله .

برق الحقد في عيني الفرعون وهو يري بني اسرائيل في منتصف الطريق العجيب !

ألهب ظهر حصانه بالسوط ، واندفعت مركبته في الطريق وفعل الجنود أيضاً ذلك ، كانوا عشرات الالاف من الجنود الأشدّاء الذين لا يعرفون غير عبادة الفرعون وتنفيذ ارادته .

وصل بنو اسرائيل الساحل في الجانب الشرقي من خليج السويس ، ووقفوا ينظرون بقلق الي جيش الفرعون وقد أصبح في منتصف الطريق .

وفي تلك اللحظات حدثت المعجزة الأخري عندما انهارت تلك السفوح المائية ، وكان الصوت الذي دوّي اثر ارتطام الجبال المائية رهيباً !

وهاجمت الأمواج المندفعة من الجهة اليسري واليمني عشرات الالاف من المعتدين الذين استكبروا في الأرض ولم يؤمنوا برسالة الله .

ووجد الفرعون نفسه وسط الأمواج الغاضبة وشعر بذلّه وضعفه ، وانتهي غروره الفارغ فصاح :

{ آمَنتُ أَنّهُ لا اِلِهَ اِلاّ الّذِي آمَنَت بِهِ بَنُو اِسرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ المُسلِمِينَ }.

وسمع الفرعون وهو يشرب المياه المالحة صوتاً يجيبه :

{ آلانَ وَقَد عَصَيتَ قَبلُ وَكُنتَ مِنَ المُفسِدِينَ } لقد كنت طوال تلك السنين تحارب الحق والعدل وتستعبد الناس ، وترتكب المذابح ، تكفر بآيات الله .

وأدرك الفرعون أنه يعيش النهاية البائسة ، وسمع ذات الصوت يخاطبه :

{ فَاليَومَ نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَن خَلفَكَ آيَةً وَاِنّ كَثِيرًا مّنَ النّاسِ عَن آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }.

وامتلأت بطن الفرعون بالمياه المالحة وابتلعته الأمواج الغاضبة التي راحت تقذف به الي الساحل بعد أن سحقته .

غرق الفرعون الجبّار ، وغرق جميع جنوده الأشدّاء ، وسجد موسي وهارون لله .

ولكن ماذا حصل بعد ذلك ما هو مصير جثة الفرعون ؟ لقد ظلّ السرّ خافياً تماماً طوال القرون المنصرمة .

مرّت مئات السنين وبعدها ظهرت الحقيقة القرآنية تؤيدها الاثار التاريخية .

المومياء :

قذفت الأمواج الفرعون الي الساحل جثة هامدة وانتهي بذلك فصل مرير من الظلم .

وصنع المصريون في ذلك الوقت المومياء للفرعون منفتاح ليحمل الي وادي الملوك في جنوب مصر وليدفن في مقبرة صخرية وهكذا ظل السرّ دفيناً طوال هذه القرون .

وقبل مئة عام بالضبط ، أي في عام 1898 عثر أحد علماء الاثار وأثناء التنقيب في وادي الملوك علي مومياء منفتاح بن رمسيس الثاني حيث نقلت الي القاهرة .

وفي 8 تموز 1907 حلّت الأربطة عن وجهه ورقبته .

وجثة الفرعون حالياً موجودة الي الان في متحف القاهرة يشاهدها الزوار يومياً من وراء حاجز زجاجي .

وفي حزيران سنة 1975 الحكومة المصرية باجراء فحوصات جديدة للمومياء .

وظهرت النتائج المذهلة تؤكد أن الفرعون مات غريقاً ، وانه تعرّض لرضوض عنيفة جدّاً قبل أن تبتلعه المياه .

وستبقي هذه المومياء اعظم شاهد مادّي يؤكد الحقيقة القرآنية الخالدة في قوله تعالي مخاطباً الفرعون الجبّار وسط لجّة الأمواج والمياه :

{ آلانَ وَقَد عَصَيتَ قَبلُ وَكُنتَ مِنَ المُفسِدِينَ فَاليَومَ نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَن خَلفَكَ آيَةً وَاِنّ كَثِيرًا مّنَ النّاسِ عَن آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }[2].

ولكن هل انتهت محنة سيدنا موسي وأخيه هارون ؟ كلاّ لقد غرق الفرعون الجبار ووصل بنو اسرائيل الشاطئ بسلام .

ولكن محنة موسي ( عليه السلام ) لم تنته ، فقد بدأ فصل جديد من صراعه مع الباطل مع عناد بني اسرائيل ، مع جهلهم وظلمهم وانحرافهم ، ووقعت في شبه جزيرة سيناء حيث عاش بنو اسرائيل الكثير من القصص .

فالي الكتاب التالي من هذه السلسلة لنتابع معاً قصة سيدنا موسي وأخيه هارون .

في جزيرة سيناء

عبر بنو اسرائيل البحر . . النساء والأطفال والشيوخ . . ملأت المعجزة قلوبهم بقدرة الله . .

لم يروا في حياتهم معجزة كهذه . . كيف تقف المياه كالجبال شامخة ؟!

كيف يتحول قاع البحر الغارق في الظلام الي وادٍ طويل يتألق تحت ضوء الشمس ؟!

لو كانت في قلب الفرعون «منفتاح» ذرّة من الحكمة ما اقتحم الوادي العجيب . . لقد اعماه الغرور ، لم يفكر في آيات الله ومعجزات رسوله موسي . . لم يفكر في مستقبل بلاده وشعبه . . خدع الناس بالمظاهر الزائفة . .

عشرات الألوف من الجنود لا يعرفون سوي عبادة الفرعون وتنفيذ أوامره . .

وقف سيدنا موسي والي جانبه شقيقه هارون وبنو اسرائيل . . وقفوا ينظرون الي الفرعون وهو يمتطي مركبته الحربية ويلهب ظهر حصانه بالسوط اندفع الحصان الملكي واندفعت وراء مئات المركبات الحربية . .

فجأة انهارت السفوح المائية ، ودوّي صوت رهيب صوت ارتطام الأمواج الهائلة .

انفضت الأمواج من الجانبين لتسحق الفرعون الظالم ،وتسحق جنوده .

وكانت عاقبة الفرعون منفتاح ان تتقاذفه الأمواج وتسحقه وتبتلعه الي الأعماق المظلمة .

لقد شهد بنو اسرائيل اعظم معجزة في التاريخ الانساني ورأوا بأعينهم قدرة الله اللانهائية .

ورأي المؤمنون في ذلك الصباح حصاناً أبيض كالغيمة الناصعة لا يكاد يلامس الأرض حتي يطير . . ورأي رجل من بني اسرائيل ان التراب الذي يمسّه حافر الحصان الأبيض يتحرك . . يموج . . أخرج منديله وأخذ قبضة من ذلك التراب وصرّها في المنديل كان يريد أن يتبرك بذلك التراب .

سكن البحر بعد أن ابتلع الجيش الظالم ، هدأت الأمواج . . هدأت بعد أن كانت غاضبة هدأ البحر بعد أن ابتلع الظلم . .

فرح بنو اسرائيل . . فرحوا بنجاتهم من الظلم والعدوان كانوا يفكرون بغد مشرق وحياة آمنة .

وهكذا سار موسي وخلفه بنو اسرائيل الي مكان في شبه جزيرة سيناء .

هل انتهت محنة موسي ؟ . لقد نجح موسي ( عليه السلام ) في انقاذ بني اسرائيل من الظلم والعدوان . . من العمل الشاق والعذاب . . من الذبح والسجن . .

ولكنّ بني اسرائيل عاشوا عشرات السنين في مصر تعوّدوا علي الوثنية وتعلموا عبادة الأوثان والفراعنة . .

من أجل هذا كان علي سيدنا موسي أن يعلّمهم كيف يعبدون الله الواحد . . الله ربّ كل شيء . . لا معبود سواه ولا اله غيره . .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

الظامئون :

سار بني اسرائيل وسط رمال الصحراء وأصبحوا قريباً من المنطقة الجبلية التي تقع علي شاطئ البحر الأحمر بين خليج العقبة وخليج السويس .

كانوا يبحثون عن نهر صغير عن نبع من الماء . . شعروا بالظمأ . . بكي الأطفال من العطش . .

كان الحرّ شديداً . . الناس المؤمنون كانوا يؤمنون برسالة موسي ويثقون بالله . . ان الله لا ينسي عباده . . لهذا كانوا ينظرون الي موسي .

بعض الناس كانوا يخافون ان يموتوا من العطش . . الأرض هنا جرداء خالية من الماء .

كان بنو اسرائيل اثنتي عشرة طائفة . . كل قبيلة كانت تسير لوحدها وكان الجميع يسيرون خلف موسي . . وكان موسي يتوكأ علي عصاه ويسير واثقاً من رحمة الله .

وفي منعطف جبلي وبينما كان الأطفال والنساء والشيوخ يئنون من العطش ، هبط الملاك من السماء فأوحي الي موسي :

اضرب بعصاك الحجر !

وتقدم موسي ( عليه السلام ) الي صخرة في سفح الجبل فأهوي عليها بعصاه .

وحدثت المفاجأة انشقت الصخرة وتدفقت المياه باردة عذبة . .

انفجرت الصخرة الكبيرة عن اثنتي عشرة عيناً اتجهت كل طائفة من بني اسرائيل الي النبع الذي يخصّها . . وظهرت في السماء غيوم بيضاء حجبت أشعة الشمس اللاهبة .

الروح الوثنية :

وسار بنو اسرائيل الي مكان فسيح ليقيموا فيه . في الطريق صادفوا أُناساً وثنيين ، كانوا يدورون حول تماثيل حجرية ويتمتمون بكلمات مبهمة ، وكانوا يقرءون بعض الطقوس الوثنية .

قال بعض الرجال في بني اسرائيل لموسي ( عليه السلام ) :

{ اجعَل لّنَا اِلَهًا كَمَا لَهُم آلِهَةٌ }!!

شعر سيدنا موسي بالغضب من هؤلاء الذين يرون قدرة الله ثم يبحثون عن حجر يعبدونه من دون الله !

قال لهم موسي ( عليه السلام ) وهو يحاول أن يعلمهم دين جدّه ابراهيم :

{ اِنّكُم قَومٌ تَجهَلُونَ }. ان هؤلاء الوثنين علي باطل في ما يعملون . . كيف تريدون مني أن ارشدكم الي اله غير الله الذي فضلكم علي العالمين ؟!

الناس من بني اسرائيل عاشوا في مصر عشرات السنين فتحوا عيونهم ورأوا القبط يعبدون الفرعون ويعبدون الحيوانات المفترسة ويعبدون التماثيل ، لهذه تأثروا بالوثنية ، ولكنهم ظلّوا يدّعون انهم علي دين ابراهيم الخليل .

لهذا قالوا لموسي ( عليه السلام ) :

كيف نعبد الهاً لا نراه .

قال لهم :

لقد رأيتم آياته ، لقد أنقذكم من فرعون وهامان ورأيتم الماء العذب البارد يتدفق من قلب الصخور الصمّاء .

سكت الرجال من بني اسرائيل . ان ما يسمعونه حقيقة كبري ، ولكن قلوبهم لم تطمئن بعد .

المنّ والسلوي :

وانزل الله عليهم المنّ ، كان يشبه الثلج يهبط من الفضاء فوق الشجيرات الشائكة ، وفي الصباح كان بنو اسرائيل يرونه ناصعاً متألقاً فوق الاشواك ، فيجمعونه ، ويتناولونه وله طعم الحلوي الشهية .

وامّا السلوي فهو نوع من الطيور التي تطير علي ارتفاع شاهق ، ولكن الله أراد أن يكرم بني اسرائيل فكانت طيور السلوي تطير علي مقربة وكانت تتساقط أمامهم وهكذا رزق الله بني اسرائيل الأمن والمياه والطعام ، كل ذلك من أجل أن يدركوا حلاوة الايمان بالله سبحانه .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

الميقات :

وفي كل مناسبة وغير مناسبة كان بنو اسرائيل يطلبون من موسي أن يروا ربّهم . .

لقد اعتاد بنو اسرائيل علي الوثنية . . علي الايمان بالاشياء المحسوسة فقط . .

أراد موسي أن يقوّي الايمان في قلوبهم فاختار من قومه سبعين علي أن يلحقوا به في جبل الطور .

قال موسي لأخيه هارون :

أنت خليفتي علي بني اسرائيل يا أخي فاتبع طريق الصلاح ولا تتبع طريق المفسدين .

وكان الله سبحانه قد واعد رسوله موسي أن يمكث في الميقات شهراً كاملاً .

جاء موسي للميقات وكلّمه الله سبحانه .

وقال موسي بقلب خاشع .

{ رَبّ أَرِنِي أَنظُر اِلَيكَ } . . «يا ربّ مكنّي من النظر اليكم» قال الله سبحانه لرسوله : { لَن تَرَانِي } . . ان كل الكائنات لا تستطيع رؤيتي . . ولكن انظر الي الجبل . . فاذا ثبت الجبل في مكانه فانك تستطيع رؤيتي .

والتفت موسي الي جبل شاهق . . مرّت لحظات الانتظار . . فجأة حدث شيء رهيب . . غمر نور شديد الجبل ، وانفجرت الصواعق المدمرة ، وكان دوي الرعود مخيفاً ، وتشظّي الجبل !!

لقد دكّت القدرة الالهية ذلك الجبل العظيم ، وكانت الصخور العملاقة ، تتساقط بعنف فتهتز الأرض من تحت الأقدام . .

وهوي موسي فوق الأرض وقد فقد وعيه . . ومضي زمن ثم استيقط موسي ( عليه السلام ) من هول الصدمة الرهيبة ورأي الجبل وقد تهاوي . . ورأي موسي بعينه قدرة الله ، وأدرك ان الله لا يري بالعين بل يري بقلب الانسان المؤمن .

وطلب موسي ( عليه السلام ) من الله سبحانه شريعة تنظم حياة الناس وتسعدهم في الدنيا وفي الاخرة . .

من أجل هذا وعد الله رسوله بكلماته المقدسة ، وامتد الميقات أكثر من شهر .

فماذا حدث بعد أن ودع موسي قومه بني اسرائيل ؟

الفتنة :

قال الله لرسوله :

لماذا جئت قبل قومك .

أجاب موسي : انهم علي أثري وقد أسرعت اليك لترضي .

قال الله سبحانه : ان قومك قد فتنوا بالعجل ، وقد أضلّهم السامري .

شاعت بين بني اسرائيل ان موسي ذهب للقاء الرب . . موسي ذهب ليبحث عن الربّ . . موسي ذهب ليبحث عن الربّ . . يفتش عن الاله !

وكان هناك رجل من بني اسرائيل يدعي «السامري» كان ذلك الرجل قد رأي يوم العبور حصاناً سماوياً يلامس الأرض بحافر ، وكان التراب الذي يلامسه الحافر يتحرك . . لهذا أخذ قبضة من التراب وصرّها في المنديل . .

عندما ذهب موسي للقاء الله في الجبل واستماع كلماته ، استغل السامري تلك الفرصة ليصنع عجلاً ذهبياً .

راح يطوف علي بني اسرائيل ويجمع منهم الحلي الذهبية والفضية وبعض الجواهر والأحجار الثمينة ، وبعض الحلي المصنوعة من خشب الأبنوس .

قال السامري انه سيصنع لهم الهاً يعبدونه كما تفعل سائر الأقوام .

كان بنوا اسرائيل قد عاشوا مع الوثنيين وتأثروا بعقائدهم ، لهذا استجابوا لفكرة السامري .

صنع السامري عجلاً ذهبياً ، ثم قذف في جوفه التراب الذي احتفظ به يوم العبور .

فجأة صدر صوت من داخل العجل يشبه الخوار ، وضع السامري العجل فوق صخرة واجتمع بنو اسرائيل ينظرون اليه في خشوع ، وصاح السامري : هذا الهكم واله موسي .

وعنما اكتشف هارون تلك المؤامرة جاء اليهم وحذّرهم ، قال لهم :

يا قوم انما فتنتم به وان ربّكم الرحمن ، فاتبعوني وأطيعوا أمري يا قوم انما هو جماد لا يضر ولا ينفع . . انظروا انه لا يكلمكم ولا يحل لكم شيئاً من مشاكلكم .

لم يسمع بنوا اسرائيل نصائح هارون وقالوا :

سوف نستمر في عبادته الي أن يعود موسي .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

عودة موسي ( عليه السلام ) :

واتمّ الله ميقات رسوله موسي أربعين ليلة وآتاه الألواح .

الله سبحانه كتب له في الألواح المواعظ وبيّن شريعته . .

أوضح لهم طريق السعادة في الدنيا والاخرة .

وعاد موسي ( عليه السلام ) يحمل الألواح المقدسة الي قومه . . من أجل أن سيروا علي شريعة الله سبحانه .

الله سبحانه أخبره بفتنة السامري وعبادة العجل . . وشعر موسي بالغضب يتفجّر في قلبه .

كيف يمكن للانسان أن يعبد صنماً يصنعه بيده ويترك عبادة الله العظيم الكبير القويّ الذي وهب الناس الحياة والرزق وأرسل اليهم الأنبياء يخرجونهم من ظلام الجهل الي نور الايمان ؟!

ورأي موسي من بعيد قومه يسجدون لعجل ذهبي ، ويتضرعون اليه . فتضاعف غضبه ، وألقي الألواح بقوّة ، واتجه الي أخيه هارون ، وأمسك برأسه وجرّه من لحيته وصاح به في غضب :

ماذا فعلت يا هارون ؟! لماذا تركتهم يفعلون هذه الأباطيل ؟! هل عصيت أمري يا هارون ؟

قال هارون وهو يتألم من أجل أخيه .

لقد نصحتهم . . قلت لهم انه فتنة لكم . . لقد كادوا يقتلونني . . حاولت أن أفعل شيئاً ولكني خفت أن تقول لي فرّقت بين بني اسرائيل ولم تنتظر رأيي وأمري .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

والتفت موسي الي السامري :

ما خطبك يا سامري ، ما هذا الذي صنعته لبني اسرائيل أتريد أن تعيدهم الي عبادة الأصنام ؟

قال السامري :

لقد رأيت أثر الملاك علي التراب وأخذت حفنة منه ثم وسوست لي نفسي أن اُلقيه في جوف العجل الذهبي .

قال موسي بغضب :

أهذا هو الهك اذن ؟! انظر كيف سأحرقه أمامك .

وجمع المؤمنون الحطب حول العجل الصنم واشعلوا النار ، فالتهمت العجل في لحظات .

أراد سيدنا موسي أن يري بنو اسرائيل ان الأوثان لا قيمة لها ، وأن الله سبحانه هو القادر وهو الاله الحق .

انطفأت النار وتحول العجل الذهبي الي رماد ، وقام موسي والمؤمنون بحمل الرماد ورميه في البحر .

وشاهد ينو اسرائيل رماد العجل تعبث به الأمواج هنا وهناك وقال موسي لبني اسرائيل :

انما الهكم الله الذي لا اله الاّ هو وسع كل شيء علماً .

ثم قال للسامري :

: اذهب فان لك في الحياة أن تقول لا مساس .

سوف تحيا بقية عمرك وحيداً . . لأنك ستعيش نادماً وأنّ لك موعداُ لن تخلفه .

وندم الذين سجدوا من بني اسرائيل للعجل بعد أن أعلنوا ندمهم وأدركوا ان الله اذا لم يرحمهم ويغفر لهم فسيكونوا من الخاسرين .

وغفر الله لهم .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

وأخذ موسي معه السبعين رجلاً من قومه الي جبل الطور ليشهدوا نزول التوراة ، وهناك طلبوا من موسي ان يروا الله . وحذرهم موسي من العاقبة قال لهم ان الله لا يري بالعين ولا تحيط به الأبصار ، ولكنّهم لم يستجيبوا لنصائحه فاهتزّت الأرلاض تحت أقدامهم ، وارتجفت أجسامهم .

واندلعت الصواعق في السماء وانقضت عليهم فتساقطوا فوق الأرض موتي .

قال موسي يستغفر لهم :

{ رَبّ لَو شِئتَ أَهلَكتَهُم مّن قَبلُ وَاِيّايَ } . . { أَتُهلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السّفَهَاء مِنّا }؟ . . { أَنتَ وَلِيّنَا فَاغفِر لَنَا وَارحَمنَا وَأَنتَ خَيرُ الغَافِرِينَ }.

ومرّة أخري غفر الله لهم وأعاد اليهم الحياة كل ذلك من أجل أن يطهّر قلوبهم من الوثنية .

جبل الطور :

عاد موسي ( عليه السلام ) يحمل شريعة السماء فهل فرح بنو اسرائيل بالشريعة التي تكفل لهم السعادة في عالم الدنيا وعالم الاخرة ؟ كلاّ .

لقد رفض أكثرهم قبول شريعة السماء لأنها تريد أن تصنع منهم أناساً طيبين .

أما هم فكانوا يريدون أن يبقوا أنانيين لا يحبّ الواحد منهم الاّ نفسه .

وطلب موسي من قومه الميثاق للعمل بشريعة الله وعدم تجاوزها ، فرفضوا ذلك ، ولم يعطوا نبيهم الميثاق .

ونظر موسي الي السماء حائراً لا يدري ماذا يفعل مع هؤلاء الناس المعاندين ؟

وحدث شيء رهيب رأي الجميع جبل الطور العظيم يكاد تهوي قمته عليهم وسمعوا دوي الصخور وهي تتشقق في سطح الجبل .

وخشعت نفوسهم فاستسلموا لله صاغرين ، وعاهدوا رسول الله في العمل بما ورد في التوراة .

البصل !

في كل مرّ ة كان بنو اسرائيل يطلبون من موسي شيئاً عجيباً فقد طلبوا ذات مرّة البصل !

قالوا له :

يا موسي : { لَن نّصبِرَ عَلَيَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادعُ لَنَا رَبّكَ يُخرِج لَنَا مِمّا تُنبِتُ الأَرضُ مِن بَقلِهَا وَقِثّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا } !

لقد مللنا المن والسلوي اننا نشتهي أن نأكل البصل فادع لنا ربّك يخرج لنا البصل !

لم يقولوا له ادع لنا ربّنا قالوا له : ادع لنا ربّك وكِأنّ الله سبحانه هو ربّ موسي فقط لا ربّهم أيضاً ، ومع ذلك كان موسي يداريهم وكان الله يغفر لهم .

قال لهم موسي :

{ أَتَستَبدِلُونَ الّذِي هُوَ أَدنَي بِالّذِي هُوَ خَيرٌ }؟!

الأرض المقدسة :

وأراد الله سبحانه أن يتم نعمته علي بني اسرائيل فقال لهم موسي ( عليه السلام ) :

يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم .

عندما سمع بنو اسرائيل ذلك ، شعروا بالخوف من العمالقة الذين يسكنون تلك الأرض .

أراد الله سبحانه أن يحرر بنو اسرائيل الأرض المقدسة لكي تنتشر عبادة التوحيد .

ولكنّ بني اسرائيل يحبّون حياة الراحة تعودّوا أن يتم كل شيء بمعجزة قالوا خائفين :

يا موسي ان فيها قوماً جبّارين ونحن لن ندخلها حتي يخرجوا منها .

اطرد منها العمالقة لكي ندخل تلك المدينة . . فاذا خرجوا منها فاننا سوف ندخلها .

من بين تلك الألوف نهض رجلان فقط وقالا :

انكم اذا حاصرتم المدينة ودخلتم بوابتها ، فانكم سوف تنتصرون اذا كان في قلوبكم الايمان بالله ، فتوكلوا عليه .

ولكن بني اسرائيل سيطر عليهم الخوف فقالوا :

يا موسي انّا لن ندخلها أبداً ماداموا فيها . .

ثم قالوا له :

فاذهب أنت وربّك فقاتلا انها ههنا قاعدون !

مرّة أخري عاند بنو اسرائيل رسول الله قالوا له اذا أردت الحرب والقتال فاذهب أنت وربّك .

وشعر موسي بالحزن فرفع رأسه الي السماء وقال :

يا ربّ انّي لا أملك الاّ نفسي وأخي ، فاحكم بيننا وبين القوم الفاسقين .

وغضب الله علي بني اسرائيل بسبب ايذائهم النبي ( عليه السلام ) ، وبسبب عنادهم وتمرّدهم .

التيه :

كتب الله علي بني اسرائيل أن يتهيوا في جزيرة سيناء أربعين سنة ، فظلّوا يدورون في رمال الصحراء وكانوا يحلّون كل مدّة من الزمن في مكان من الجزيرة.

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

البقرة :

وفي تلك المدّة من الزمن وقعت بعض الحوادث منها ما حصل ذات يوم .

وقعت جريمة قتل في الليل ، وقام القاتل بحمل القتيل وطرحه في الطريق التي يسلكها أحد الصالحين .

القاتل كان خبيثاً فهو ابن عمه ، ومن أجل أن يدفع عنه الشبهات جاء الي سيدنا موسي يطالب بدمه .

ومرّت أيام ولم يُعرف القاتل ، وكادت أن تقع المشاجرات بين بني اسرائيل وانتشرت الشائعات وتبادل الجميع الاتهامات .

وأخيراً جاءوا الي موسي لحلّ تلك المشكلة المعقدة .

وأوحي الله اليه أن يذبحوا بقرة .

قال لهم موسي :

{ اِنّ اللّهَ يَأمُرُكُم أَن تَذبَحُوا بَقَرَةً }.

قالوا بدهشة :

هل تسخر منا يا موسي ؟!

قال سيدنا موسي :

أنا لست جاهلاً حتي اسخر منكم . .

ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة من أجل أن يحيي القتيل فيخبر عن القاتل .

وكعادتهم في العناد لم ينفذوا أمر الله فوراً ،

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

قالوا لموسي ( عليه السلام ) :

ادع لنا ربك يوضح لنا صفاتها .

الله سبحانه عندما رأي تشدّدهم شدد عليهم .

قال لهم موسي :

ان الله يقول انها بقرة ليست كبيرة في العمر وليست صغيرة . . متوسطة العمر . . فاذهبوا لتنفيذ أمر الله .

ولم ينفذّ بنو اسرائيل أمر الله بل عادوا مرّة أخري يقولون :

{ ادعُ لَنَا رَبّكَ يُبَيّن لّنَا مَا لَونُهَا }؟!

وشدّد الله عليهم .

قال موسي : زاهية الصفرة . ان الله يقول: { اِنّهَا بَقَرَةٌ صَفرَاء فَاقِعٌ لّونُهَا تَسُرّ النّاظِرِينَ }.

وذهبوا ثم عادوا يقولون لموسي ( عليه السلام ) .

{ ادعُ لَنَا رَبّكَ يُبَيّن لّنَا مَا هِيَ اِنّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَينَا }.

قال موسي ( عليه السلام ) :

الله يقول : انها بقرة لم تستخدم في حراثة الأرض وسقيها .

وعندها قال بنو اسرائيل :

الان جئت بالحق .

وذهبوا يبحثون عن تلك البقرة فوجدوها عند صبي يتيم ، فاشتروها منه بثمن كبير .

وأمام جموع بني اسرائيل ذبحت البقرة ثم أخذ بعض أعضائها ليضرب بها جسد القتيل ، وشاهد الناس معجزة أخري من معجزات سيدنا موسي .

عادت الحياة للقتيل وأخبر باسم القاتل وكان ابن عم له ، قتله من أجل أن يستولي علي ثروته ، ففضحه الله أمام الملأ .

مرّة أخري شاهد ينو اسرائيل قدرة الله ، وشاهدوا أيضاً بأعينهم صدق رسالة موسي وكرامته عند الله ، وشاهدوا أيضاً كيف أكرم الله الصبي اليتيم ، فقد جاءه رزق وفير بسبب ذلك .

كان ذلك الصبي بارّاً بابيه ، جاء الي أبيه ذات يوم في أمر مهم فرآه نائماً ، لم يوقظ أباه تركه نائماً .

عندما استيقظ الأب وعرف ذلك أهداه تلك البقرة ، فأراد الله أن يكرمه علي برّه بابيه فحدثت المعجزة ، وكانت بقرته هي الوحيدة التي أرادها الله لاحياء القتيل .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

الخضر :

وفي تلك المدّة أيضاً وقعت حادثة أخري عندما أمر الله موسي ( عليه السلام ) أن يذهب الي ساحل البحر ليتعلم الحكمة من أحد عباد الله الصالحين .

وتساءل موسي : أين يجد العبد الصالح لكي يتعلم منه الحكمة ؟

أوحي الله اليه أنه سيعثر عليه في «مجمع البحرين» واصطحب موسي الفتي يوشع بن نون ، وكانت العلامة أن يفتقد سمكة أخذها معه زاداً في الطريق .

وسار موسي وخلفه سار الفتي ، قال موسي لفتاه يوشع :

أخبرني عندما تختفي السمكة . وراح موسي ( عليه السلام ) يسير الي ان وصل «مجمع البحرين» .

وألقي موسي عصاه ونام . . كان متعباً جدّاً . .

ظهرت في السماء الغيوم ، وهطل المطر . .

عندما غمرت مياه المطر المتاع عادت الحياة الي السمكة واتخذت طريقها الي البحر مع جداول الماء التي صنعها المطر .

واستيقظ موسي من نومه ونادي يوشع بن نون لاستئناف المسير .

وأنسي الشيطان يوشع بن نون قصة السمكة فلم يخبر موسي ( عليه السلام ) بما حصل . وسارا مسافة طويلة حتي شعرا بالتعب والجوع .

قال موسي لفتاه :

هات طعامنا . . لقد تعبنا من طول الطريق .

وهنا تذكر يوشع ما حصل للسمكة فقال لموسي ( عليه السلام ) :

أتذكر المكان الذي استرحنا فيه لقد عادت الحياة للسمكة واتخذت طريقها الي البحر . . ولقد أنساني الشيطان أن أخبرك .

قال موسي وقد أشرق وجهه :

هذا ما كنا نطلبه هيّا بنا الي الصخرة التي جلسنا عندها وعادا يحثان السير الي نفس المكان الذي استراحا فيه .

وهناك رأي موسي الرجل الصالح كان جالساً فوق صخرة يتأمل أمواج البحر .

حيّا موسي الرجل بتحية طيّبة ، ابتسم الرجل الصالح وردّ التحية بأحسن منها وسأل :

من تكون ؟

أنا موسي بن عمران .

قال الرجل الصالح :

نبي بني اسرائيل ؟

قال موسي متعجباً .

نعم . . ولكن من أخبرك بذلك .

أخبرني الذي أرسلك اليّ .

وأدرك سيدنا موسي انه قد عثر علي الرجل الذي يبحث عنه .

قال موسي ( عليه السلام ) :

أريد أن أصحبك لأتعلّم منك ما علمك الله سبحانه .

قال الرجل الصالح :

انك لا تستطيع معي صبراً . . وهذا حقك لأنك لا تعلم الحكمة من وراء أعمالي .

قال موسي :

سوف أحاول الصبر . . وأعدك بان اطيعك اذا ما أمرتني بشيء .

اذا أردت ترافقني في رحلتي فان لذلك شرطاً .

قال موسي :

ما هو ؟

لا تسألني عن أي شيء أقوم به ، وسوف أحدّثك فيما بعد .

وافق سيدنا موسي علي ذلك فسارا معاً .

ولكن من يكون ذلك الرجل الصالح . . يقولون انه الخضر ( عليه السلام ) وكان نبياً من الأنبياء .

وأمّا أين حدث اللقاء ؟ يقولون انه كان في مجمع البحرين .

البحر الأبيض والمحيط الأطلسي في مضيق جبل طارق .

هل واصل يوشع بن نون مسيره مع سيدنا موسي ( عليه السلام ) أم عاد الي بني اسرائيل في سيناء ؟ لا أحد يعرف .

الله سبحانه قص علينا رحلة سيدنا موسي مع الخضر . . سيدنا موسي ( عليه السلام ) يحبّ العلم لهذا عندما أوحي اليه الله بوجود رجل عالم ، رجل صالح ، ذهب اليه ليتعلّم منه .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

سيدنا موسي والرجل الصالح يسيران علي الشاطئ ، وصلا الي ميناء ووجدا سفينة . .

ركب سيدنا موسي والرجل الصالح مع المسافرين ، وراحت السفينة تشق طريقها في البحر .

وقبل أن تصل السفينة أحد المرافئ ، قام الرجل الصالح بانتزاع لوح من السفينة ، رأي موسي ( عليه السلام ) ذلك فقال مستنكراً :

أتخرق السفينة لتغرق أهلها . . ان هذا لعمل فظيع ؟!

قال الرجل الصالح مذكّراً موسي بالاتفاق :

ألم أقل لك انك لا تستطيع الصبر علي ما أقوم به ؟!

وتذكر موسي الاتفاق فقال :

اعتذر لك . . لقد نسيت . . أرجو أن تسامحني .

غادرا السفينة في المرفأ وراحا يواصلان سيرهما باتجاه احدي القري .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

كانا جائعين متعبين ، ولم يكن معهما من النقود ما يمكنها أن يشتريا شيئاً من الطعام .

وصلا القرية ، وسألا أهلها طعاما يأكلانه ، ولكن أحداً لم يقدّم لهما شيئاً ! ولم يستقبلهما أحد .

ورأي موسي والرجل الصالح مجموعة من الناس ينظرون الي جدار يريد أن يسقط . .

لم يكن بينهم من يمكنه أن يفعل شيئاً لذلك الجدار . . تقدّم الرجل الصالح الي الجدار ، وقد خطرت في باله فكرةً .

استطاع الرجل الصالح أن يعيد للجدار صلابته واستقامته . . باسناد أساسه بدعائم قوّية .

عندما انتهي عمله قال موسي للخضر :

لقد كان عملك رائعاً . . ولكن لماذا لم تأخذ عليه أجرة ؟!

أراد موسي أن يذكّر الرجل الصالح بأنه لو أخذ أجرة لاستطاعا أن يشتريا طعاماً بها .

قصة سيدنا موسي  عليه السلام

قال الخضر مذكّراً بالاتفاق :

هذا فراق بيني وبينك . . لقد قلتُ لك أنك لا تستطيع معي صبراً . . سوف أخبرك بحكمة ما قمت به . . لقد خرقت السفينة . . لأن أصحابها مساكين . . وهناك ملك ظالم يأخذ بالقوّة السفن ويغتصبها من أصحابها . . لقد أردت أصنع فيها عيباً حتي لا يأخذها الملك منهم ويمكنهم بعد ذلك اصلاحها .

اما هذا الجدار فهو لصبيين يتيمين في المدينة وتحت الجدار كنزهما فلا يأخذه منهما أحد .

ان كل ما فعلته يا موسي لم يكن الاّ تنفيذاً لمشيئة الله سبحانه .

وودّع موسي الرجل الصالح وقد تعلّم شيئاً مهماً : ان وراء بعض الأعمال حكمة لا يعرف تفسيرها الاّ الله سبحانه .

فهناك أعمال قد تبدوا في الظاهر سيئة ، ولكن وراءها حكمة فعلي الانسان أن يتعمق في ما يري قبل أن يصدر حكمه عليها .

التوراة :

عاد موسي الي قومه ، وظل يعظ قومه ويهديهم الي النور والهداية ، وكان يعلمهم التوراة . .

التوراة كان كتاب هداية ونور . . هكذا قال القرآن الكريم عنه ولكن اليهود بعد أن توفي سيدنا موسي حرّفوه .

كانوا يمسحون مواعظه وأحكامه الالهية ويضعون بدلها ما تهوي أنفسهم وما ينسجم مع تقاليدهم ومصالحهم الشخصية .

ولم يكتفوا بذلك بل راحوا يملأون التوراة بالأساطير والأكاذيب . فمثلاً نقرأ في التوراة :

عندما كان آدم وحواء في الجنة وقد أكلا من الشجرة سمعوا صوت الرب يتمشي بين الأشجار .

اختبأ آدم وحواء بين الأشجار ، نادي الرب علي آدم :

أين أنت ؟

قال آدم :

سمعت صوتك ولأني عار فقد خفت واختبأت .

قال الربّ :

هل أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها ؟

ثم يقول الرب : وهذا الانسان قد أصبح مثلنا عرف الخير والشر ، وربّما سيعثر علي شجرة الحياة ويأكل منها وسيبقي مثلنا الي الأبد .

لهذا طرده الله !

فالتوراة اليوم ليست هي التوراة كما نزلت علي سيدنا موسي ( عليه السلام ) ان سيدنا موسي بريء من الأكاذيب التي سطرها اليهود .

الله سبحانه أرسل بعد موسي أنبياء كثيرين الي بني اسرائيل ولكنهم كانوا يقتلونهم أو يؤذونهم .

وأصبح اليهود أُناساً قساة القلوب لهم عادات وتقاليد غير انسانية ، وهم يقدسون كتاباً آخر هو التلمود . . التلمود يعلمهم أشياء سيئة يقول لهم :

1. ان اليهود شعب الله المختار . أما غير اليهود فهم حيوانات .

2. علي اليهودي أن يسعي دائماً لاضعاف الأمم والشعوب ليصبح اليهود حكاماً علي العالم .

3. يجوز لليهودي أن يسرق من أموال غير اليهود .

4. يجوز لليهودي أن يخدع غير اليهود وأن يأخذ منه الربا الفاحش وأن يضطره لبيع كل ما يملك لليهودي .

وسوف نتحدث يا أعزاءنا عن بعض أنبياء الله الذي أرسلهم الي بني اسرائيل لنعرف كم عاني الأنبياء من عذاب ومحن علي أيدي اليهود .

________________________________________

[1] في الجنوب من القاهرة .

[2] سورة يونس ( 10 ) الايتان : ( 91 – 92 ) .